تحذيرات من استعجال التطبيع: حكم الشرع يزداد «هشاشة»

تحذيرات من استعجال التطبيع: حكم الشرع يزداد «هشاشة»
ثمة تحذيرات من التسرّع في فرض التطبيع بين دمشق وتل أبيب، وسط انقسامات داخلية وتحديات تعيق شرعنة أي تنازل استراتيجي عن الجولان المحتل.

تقترن بوادر «حسن النية» التي تظهرها الإدارة الأميركية في عهد دونالد ترامب، إزاء سوريا، والتي تهدف إلى التوصل إلى تطبيع للعلاقات بين إسرائيل والحكومة الجديدة في دمشق، بتشكيك متزايد في إمكانية تحقيق الأهداف المرجوّة منها، على الأمد القريب أقلّه، وسط تحذيرات من أنّ مثل تلك الخطوة ستصطدم بـ«الانقسامات» التي تسيطر على المشهد السوري، وتعمل على تعزيزها.
وعلى الرغم من «الأرضية المشتركة» التي تجمع الإدارة السورية الجديدة بإسرائيل، ولا سيما في ما يتعلق بالعداء لإيران، والمخاوف الأمنية بشأن الجماعات «المدعومة منها»، وعلى الرغم كذلك من أنّ كلا الطرفين يريان في ترامب «حليفاً مقرّباً»، فإنّ «الهدف» من المحادثات الجارية بين تل أبيب ودمشق يبدو، حالياً، «أقل محدودية» من انضمام سوريا إلى اتفاقيات التطبيع، على غرار ما دعت إليه واشنطن، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز».
وتنقل الصحيفة عن أربعة أشخاص مطّلعين على المحادثات قولهم إنّ «المسؤولين السوريين لم يُظهروا أي ميل إلى الانضمام إلى الاتفاقيات في القريب العاجل، أو تطبيع العلاقات مع إسرائيل بأي شكل آخر». ويؤكد المسؤولون الأربعة المطّلعون، وآخرون التقوا بأحمد الشرع وناقشوا الموضوع، أن الحديث عن علاقات دبلوماسية طبيعية «سابق لأوانه»، وإن كانوا يرون في الشرع «صورة لرئيس سوري أكثر واقعية وانفتاحاً على التعامل مع إسرائيل من أسلافه في العقود الخمسة الماضية».
وفي الاتجاه نفسه، يرى الحاخام أبراهام كوبر، مدير «العمل الاجتماعي العالمي» في مركز «سيمون فيزنثال»، وهي منظمة يهودية لـ«حقوق الإنسان»، أنّه بناءً على «ما فهمه من ترامب»، فمن غير المرجّح «أن نسمع عن اتفاقية آبراهام على المدى القصير مع سوريا»، مشيراً إلى أنّ السيناريو الأكثر ترجيحاً هو «فك الصراع والتأكد من أن إسرائيل وسوريا ليستا عدوّتين».
وينسحب التقدير نفسه على تقرير أوردته مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، والتي تربط تطبيع العلاقات بين الطرفين، بشكل رئيسي، بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية لسوريا في عهد رئيس «عاجز» عن ضبطها. وممّا يرد في التقرير أنه «على الرغم من التغيير الذي حصل في القيادة، فإن صنع السلام لن يكون سهلاً، بل في الواقع، قد لا يكون ممكناً. ولحسن الحظ، فإن هذا لا يستبعد وجود أشكال محدودة من التعاون الأمني، نظراً إلى أنّ سوريا وإسرائيل تستطيعان إيجاد أرضية مشتركة في مواجهة التهديدات المشتركة، وخاصة حزب الله وغيره من الوكلاء الإيرانيين الذين يعملون بالقرب من حدودهما». وبحسب المصدر نفسه، فإنّ «المفاوضات التي تعطي الأولوية لهذه الأهداف المتواضعة على حساب اتفاق السلام الشامل، قادرة على أن تسفر عن نتائج ملموسة بشكل أكبر».
ويبرّر أصحاب الرأي المتقدّم موقفهم بالإشارة إلى أنّ «الحقائق البنيوية التي أدّت إلى فشل المفاوضات السابقة لا تزال قائمة، وهي تفاقمت بسبب التحديات الجديدة»؛ إذ أدّت عملية السابع من أكتوبر إلى «تقوية الإجماع الوطني لدى السوريين ضد التنازل عن أي أراض استراتيجية». وبالنسبة إلى هؤلاء، فإن الاعتراف بخسارة الجولان – الذي يُنظر إليه على أنه رمز للكرامة الوطنية – يظل أمراً غير قابل للتصور من منظور سياسي.
