مقالات

مفارقات الحرب المدهشة بقلم أحمد مختارالبيت السودان

بقلم أحمد مختارالبيت السودان

مفارقات الحرب المدهشة
أحمد مختارالبيت
(1) في الوقت الذي هب فيه أهل السودان في كل الأقاليم والمدن والقرى والطرقات، لنجدة الفارين من جحيم الحرب وأهوالها، وافصحوا عن أصالة معدنهم، وعن قيم ومآثر وفضائل ظنها الكثيرون اندثرت وعفى عليها الزمان، وعجزت الكلمات عن وصفها، فقد امتصت الكثير جدا من إفرازات الحرب وتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بينما نجد في المقابل صور مناقضة كليا لتلك المواقف المشرقة، حيث استثمرت عصابات اللصوص والمجرمين الظروف المحيطة بالناس وسعت إلى السطو على الممتلكات العامة والخاصة، وسرقة كل ما وصلته أيديهم، واشعلوا النار فيما تبقى من مباني وأماكن وممتلكات واتلفوا مالم يستطيعوا حمله، في مفارقة صارخة لكل المعاني والقيم، والإحساس بالوطن. وفي هذه المساحة الغامضة بين قيم الوفاء والإيثار والتضحية وإغاثة الملهوف وحماية اللائذ، التي افصح عنها أهل السودان وبين نوازع الشر والحقد والكراهية والمواقف العدمية للبعض، تكمن أزمة الوطن ومحنته، فقد ظلت دائرة الفقر المدقع، والعوز والعطالة والجوع والمذلة والإهانة المجتمعية والظلم، تمدد في نفوس قطاعات واسعة من المجتمع، نتيجة الحروب المتطاولة، وفشل الدولة، ومؤسساتها في أيجاد معادلة توفر الحد الأدني للحياة بكرامة لتلك الشرائح الضعيفة، وسمحت في نفس الوقت للفساد والمفسدين والمتاجرين في معاناة الفقراء أن يكونوا دولة داخل الدولة، وأن يحتكروا كل شيء لصالح أباطرة المال والترف والبذخ، فتمزق الوجدان الوطني المشترك، وفقدت شرائح عديدة الإحساس بقيمة الوطن والهم العام، ونما في دواخلها الحقد على الآخرين، وما يحدث الآن في الخرطوم ومدن أخرى وفي الطرق بين الولايات، هو النتيجة المنطقية لذلك الموقف المتنكر للعدالة الاجتماعية وحق الفقراء في أموال الأغنياء، والأمل كبير أن يتحرك أهل السودان من لجان مقاومة وأحزاب وخيرين ومغتربين ونساء ورجال وشباب، الذين ادهشوا أنفسهم قبل الآخرين، بمواقفهم الإنسانية النادرة المثال، أن يتحركوا بذات الهمة والاندفاع، خطوة للأمام بوقفات جماعية لوقف الحرب، وإخراس صوت البنادق ولغة الدمار التي شوهت صورة شعبنا وبلدنا كثيرا في أذهان شعوب العالم، واهل السودان قادرون على فعل ذلك، وعلى إعادة إعمار وطنهم كما يتمنون.
تصوروا فقط، مجرد تصور، لو أن الذين خرجوا فارين من الحرب في كل الاتجاهات خرجوا في شوارع الخرطوم وأزقتها لحظة اندلاع الحرب، وهم يحملون رايات السلام، وينادون بوقف الحرب، هل يستطيع أمراء الحرب الاستمرار فيها؟ فما بالك اليوم وقد ظهرت صورها المأساوية، لكل صاحب ضمير حي.
صحيفة الهدف -السودان-

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب