عندما تجلس على صفيح ساخن، اعلم أنك في المقاطعة تكتوي بحرها وتلسعك وخزات الدبابير حولها.بقلم مروان سلطان. فلسطين 🇵🇸
بقلم مروان سلطان. فلسطين 🇵🇸

عندما تجلس على صفيح ساخن، اعلم أنك في المقاطعة تكتوي بحرها وتلسعك وخزات الدبابير حولها.
بقلم مروان سلطان. فلسطين 🇵🇸
28.10.2025
————————————————-
ما كان لي أن أستمر في الصمت أمام المشهد الفلسطيني الذي يتهاوى بضربات الاحتلال من جهة، والمغرضون من جهة أخرى، الكل يعلم أن هذه سياسة الاحتلال ولا جديد فيها، لكن أن يكون الفلسطيني هو من يساهم فتلك وقفة يجب الوقوف عندها.
جميل أن تكون في مركز القرار، وجميل أن تتوارد إليك المعلومات والأخبار من كل حدب وصوب. وجميل أن يكون مركز القرار محجًا لكل الحاجين، والغادين، والذاهبين، ما بين مستطلع، وما بين ساعٍ إلى إنجاز، وما بين طامعٍ إلى لقاء. هذه هي مقرات صناعة القرار. لكن في فلسطين أضف إلى ذلك وأكثر مما يمكن لك أن تتصور، أو إذا قُدّر لك أن تتحمل. عندما تكون في رام الله في قلب المقاطعة، هذا يعني انك تجلس على صفيح ساخن بكل ما تحمله الكلمة من معنى، قلّ له الشاكرون، وكثر عليه الساخطون، لسبب بديهي لأن كل واحد منا يرى أن الجالس في هذا المكان هو القادر، وهو الذي يستطيع أن يحلّ المشاكل والصعاب في طرفة عين. قليلون الذين يعرفون الحقائق والملابسات، قليلون يعرفون حجم المعاناة التي يعانيها سيد المقاطعة.
مع كل قرار ومع كل حراك في الوطن لا بد أن تسمع الاتهامات، وتسمع ما لا يحب أصحاب العقل والرزانة. بالأمس، وهذا مثال غيض من فيض، عندما أصدر الرئيس فرمانًا بتولي نائب الرئيس منصب الرئيس حال شغور المنصب، فإذا السيناريوهات تفاعلت ونشطت كما هي العادة، وتفيع كعشّ الدبابير، منها أن هذا القرار جاء في مواجهة مروان البرغوثي. لماذا؟ قالوا: لأنه يشكل تهديدًا لهم.
الكل يعلم أن في حال شغور منصب الرئيس يتولى المنصب وفق القانون الأساسي رئيس المجلس التشريعي/الوطني لمدة تسعين يومًا، وتُجرى انتخابات الرئاسة بعد ذلك. بمعنى أن التعيين مؤقت يتبعه انتخابات الرئاسة، كما حصل بعد وفاة الشهيد الخالد ابو عمار رحمه الله ولكن لا يصحّ الإفهام إذا ما النهار يحتاج إلى دليل.
وفي حالة أخرى، يُثار بين لحظة وأخرى أن السلطة الفلسطينية وحركة فتح والرئيس لا يرغبون في خروج مروان البرغوثي من السجن الإسرائيلي، حتى إن أحد أو إحدى كوادر حركة فتح استقال/ت من الحركة، وثار الغبار حول الموضوع. لماذا؟ قال: لأن حركة فتح لا ترغب في إدراج اسم مروان البرغوثي في قائمة الأسرى للإفراج عنهم. السؤال لكل المأفونين الذين يتحدثون في ذلك: هل حركة فتح تشارك في وضع الأسماء للإفراج عنهم؟ والسؤال الثاني وهو الأهم: هل إسرائيل تسمع من فتح أو من السلطة الوطنية الفلسطينية في ظل الوضع القائم؟ القرار الإسرائيلي موجود عند إسرائيل، وإسرائيل تفرج عن الأسرى، وخاصة الشخصيات الوازنة الفلسطينية في الأسر، وفق مصلحتها ورؤيتها. إذا كانت ترى أن هذا يحقق أهدافها من الممكن ان تفرج عن ذاك الاسير، أما إذا كان لا يحقق أهدافها ويعيقها، فلن يرى النور إلا بضغوط أكبر من السلطة الفلسطينية، وكل الفصائل الفلسطينية، في ظل حلول إقليمية كبرى!.
لماذا نقول إن رجل المقاطعة السيد الرئيس في رام الله يجلس على صفيح ساخن، وساخن جدًا؟
انظر إلى المشهد من غزة أولًا: فانه عندما يشاهد مع كل صباح عمليات الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والنزوح من مكان لآخر، وعشرات الشهداء، وهدم البيوت والأبراج على رؤوس ساكنيها، وآلاف الجرحى، والجوعى، والعطاشى، والمشافي التي تهدمت، ونقص الدواء، وعمليات للمصابين دون تخدير، وبتر للأطراف دون بنج. فإنها تكون أثقل من العصي التي تهوي على رؤوس الناس. وهل الرئيس يخلو قلبه من المشاعر والأحاسيس؟ اليس هذا شعبه وهو وكل العالم عجز عن وقف تلك المجازر . هنا يرى الرئيس إبادة جماعية تُرتكب أمام العالم، فيما تُحمّل السلطة، بحكم موقعها الرسمي، جزءًا من مسؤولية العجز السياسي أمامها. هذا يضعه امام ضغط الشارع الغاضب امام سيل الدماء الجارف ، الذي يرى ان السلطة صامتة، والواقع كان غير ذلك.
والمشهد في الضفة الغربية لا يقل خطورة عما يدور في غزة. المشهد الذي تعمل عليه إسرائيل هو انهيار للسلطة الفلسطينية من خلال شبه ممنهج لهدم منظومة الحياة وفرض الحصار الجائر ، فقامت على المخيمات ، وهدم البنى الاجتماعية والرمزية التي كانت تمثل قلب الحركة الوطنية. وهذا ليس مجرد تدمير مادي، بل استهداف مباشر لعمق شرعية السلطة نفسها، التي نشأت من رحم تلك المخيمات. مخطط تهجير، هدم للمخيمات، نزوح بالآلاف منها قسريًا، هجمات المستوطنين على القرى والمدن الفلسطينية، الاستيلاء على محصول الزيتون، ومنع المزارعين من دخول مزارعهم، وطردهم من أراضيهم وبيوتهم… إلخ، أمام مشهد يقزز الأبدان ولا يسر صديقًا.
وإذا اتجهت جنوبًا، يحاول الاحتلال أن يسير باتجاه خلق تفكيك مركزية القرار من خلال خلق أجسام بديلة عن السلطة، التي هي أصلًا محاصرة، ووجدوا في أشخاصٍ ضالتهم من أجل تشكيل نواة لإمارة في الخليل، على غرار بأبي شباب ومجموعته وغيرهم في غزة، يبدأون في تسليحهم ودعمهم وتمكينهم، على غرار روابط القرى في بداية ثمانينيات القرن الماضي، وجيش لحد في جنوب لبنان. إمارات تعمل تحت المنظومة الإسرائيلية، ومن أجل إسرائيل، ولأهداف تفتيت الشعب الفلسطيني. وهناك بعض الإشاعات التي تحمل السلطة دعم بعضها.
ألا تقوم إسرائيل بحصار السلطة الفلسطينية ماليًا وإداريًا وتعيق عملها على الأرض؟ ألا تساعد في حماية الخارجين عن القانون، وإرباك السلطة الفلسطينية؟ ألم تقم بمساعدة وتسهيل الانقلاب في غزة؟ كل الإشاعات المغرضة هم من وراءها. أليس هذا غيضًا من فيض؟ أولا يعني هذا مما ذكرنا ووما لم يذكر أن الرئيس الفلسطيني يجلس على صفيح ساخن؟
على الصعيد العام، فالإشاعات التي تُضخ بشكل متواصل، سواء عن صراعات فلسطينية داخلية أو حتى عن ترتيبات الخلافة، تهدف إلى ضرب الثقة بين الرئيس والجمهور الفلسطيني، ومصدرها والغاية منها معروف ومعلوم.
لأول مرة، ومنذ أن قامت حركة حماس على الأرض، منذ يومين فقط قال رئيسها إن السلطة الفلسطينية أحد الرموز الوطنية ولا يمكن تجاوزها. وعلى مدى السنوات الطويلة أشبعتنا الحركة بتغريداتها بأن السلطة الفلسطينية والأمن الفلسطيني هم رمز الخيانة والمؤامرة وانهم قوات دايتون، وأن السلطة نشأت لخدمة إسرائيل، وأنها سلطة التنسيق الأمني. ويا ليتهم يعلمون أن كل حركة يومية، وساعة بساعة، للسلطة الفلسطينية تقع تحت ما يسمى بـ”بروتوكول التنسيق الأمني”، من نقل المرضى، وتسديد الضرائب، وشراء الخدمات… إلخ. ولكن أخذوا من كل هذا الاسم ليتغنوا به، وأشبعت في هذا الكلام الجمهور الفلسطيني، وعناصر الحركة إلى درجة الإشباع.
الرئيس يجد نفسه في مركز دوامة متعددة الاتجاهات:
• ضغط الاحتلال في كل الجبهات،
• ضغط الناس الباحثين عن أفق سياسي،
• ضغط المجتمع الدولي الذي يريد “هدوءًا بأي ثمن”،
• وضغط الصراع الداخلي الذي يُغذيه الخصوم المحليون والإقليميون.
يكفي أن الرئيس تلقى هذه الضربات القاتلة، الواحدة تلو الأخرى، ويبقى مع كل التهديدات والسهام الموجهة له أنه ثابت على الثوابت، وأنه يعمل من أجل النهوض من الرماد. يقف الرئيس الفلسطيني على صفيح ملتهب، تحيط به نيران الحرب والإشاعات والانقسام، فيما يعمل الخصوم وعلى راسها الاحتلال من اجل تآكل شرعية السلطة من أطرافها، ويضيق هامش المناورة بين مسؤولية البقاء ورغبة التغيير.
وهذا يجعلنا نقول لكل فلسطيني وغيره وامام التاريخ : إننا كلنا ثقة بأن قرارات الرئيس هي موضع ثقة، وأن الأمانة مصانة، لم يرهب الرئيس التهديدات يوما ولا الإشاعات المغرضة. ونقول للسيد الرئيس إنك خير من حمل الأمانة، وسار على العهد، وأبحر في السفينة المتلاطمة الأمواج لتقودها إلى برّ الأمان.