حتى «الإيماءات الرمزية» نحو السلام قد تخلق ردود فعل سلبية من المواطنين والجماعات الجهادية
وفي حين قد يكون الجولان «العائق الأكثر وضوحاً»، إلا أنّه ليس الوحيد؛ فالشرع يحكم بلداً لا يزال يعاني من الحرب الأهلية، بمؤسسات هشّة وجمهور متشكّك. وفيما كانت إسرائيل بالفعل لا تحظى بشعبية كبيرة في سوريا، فقد أدّت الأحداث الأخيرة إلى تفاقم الوضع، عقب شنّ تل أبيب حملة جوية وبرية لتدمير البنية التحتية العسكرية السورية وإرسال قوات إلى جنوب سوريا، والتمركز في مواقع داخل المنطقة المنزوعة السلاح التي أنشئت بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973 وخارجها. ويُضاف إلى ذلك، أنّ السوريين العاديين شاهدوا صور حرب غزة وهي تُعرض على شاشات التلفزيون على مدى العام ونصف عام الماضيين، الأمر الذي زاد «من تعقيد قدرة الشرع على مواصلة أي مفاوضات».
وبناءً على ما تقدّم، قد تؤدي حتى «الإيماءات الرمزية» نحو السلام مع إسرائيل إلى ردود فعل سلبية من جانب المواطنين والجماعات الجهادية على حد سواء، ما يعني أنّ العقبات التي تعترض التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وسوريا، تفوق «الحوافز» المقدّمة للشرع. وحتى لو كان الأخير على استعداد للتوصل إلى تسوية في شأن الجولان والسعي إلى إبرام معاهدة سلام مقابل حوافز معيّنة، من مثل توسيع نطاق تخفيف العقوبات أو ضمان الاستثمارات الأجنبية في البلاد، فإن الدولة المنقسمة تحدّ من قدرته على التوصل إلى أي اتفاق من هذا النوع، ولا سيما أنّ الكثير من أجزاء سوريا «لا تزال خارج سيطرته»، وأنه لم يمضِ على توليه الحكم أكثر من ستة أشهر.
كذلك، فإنّ «بعض المقاتلين الأجانب الذين ساعدوا الشرع في الإطاحة ببشار الأسد ينقلبون ضده بالفعل»، لأسباب عدة، من بينها اعتقادهم بأنّه «يتعاون مع الولايات المتحدة لاستهداف الفصائل المتطرفة». وقد دان بعض هؤلاء المقاتلين، حكومة الشرع الجديدة ووصفوها بأنها «غير إسلامية»، منتقدين تواصلها مع المسؤولين الغربيين.
ولتلك الأسباب، يتعيّن على الولايات المتحدة، بحسب هذا الرأي، أن تتوسط «في إطار عمل يضع الأمن في المقام الأول، ويعمل على تخفيف التوترات وبناء الثقة، مع تجنب دفع الشرع إلى تقديم تنازلات ضارّة سياسياً». ويشمل إطار العمل المشار إليه، الطلب من دمشق طرد جميع الفصائل والقادة الفلسطينيين الذين عملوا على الأراضي السورية، ودفع سوريا إلى التنسيق مع إسرائيل لتفكيك الميليشيات المدعومة من إيران والمتحصّنة في الجنوب، وإلى التعاون الاستخباراتي بين دمشق وتل أبيب «ضدّ حزب الله».
ويختم التقرير بالإشارة إلى أنّه «في نهاية المطاف، فإن اتفاق التطبيع الشامل بين سوريا وإسرائيل – على غرار اتفاقيات أبراهام – غير واقعي في الأمد القريب، ولا يجب التعجّل فيه، نظراً إلى أنّ الضغط من أجل تحقيق اختراق سريع قد يأتي بنتائج عكسية، ويدفع بالشرع إلى التخلي عن العملية بالكامل»، كونه يدرك «أنّ التسرّع فيها قد يؤدي إلى زعزعة قبضته الهشّة على السلطة». ويعني ما تقدّم أنّ على واشنطن «التمسك بنهج تدريجي ومرحلي» لتحقيق الأهداف التي ترنو إليها.