إلى حكومات بني عداس .
محمود الجاف
في زمن الانكسار والتبعية، أكتب إليكم..
إلى أولئك الذين باعوا الأوطان بدراهم معدودات، وجلسوا على موائد لا تليق إلا بالذئاب، أقولها لكم بوضوح لا يحتمل التأويل: أنتم أحفاد بني عداس، بل أنتم هم، استنسخكم الزمن من ذاك العار ووزعكم على كراسي الحكم في بلاد العرب والمسلمين. ولهذا، تسلطت علينا أمريكا، واستقوت علينا الدول، وتمزق نسيج الأمة، وضاعت البوصلة، وسُرقت القبلة.
بعد كل ما فعله النظام الإيراني من تدمير وقتل وسرقة وتخريب؛ ها هو اليوم يجلس بينكم، متصدّرًا كراسي القرار التي يُفترض أن تحمي أوطانكم ، وكأنّ الجلاد بات قاضيًا، والسفّاح حاملًا للراية. أما أمريكا، فها هو ممثلها بينكم.. والكيان الصهيوني؟ لا حاجة به لوجود مباشر، فقد باتت رؤوس كثيرة في عالمنا العربي تحمله بالنيابة عنه!
إنا لا أكتب هذا المقال استجداءً، ولا نداءً . بل تحذيرًا، وتنبيهًا لأمتي المكلومة: لم يعد بالوسع الاتكال على هذه الحكومات. يجب أن نتهيأ للقادم الأسوأ، ونستعد لحياة مختلفة تُبنى فيها الكرامة من الصفر، لا على يد اشباه بني عداس.
خيانة النفس قبل خيانة الأوطان
تتعدد أشكال الخيانة، ولكن أخطرها خيانة النفس. أن يفشي فرد أسرار عائلته، أو يُنشئ طفله على التهكم بالدين والوطن، وهو يعلم أنه يصنع قنبلة موقوتة في قلب المجتمع. نُربي أطفالنا على احترام البيت الصغير، فكيف لا نُعظّم البيت الكبير؟! هذا الوطن الذي يضم مقدسات يتوجه إليها أكثر من مليار مسلم، وفيه مسجد النبي ﷺ وسيرته وصحبه الكرام؟
بات الكثير من الذين يطلقون على انفسهم مسلمون يشركون بالله ويطعنون حتى بعرض نبيهم بعد نجسوا اعراضهم جميعا .. لكن كما كان في زمن النبي ﷺ، بيننا اليوم من المنافقين من يتزيّن بثياب الوطنية، بينما يُضمر في قلبه الطعن والغدر. هؤلاء لا يريدون للوطن أن يعيش، بل أن يتحول إلى فريسة تنهشها الذئاب .
الأرض لا تموت
إن الأرض لا تموت، حتى وإن خانها من سُيدفن في ترابها. والتاريخ لا يُمحى، حتى وإن مُحيت وجوه الخائنين. ستبقى هذه الأرض أمًا حتى لو قطع وليدها الحبل السري وهجرها. لكنّه سيعود، ومعه جنده ليعبر الحدود، ويُطهر الأرض من رجس الطغاة.
لقد غابت شمس بلادي، ودخلنا ليلًا طويلًا بلا فجر . وتكررت الطعنات حتى وجدنا أنفسنا في قبو مظلم، ننزف في صمت، ولا يسمع أنيننا أحد. حزنٌ بعد حزن، وجوعٌ وعراءٌ وبكاءٌ وندم. لكننا تعلمنا، وما زلنا نتعلم.
ولهذا، لا بد من البدء من جديد. نبدأ بإصلاح النفس، فالأسرة، فالمجتمع . نُعيد ترتيب الأهداف، ونُقيم الأولويات، ونستخلص العبر من الدماء التي نزفناها ظلمًا وجهلًا وتهورًا.
الشيطان يرتدي ثوب الدين
على الناس أن يُدركوا أن الأعناق التي قُطعت بسكاكين الغدر كانت تحملها شياطين بثياب دينية. كان الباطل يتكلم بلغة الحق، وينصر العدو على الصديق، ويحرق ديارنا باسم “الطهر” و”التحرير”. كان يُلقي بالشعوب إلى الغرق، ثم يقف متفرجًا . ثم يبيع لهم قوارب مهترئة، فلا يخرجون من ضيق إلا ليدخلوا في أضيق منه، ويهوي كل واحد منهم في هاوية لا قرار لها.
إلى بني عداس : العرق دساس
قرأت عن قبيلة في بلد المليون شهيد . فعرفت أن العِرق دساس . وأنه إذا تولى الحكم ذرية بني عداس، فلا عجب من الخراب والدمار.
يحكي التاريخ أن أحد الأحرار رأى رجلاً من الأراذل يمتطي فرسًا أصيلة مزينة فقال :
” ترخّصي يا الزرقا ويركبوك بني عداس!”
وأصبح هذا القول مثلاً يُردده أحرار الجزائر حين يرى الغالي يُهان، والشريف يُستبدل بسفيه. لقد كان الاستعمار الفرنسي يعرف من يستعين به: لم يجد من يؤيده إلا قبائل “بني عداس” من الغجر والمتسولين، والمشعوذين ، من يعيش رجالهم على السرقة والنساء على الشعوذة. ألبستهم فرنسا العمائم، وأركبتهم الجياد، وأطلقتهم على الناس كالكلاب المسعورة، فنشروا الظلم، وذلوا الأعزاء .
خرجت فرنسا، لكن بني عداس لم يخرجوا من العقول والأنظمة. لا يزال اسمهم يُطلق على من لا أخلاق له، ولا شرف، ولا دين. يقال لهم في بعض البلاد “الجيطانو”، و”الجواطنة”.. رغم الأموال، لا يسكنون إلا الخيام، ولا يألفون إلا العشوائيات، ولا يملكون هوية ولا وطنًا . لا يعترفون بقانون ولا تعليم، كأنهم خُلقوا ليكونوا خارج الزمن .
إلى بني عداس من حكام العرب والمسلمين :
الإنسان هو الذي يصنع التاريخ،
لكنّ التاريخ لا يصنع إنسانًا.
فمن أراد أن يكون رجل مرحلة، فليخلع جلود الخيانة، وليبكِ دمًا على ما فات، وليعد إلى الأرض التي لفظته، ليغتسل بالندم، قبل أن تجرفه عاصفة قادمة لا تُبقي ولا تذر .