تحية شعرية إلى فلسطين وأنشطة موسيقية وبيئية وحرفية: «حرش بيروت» للشعب!

تحية شعرية إلى فلسطين وأنشطة موسيقية وبيئية وحرفية: «حرش بيروت» للشعب!
بعد غياب دام ثلاث سنوات نتيجة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي مرّ بها لبنان، يعود مهرجان «حرش بيروت» بدءاً من الغد حتى السابع من أيلول (سبتمبر).

بعد غياب دام ثلاث سنوات نتيجة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي مرّ بها لبنان، يعود مهرجان «حرش بيروت» بدءاً من الغد حتى السابع من أيلول (سبتمبر).
هكذا، يفتح المهرجان أبواب أكبر محمية خضراء في العاصمة اللبنانية للناس، مقدّماً برنامجاً منوّعاً يمتد على ثلاثة أيام يضم حفلات موسيقية وغنائية، وعروضاً مسرحية وبهلوانية، وأمسيات شعرية، وورشاً بيئية، وأنشطة للأطفال وأسواقاً شعبية.
تحمل دورة 2025 رمزية مضاعفة، إذ تأتي بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان ومع استمرار الإبادة الجارية على قدم وساق في غزة. لذا، يخصّص البرنامج حصّة لفلسطين التي ما تزال تقاوم محاولات الطمس وإبادة شعب وثقافته وحضارته.
الحرش كرمز ومساحة عامة
يشرح مدير المشاريع في جمعية «السبيل» ومنسّق المهرجان محمد ضاهر: «يشكّل الحرش أكبر مساحة عامة في بيروت، ويمنحه موقعه عند خطوط التماس السابقة رمزيةً استثنائيةً.
نسعى عبر المهرجان إلى إبقائه مفتوحاً وفاعلاً للجميع». ويستعيد ضاهر الدورة الأولى عام 2011 التي أعادت فتح الحرش للناس بعد سنوات من الإقفال، مؤكّداً أنّ الاستمرارية ــــ رغم الانقطاعات ـــ تعكس إصرار الجمعية على حماية الفضاء العام كحق جماعي. ويضيف ضاهر: «نرتبط بالحرش كمساحة عامة لأنّنا ندير أيضاً المكتبات العامة، أي إنّ رؤيتنا تنطلق دوماً من فكرة المشاع الذي يخصّ الناس جميعاً. لذلك نعتبر أنّ الأمسية الشعرية التي توجّه تحيّة إلى فلسطين، تشكّل محطة أساسية هذا العام، خصوصاً من قلب الحرش وبرمزيته في هذا الوقت، مع ما تمرّ به غزّة وكل ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية».
فلسطين أولاً
يوجّه المهرجان «تحيّة إلى فلسطين» في صدارة برنامجه يوم السبت (7:00 – 8:00 مساءً ــــ السرح الأوّل). يشارك فيها الشعراء: عماد الدين طه، وجمانة نجّار، وأنطوان بولاد، وباسل عبد العال، ومردوك الشامي، وتقدّمها الإعلامية داليا مزهر. يعتبر الشامي أنّ «إفراد مساحة للشعر داخل المهرجان وسط الأجناس الإبداعية الأخرى من عروض مسرحية وغنائية، يرسّخ يقيناً بأن القصيدة ما تزال في قلب الفنون».
ويضيف: «حين تتوجه الأمسية لقضية فلسطين، تصير الكلمة سلاحاً يواجه الكوكب الخراب، ويؤكّد على أنّ الشعر لم يفقد الهدف». ويرى أنّ الشعراء «سيحملون بالصورة الشعرية آلام غزّة، وبالكلمة موقف المقاومة، ليؤكدوا أنّ الكلمة قادرة على صنع الفارق».
ويشدّد على فرادة الإلقاء في فضاء عام: «حين يتجاور صوت الشعر مع حفيف الأشجار والنسيم، يلتقي الشعر بجمهور واسع من الناس العاديين، لا بالنخب وحدها». وعن الرسالة التي يتمنى إيصالها، يقول: «نريد أن نؤكد أنّ الشعر بخير، وأنّ الكلمة تجدي، ولو كانت أضعف الإيمان، فهي تبقى أسمى من الصمت والحياد».
الافتتاح مع جاهدة
تفتتح الفنانة جاهدة وهبي المهرجان غداً الجمعة (8:30 – 10:00 مساءً) لتقول إنّ «الفن فعل حياة وثقافة ومواجهة. يعبّر حضوري في الحرش عن موقف يؤكّد بأنّ بيروت، رغم جراحها، قادرة على الغناء والحلم». وتضيف أنّ الغناء في الهواء الطلق يحرّر الصوت، ويجعل العلاقة مع الجمهور أكثر حميمية، بحيث «يتماهى الصوت مع نسيم الشجر وزقزقة العصافير».
للفنون المشهدية حصّة في الحدث، عبر مسرحية «مجدّرة حمراء» (تأليف وإخراج يحيى جابر وتمثيل الممثلة أنجو ريحان ــــ يوم السبت (8:30 – 10:00 مساءً، السرح الثاني).
تقول ريحان: «تحتضن المسرحية شخصيات من الشياح والطيونة وبئر العبد، أي من محيط الحرش ويمثّل العرض هنا عودة طبيعية إلى فضائه»، فيما يقدّم طلاب فرقة «كمنجاتي» حفلة بعنوان «ع دروب الهوى – تحيّة لزكي ناصيف» يوم الأحد (8:30 – 10:00 مساءً، السرح الأوّل). يترجم الطلاب عاماً كاملاً من التدريب إلى تجربة حيّة أمام جمهور واسع.
العروض البهلوانية
يقدّم المهرجان يوم السبت برنامجاً منوّعاً يخاطب مختلف الشرائح العمرية، إذ يبدأ بجولة استكشافية في الحرش (3:00 – 4:00) وأنشطة مع «كتّابص» (3:00 – 5:00)، تليها ورشة بيئية حول التسبيخ مع Lebanese Composters وندوة لجمعية «نحن» عن تاريخ الحرش (4:00 – 5:00). ينتقل الزوّار بعدها إلى عرض مسرحية الدمى «شتي يا دني صيصان» لـ «مسرح الدمى اللبناني – خيال» (5:00 – 6:00، السرح الأوّل)، قبل أن يقدّم فريق Clown me in عرضه البهلواني ClownVentures (6:00 – 7:00).
أما الأحد، فيتكرّر المشهد مع جولة جديدة (3:00 – 4:00)، تليها ورشة لصناعة الدمى بالكلسات مع Teatrino Beirut (3:00 – 4:00) وندوة ثانية لجمعية «نحن» حول الساحات العامة (4:00 – 5:00). يواصل Teatrino Beirut تقديم مسرحية «حكاية جدّو عن لبنان» (5:00 – 6:00، السرح الأوّل)، قبل أن تختتم فرقة Cirquenciel برنامج النهار بعرض سيرك (6:00 – 7:00، السرح الأوّل).
الأسواق المفتوحة للجميع
وسيفتح المهرجان يومياً من الثالثة بعد الظهر حتى العاشرة مساءً أسواقه الشعبية التي تضيف طابعاً احتفالياً خاصاً. يلتقي الزوّار في سوق الأكل بنكهات من مطابخ محلية وعالمية، وفي سوق الحرف بالصنّاع المحليين ومنتجاتهم. كما يتيح Book Bazaar، الذي تنظّمه جمعية «السبيل»، شراء الكتب وتبادلها بأسعار مقبولة، فيما يقدّم معرض المخرجات حصيلة مشروع «بالفنون والرياضة نلتقي ونرتقي»، جامعاً الفنون والأنشطة المجتمعية تحت سقف واحد.
التحديات والآمال
يشير محمد ضاهر إلى أنّ المهرجان يواجه صعوبات تمويلية بسبب مجانية الدخول، ويعاني من تراجع عدد الحرّاس بعد الأزمة. يستعين المنظمون بالرعاة والمتطوعين، خصوصاً فرق الكشافة التي تنظّم الدخول وتحمي المكان. ويشكّل الوضع السياسي تحدياً إضافياً، لكن المهرجان يصرّ على تحويل اللقاء إلى مساحة مشتركة تتخطّى الانقسام.
صورة عن لبنان
يختم محمد ضاهر قائلاً: «يشكّل الحرش صورةً مصغّرة عن لبنان. يجمع كل الناس باختلافاتهم، ويحمّلنا مسؤولية الحفاظ عليه كما نحافظ على بلدنا».
ومن أمسية «تحيّة إلى فلسطين» إلى غناء جاهدة وهبي، ومن مسرحية «مجدّرة حمراء» إلى موسيقى «كمنجاتي»، ومن ورش التسبيخ البيئي إلى الأسواق الشعبية، يثبت مهرجان «حرش بيروت» أنّ الفضاء العام ممارسة حيّة لا مجرّد شعار. هنا يلتقي الناس على الثقافة والفرح معيدين استملاك الفضاء العام.
* مهرجان «حرش بيروت»: بدءاً من الغد حتى السابع من أيلول (سبتمبر)