ثقافة وفنون

شعرة معاوية: هل يوجد ما يسمى دروس التاريخ؟

شعرة معاوية: هل يوجد ما يسمى دروس التاريخ؟

عاطف محمد عبد المجيد

المنافسة على السلطة أمر طبيعي في عالم السياسية، والصراع عليها هو أمر معروف ومسجل في التاريخ، حتى قبل ظهور أفكار نيقولاي ميكافيللي، أو شعرة معاوية بن أبي سفيان، ونصائح الكتاب والمفكرين عن فنون الحرب والسياسة. هكذا يكتب أكرم القصاص في كتابه «شعرة معاوية… السادات وخصومه» الصادر حديثا عن مؤسسة بتانة الثقافية، وفيه يذكر أن أنور السادات هو النائب الأول لعبد الناصر حتى رحيله، وقد ظل بعيدا عن أي خلاف معه، لما يربط بينهما من صداقة وزمالة في الجيش، وتنظيم الضباط الأحرار، مشيرا إلى أن المهام التي أسندها إليه عبد الناصر طوال سنوات حكمه تؤكد ثقته به، على عكس ما حاول خصومه أن يروجوا له، معتقدا أن أنور السادات صاحب تجربة عريضة في العمل السياسي السري والعلني، وربما كان أكثر أعضاء مجلس قيادة الثورة خبرة في العمل العام، وتشير حياته وعلاقاته السياسية إلى أننا أمام شخص يمتلك قدرات كبيرة على الاتصال والحركة والتخطيط.
القصاص الذي يشير هنا إلى أن عبد الناصر لم يخترع الاشتراكية، لكنها كانت الخيار الأقرب لأحوال دول حديثة العهد بالاستقلال، حتى أوروبا واجهت زحف الاشتراكية، وأنظمة اجتماعية وتعاونية لمعالجة آثار الفقر والمجاعات، بعد حرب عالمية مدمرة، يقول إن السادات كان يذكر في خطابه الأخير كل خصومه، أو من اعتقد أنهم كذلك، والذين رفضوا سياساته وحاولوا التقليل من إنجازاته، التي يراها عظيمة مقارنة بسنواته الإحدى عشرة التي حكم فيها، ولم يجد وقتا أو يبذل جهدا للراحة، تسلم البلاد بعد هزيمة زلزلت المجتمع وحطمت ثوابته وأطاحت بأحلامه، وبينما خرج الشعب يطالب جمال عبد الناصر بالعودة عن التنحي، فقد ودع ناصر واختار أنور السادات وحمَّله المسؤولية، ثم تعجل النتائج والحرب والثأر.

واقع مرتبك

الكاتب الذي يشير إلى أن الرئيس السادات جاء في واقع مرتبك ومتشابك، ولم تكن الكتلة داخل السلطة مع عبد الناصر متجانسة، وكان هناك ما أطلق عليه عبد الناصر مراكز القوى، يكتب هنا قائلا، إنه بعد كل هذه السنوات على رحيل أنور السادات وأكثر منها على رحيل عبد الناصر، بقي الاستقطاب والخلاف حولهما مستعرا، بين من يعتبر السادات سبب كل ما جرى للمنطقة والإقليم، ويراه آخرون زعيما سابقا لعصره قرأ المستقبل، وعبد الناصر هو المسؤول، درجة أن هناك آلاف المقالات والكتب والرؤى، بين مؤيد ومعارض ورافض، أجيال تعجز عن التعامل مع الماضي بتصالح، وتعترف بصعوبة محاكمة عصر بقواعد عصر آخر. ما يريد القصاص تأكيده هنا أنه يسعى إلى قراءة ما عاصره، واتفق واختلف معه، والنظر من زوايا متعددة، متخليا عن استقطاب يعزل تفكيرنا ويخضعنا لأهواء تصيب بالتشويش، دون أن يهدف لإنصاف السادات أو انتقاده، إنما استكمال قصة لا تزال تتفاعل وتؤثر، حيث لا يزال السادات يحكم من قبره ويجادل ويخطب ويحظى بكثير من المديح، وبعض اللعنات، بل الهدف أن تقييم تجربة السادات السياسية تم على مدى أربعة عقود، وما زالت تأثيرات وانعكاسات هذه الفترة الخطيرة تسيطر على السياسات والعقول، مشيرا إلى أن هناك من اعتبر السادات امتدادا لثورة يوليو/تموز، والجمهورية التي أسسها جمال عبد الناصر، ومن اعتبره ردة وثورة مضادة انقلبت على ما تحقق.

مشهد مأساوي

مما يتوقف عنده الكاتب هنا هو أن أحد عشر عاما تقريبا بدأها السادات بالتخلص من خصومه، ببعض الجهد والحيلة وبقوة السلطة، خصوم منحوه كل الأوراق ليطيح بهم، وأبقى عليهم ليظلوا على خصومة معه في حياته وبعد رحيله، كما خاض خيار الحرب الصعب تحت ضغط الداخل، ومناورات الخارج والقوى العظمى، وما إن أنهى الحرب حتى انخرط في محاولة تعويض ما فات بإصلاح الاقتصاد، مشيرا إلى أن هناك مشاهد حكمت علاقته بالسادات منذ اللحظة الأولى لتوليه الرئاسة، إذ سمع اسمه ورآه للمرة الأولى وهو يلقي خطابه أمام مجلس الشعب عام 1970 وهو ابن الثامنة، وعاصر جنازته ورحلته إلى النهاية، حيث كان في منتصف المرحلة الجامعية. في سياق حديثه عن رحلة السادات إلى الحكم، ما قبلها وما بعدها، لا يفوت الكاتب أن يتحدث عن جمال عبد الناصر الذي يقول عنه، إنه رحل في مشهد مأساوي بدا مفاجئا، بينما كان متوقعا في كل لحظة، بعد أن عانى على مدى سنوات من مشكلات صحية، كارتفاع السكر والشرايين والأوعية الدموية والقلب وأمراض كانت كافية لقتل الشخص العادي، فما بالك برئيس وزعيم واجه كل هذه الضغوط والصراعات والحروب والانتصارات، ثم الهزيمة الكبرى التي ضربت كل أحلامه ووعوده وأعادته إلى شعور التراجع، واصفا السادات بأنه يجمع بين خبرات سياسية متنوعة اكتسبها من التنقل بين التيارات والتنظيمات والمنظمات السياسية وشبه العسكرية في الفترة من الثلاثينيات إلى الخمسينيات من القرن العشرين، ذاكرا أنه واصل دراسته حتى انضم إلى الكلية الحربية بواسطة أحد الباشوات، وبعد تخرجه في المدرسة الحربية عُين في منقباد في أسيوط، حيث تعرف على أفكار عزيز المصري باشا قائلا، إنه كان يقرأ التاريخ ويكره الإنكليز وينحاز إلى الألمان، وأعجب بكمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة الذي انقلب على الخلافة وألغاها.

لعنات وتخوين

القصاص الذي يذكر هنا أن السادات عمل في التصحيح في مجلة «المصور» عام 1948 ثم بالأعمال الحرة مع صديقه حسن عزت، وبعدها عاد إلى عمله في الجيش، ما يرويه من سيرته، يشير إلى تقلبه بين تنظيمات واتجاهات سياسية، لا ينسى أن يشير إلى أن الهدف من هذا الكتاب ليس إنصاف الرئيس السادات، لكن إنهاء نظرية أحادية للمعارضة والسلطة والسياسة والاقتصاد، لأنها نظرة تدعم الاستقطاب وتلغي الحوار، وتضع الناس في عداءات أشبه بمشجعي فرق كرة القدم، لكن السياسة متدرجة وتحتمل وجهات نظر. وبعد اقتفائه لأثر السادات والولوج إلى تفاصيل مسيرته الحياتية والسياسية، يقول أكرم القصاص إنه رحل وهو يشعر بالمرارة إذ رأى أعماله موضع خلاف ورفض، أحب الصورة التي رسمها لنفسه، والتي رسمها له الإعلام الغربي، لكنه بقى في عيون معارضيه وخصومه وبعض حلفائه متهما بالتراجع عن الوطنية والدين. لقد رحل وسط لعنات اليمين، وتخوين بعض اليسار، ولأنه لا يوجد في التاريخ «لو»، فمن الصعب تخيل مسارات أخرى غير ما جرى، وربما لا يكون هنا ما يسمى دروس التاريخ للسلطة أو المعارضة، تعجزان عن الالتقاء على جسر مشترك، يمكن من خلاله الالتقاء، دون أن يغير هذا الطرف الآخرين، والسؤال: هل يوجد ما يسمى دروس التاريخ؟، مجيبا أن الفيلسوف الألماني هيغل، ربما يكون هو من قال إنه لا يوجد ما يسمى دروس التاريخ، والدليل أن الأحداث تتكرر وتأخذ أشكال الملهاة والمأساة وربما المهزلة، والرهان على فرصة أخرى تلتقي فيها الأجيال القادمة لتكون أقدر على التفاهم.

كاتب مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب