عربي دولي

جدل سياسي وحقوقي عقب منع نصيرة ديتور المدافعة عن ملف المفقودين من دخول الجزائر

جدل سياسي وحقوقي عقب منع نصيرة ديتور المدافعة عن ملف المفقودين من دخول الجزائر

لا تزال قضية ترحيل الحقوقية الجزائرية نصيرة ديتور، المدافعة المعروفة عن ملف المفقودين، تصنع الجدل السياسي والحقوقي في الجزائر، بعد منعها من دخول البلاد، وإعادتها إلى باريس على متن رحلة للخطوط الجوية الفرنسية.

وكانت شرطة الحدود الجزائرية، وفق بيان للمنظمة التي ترأسها ديتور، قد احتجزت الحقوقية لمدة ثلاث ساعات، في 30 تموز/ يوليو 2025 قبل أن تستجوبها وتقوم بإعادتها إلى فرنسا، دون تقديم توضيحات رسمية بشأن أسباب الترحيل.

وتُعرف ديتور، رئيسة جمعية عائلات المفقودين في الجزائر (CFDA) والاتحاد الأورو-متوسطي ضد الاختفاء القسري (FEMED)، بنشاطها المتواصل حول فترة العشرية السوداء، وهو نضال ارتبط باختفاء ابنها في تلك السنوات، ما جعلها من أبرز الأصوات المطالبة بكشف مصير المختفين داخل الجزائر.

وفي أبرز ردود الفعل، طالب النائب عبد الوهاب يعقوبي، ممثل الجالية الوطنية بالخارج في المجلس الشعبي الوطني، بفتح تحقيق عاجل وشفاف في هذه الحادثة، معربًا عن استنكاره الشديد للإجراء الذي اعتبره مخالفًا للدستور وللالتزامات الدولية للجزائر.

وأوضح النائب المنتمي لحركة مجتمع السلم (حزب إسلامي) أنه سبق أن حذّر من مثل هذه الممارسات خلال حادثة مماثلة في أبريل 2024، حين مُنع الصحافي فريد عليلات من دخول البلاد، واصفًا آنذاك ما جرى بأنه سابقة لا تليق بدولة تعلن التزامها بحقوق مواطنيها.

وأكد يعقوبي أن تقييد حرية التنقل، المكرسة في المادة 49 من دستور 2020، خارج الإطار القضائي، يمثل انتهاكًا صريحًا للضمانات الدستورية، داعيًا السلطات إلى الالتزام الصارم بالقانون واحترام الحقوق والحريات الفردية لجميع المواطنين.

بدوره، أدان حزب جبهة القوى الاشتراكية، منع ديتور من دخول التراب الوطني، معتبرًا أن غياب قرار قضائي يجعل ما حدث انتهاكًا صارخًا للضمانات الدستورية والقانونية المتعلقة بحرية تنقل المواطنات والمواطنين.

ورأى الحزب في بيان وقعه أمينه الأول يوسف أوشيش، أن الصمت أمام مثل هذه التجاوزات يعد تزكية للتعسف وتقبلاً للظلم، داعيًا إلى التخلي عن الذهنيات الأمنية واعتماد مقاربات سياسية تحترم الحقوق والحريات. وشدد على أن سيادة القانون في إطار ديمقراطي تمثل الضمان الحقيقي للاستقرار والعدالة والكرامة للجميع.

في غضون ذلك، وصفت لجنة إنقاذ الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان القرار بـ”التعسفي” و”المشين”، ورأت فيه إهانة لعائلات المفقودين، مؤكدة أن ديتور تمثل منذ عقود نضال هذه العائلات في سبيل كشف الحقيقة.

وأبدت اللجنة في بيان لها قلقًا بالغًا من المساس الخطير بالحقوق والحريات الفردية، ولا سيما الحق في حرية التنقل والدفاع عن حقوق الإنسان وواجب حفظ الذاكرة، داعية السلطات إلى وقف هذه الممارسات السلطوية والتخلي عن السياسة الأمنية البحتة.

وفي تدوينة له، اعتبر المحامي والحقوقي عبد الغني بادي أن ما حدث يمثل خرقًا واضحًا للدستور، موضحًا أن المادة 49 تكفل لكل مواطن يتمتع بحقوقه المدنية والسياسية حرية اختيار موطن إقامته والتنقل عبر التراب الوطني، والدخول والخروج منه، ولا يمكن تقييد هذه الحقوق إلا بقرار معلل صادر عن السلطة القضائية.

وأشار إلى أن ما جرى مع ديتور تم دون إبلاغها بأي قرار قضائي، وهو ما يجعله مخالفًا للقانون، مؤكدًا أن منع أي جزائري من دخول بلده دون معرفة الأسباب أو تمكينه من الدفاع عن نفسه أمر مرفوض ومدان وغير مقبول.

وفي السياق نفسه، أصدرت منظمة “شعاع لحقوق الإنسان” بيانًا اعتبرت فيه ترحيل ديتور مساسًا بحرية التنقل المكفولة دستوريًا، ودعت إلى التراجع عن القرار والسماح لها بدخول الجزائر دون قيود، مؤكدة أن نشاطها يندرج ضمن الحقوق المكفولة للمدافعين عن حقوق الإنسان بموجب المواثيق الدولية.

وكان حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (الأرسيدي) أول المنددين بالقرار، حيث اعتبر ما جرى جزءًا من “سياسة القمع الممنهج” ضد النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، ومؤكدًا تضامنه الكامل معها ودعوته إلى احترام الحقوق الأساسية للمواطنين وفي مقدمتها الحق في العودة إلى الوطن.

وقد أعادت هذه القضية إلى الأذهان واقعة منع الصحافي فريد عليلات في نيسان/ أبريل 2024 من دخول الجزائر، حيث احتُجز لأكثر من 11 ساعة في مطار الجزائر الدولي قبل ترحيله، ما أثار حينها موجة استنكار.

وتُعد قضية المفقودين في الجزائر من أشهر مخلفات العشرية السوداء التي شهدتها البلاد خلال تسعينيات القرن الماضي، حيث لا تزال الآلاف من العائلات تطالب بكشف مصير أبنائها الذين اختفوا خلال تلك الفترة.

وتطالب جمعيات عائلات المفقودين بفتح تحقيقات شفافة وتحديد المسؤوليات، بينما تشير السلطات إلى أن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية أغلق هذا الملف قانونياً، في حين تؤكد منظمات دولية أن “الحق في معرفة الحقيقة” لا يسقط.

– “القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب