مقالات

محمد مهدي صالح.. سلامٌ على الأنقياء كتب: هارون محمد

كتب: هارون محمد

محمد مهدي صالح.. سلامٌ على الأنقياء
كتب: هارون محمد
#الهدف_آراء_حرة
قبل شهر لبى الدكتور محمد مهدي صالح الراوي – “وزير التجارة العراقي الاسبق”، دعوة للمشاركة في ندوة علمية عقدت في هولندا، عنوانها: “الجوع في العالم.. وامكانية القضاء عليه” – نظمتها الأمم المتحدة وهيئات دولية متخصصة بالتعاون مع احدى الجامعات الهولندية التي استثمرت الندوة للاحتفال بمرور قرن على انشائها!
وألقى الراوي محاضرة في الندوة عن تجربة “البطاقة التموينية” في العراق التي قادها ميدانيا مع كوادر وموظفي وزارة التجارة على امتداد سنوات الحصار “1990م – 2003م” ونجح في تفادي مجاعة جماعية خططت لها الولايات المتحدة الامريكية بالتواطؤ مع كثير من الدول الأجنبية والاقليمية والعربية باستثناء الأردن، كما يؤكد الوزير الاسبق، لكسر العراق البلد والسيادة والمستقبل، وتجويع شعبه وتحطيم ارادته في النهوض والبناء.
ورغم ان الوقت المخصص للمحاضرة التي كانت عبارة عن بضع اوراق حفلت بالأرقام والوقائع والأحداث كان ساعة واحدة، الا مناقشاتها من قبل أغلب الحاضرين وعددهم “700” مشارك من العلماء والاقتصاديين والخبراء المتخصصين والأكاديميين ومسؤولي منظمات الغذاء والمياه والأطباء والحقوقيين، استمرت ساعات وساعات على مدى يومين، وكان السؤال المركزي الذي حيّر المشاركين هو: كيف لبلد محاصر تماماً، ومحظور عليه استيراد أي شيء من الخارج، وممنوع من تصدير نفطه الذي تشكل ايراداته عماد ميزانياته، أن يصمد ويدفع كارثة الجوع عن شعبه وتعداده “27” مليون نسمة، وتمكن على مدى “13” عاما من توفير سلة غذائية شهرية لكل مواطن عراقي تتألف من عشرين مادة وأكثر، مع توزيع أدوية وعقاقير طبية أساسية، في ظل ظروف قاسية وتهديدات متصاعدة؟
وخاض البطل الميداني للبطاقة التموينية في تفاصيل دقيقة، وهو يتحدث عن الإنجاز العراقي الذي دوخ الأعداء وأسعد الأصدقاء، ويختتم جوابه على سيل الأسئلة والاستفسارات بجملة قصيرة، ذات عمق ومغزى، إنها الإرادة والإخلاص والنزاهة والصبر، وهي العناوين التي قادت إلى إنقاذ العراق من مجاعة خُطط لها باتقان وعدوانية، مع ما يترتب عليها من نتائج سياسية مؤذية وآثار اجتماعية وخيمة.
وندوة هولندا ليست الأولى ولن تكون الأخيرة لمشاركة الدكتور الراوي الذي بات نجما لامعا في الندوات الدولية والمؤتمرات العلمية المكرسة لمواجهة الفقر والجوع، يشرح مقومات نجاح البطاقة التموينية التي يفخر بأن العراقيين جميعا هم أبطال نجاحها، وهم من تفاعل معها، وهم من حمى انسيابيتها وجنبها المزالق والمشاكل، فليس سهلا على أي حكومة او دولة توفير الغذاء والدواء لسبعة وعشرين مليونا من البشر، تعودوا على حياة طبيعية لا فاقة فيها ولا حرمان، ويتلقون العلاج الطبي والأدوية بالمجان، لولا ثبات الشعب وصبره على مواجهة المحنة والعدوان.
ويرفض وزير التجارة الأسبق، كلمات الشكر وتحيات التقدير التي توجّه اليه شخصيا ويسمعها من مسؤولين دوليين وخبراء عالميين في المحافل والمؤتمرات التي يحضرها، ويُحيل أصحابها الى الشعب العراقي الذي يؤكد دائما، انه من يستحق الشكر والتكريم، ولولاه لما أمكن تطبيق تجربة البطاقة التموينية الرائدة في العالم، التي باتت برنامجا مثبتاً في أجندة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لتطبيقه في الدول التي تعاني اقتصاديا ومعيشيا، حتى إن دولا صناعية ومزدهرة نوعا ما، كالهند مثلا، بدأت تدرس تنفيذ البطاقة التموينية العراقية، تحسباً من زيادة السكان فيها، واستعداداً لمواجهة تحديات قد تمر بها لاحقا.
ولسنا هنا في معرض الاشادة وكيل المديح للراوي، الذي كان يُشاهد في ميناء أم قصر وهو يستقبل بواخر القمح الوارد من استراليا ويتفقد الرز المستورد من تايلند، ويشرف على تسيير الشاحنات وحركة نقل البضائع الى المحافظات، وينام في المخازن والمستودعات، ينظم محتوياتها ويراجع كشوف وكلاء التوزيع، حتى انه بدلا من التقاط أنفاسه وتعويض ارهاقه عقب توقيع العراق مذكرة التفاهم مع الأمم المتحدة في عام “1997م”، فإن نشاطه زاد وجهده ارتفع وساد، بعد سبع سنوات عجاف، كانت الأقسى والأشد في كل تفاصيلها، ولكن السؤال الذي يلح على الخاطر ويُدمي القلوب، أليس من الظلم والاجحاف ان يُشمل هذا الرجل الفدائي في ترصين بلده، والمخلص في حماية شعبه، بقوانين جائرة شرعّها المحتلون الامريكان، كالاجتثاث والحرمان من العمل وقطع الارزاق وحجب التقاعد؟
الراوي اعتقلته القوات الأمريكية عند احتلالها العراق في نيسان/ ابريل “2003م” مع مسؤولي ووزراء النظام السابق وأمضى عشر سنوات مليئة بالقهر والاضطهاد والاستجوابات، وكان أكثر المسؤولين العراقيين المعتقلين اغاظة للمحققين الأمريكيين الذين اتهموه بتدمير هيكيلية الحصار وتفتيت العقوبات الدولية بـ”البطاقة التموينية” حتى أن وفداً من الكونغرس الأمريكي جاء إلى بغداد خصيصاً لمقابلته وأمضى معه خمس ساعات في معتقله، يستمع أعضاؤه إلى حديثه عن تلك البطاقة التي دخلت التاريخ وقوضت مشاريعهم وهزمت مخططاتهم، وهم في دهشة واستغراب، وأحدهم صارحه بأن الدوائر الأمريكية اعتقدت أن ستة أشهر من الحصار كانت كفيلة بدحرجة الشعب العراقي إلى مرحلة الاحتضار وإسقاط النظام، لولا البطاقة التموينية التي خربّت “شغلنا”!
ولأنه انسان قنوع وراضٍ عن نفسه ومتواضع في سلوكه، ولم تُغره سنوات الوزارة التي خرج منها بشرف وسمعة جليلة محاطا بمحبة العراقيين وحنينهم الى سنواته التي قضاها في خدمة الشعب العراقي . . بعد ان لاحظوا وزراء جاءوا بعد “9 نيسان 2003م”، يسرقون قوت المواطنين ويقبضون العمولات وأحدهم قطب في حزب الدعوة، عرض شراء ناد وفريق رياضي في أوربا بملايين الجنيهات جناها من عرق جبينه و “عبد الفلاح السوداني” سيرته، وآخر زعم انه ملاك أو “ملاس” في تكية صوفية، وهرب بـ”الدخل” وما حمل، وثالث استعان بابن شقيقه ليكون خير عون و”نصير” في تمرير صفقاته، بينما رجل المروءات “د. محمد مهدي صالح” يسكن حاليا في شقة بسيطة بعمان، ويلقي محاضرات في احدى جامعاتها، ويعيل من راتبه الضئيل اسرته وعياله، وهو الذي كان يوقع عقود الاستيراد بمئات الملايين من الدولارات، لم يتحفز يوما للانقضاض على عمولة فيها او يقضم لقمة منها لعائلته او أقاربه أو رفاقه، وكان نعم رجل الدولة المستقيم والموظف الحكومي الأمين، وهو يتفهم ان الامريكان اعتقلوه واضطهدوه لأنهم غزاة ومحتلون، أما أن يتعامل معه حكام العراق الجدد الذين يدعوّن التديّن ويزعمون انهم اسلاميون وصدعوا الرؤوس باعتبارهم من اتباع الامام الزاهد والفقير على بن ابي طالب كرم الله وجهه، بهذه الطريقة المنافية للقيم والأخلاق، ويحرمونه من تقاعده وهو حق انساني مشروع، ويصادرون قطعة ارض سكنية وحيدة اشتراها من حلال ماله، فمسألة لا تصدق ولم تحدث في أي مكان أو زمان!
محمد مهدي صالح الراوي لو كان مواطناً من رعايا دولة تحترم نفسها وشعبها، وتتذكر مآثر أبنائها، لأقامت له تمثالاً يخلد عفته واخلاصه ونزاهته، لا أن تقطع رزقه وتحجب تقاعده وتصادر قطعة أرض وحيدة له، وتمنحها لواحد كل كفاءته أنه تآمر على وحدة العراق!..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب