مقالات
إسلام السلطة في السودان في مواجهة الإسلام الشعبي: الشيخ الأمين أنموذجا بقلم أحمد محمود أحمد
بقلم أحمد محمود أحمد -الهدف السودانية -

إسلام السلطة في السودان في مواجهة الإسلام الشعبي: الشيخ الأمين أنموذجا
بقلم أحمد محمود أحمد -الهدف السودانية –
إسلام السلطة يجيد الذبح مقابل إسلام يقدم شربة ماء.
فضيحة أخلاقية أن يتحول جيش وطني إلى مواقع تيار الإسلام السياسي..
مدخل: هذا المقال يحاول المقاربة بين إسلامين قد تجسدا في تاريخ المسلمين بعد أن ارتبط الإسلام بالسياسة عبر قرون طويلة، وقد أنتج هذا الترابط نمطين من الإسلام، إسلام يمكن أن نطلق عليه إسلام السلطة وهو ما يعرف بالسلطة الدينية وإسلام آخر نتج كاتجاه مفارق لهذه السلطة وهو الإسلام الصوفي، وهو الإسلام الذي عرف به أهل السودان تاريخيا حتى برز إسلام السلطة الذي جسده الإخوان المسلمون وأربكوا من خلاله الإسلام الصوفي ومعه جماع السودانيين..في هذه الحرب نلحظ ماذا يفعل إسلام السلطة وفي المقابل يمكن ملاحظة الجانب الآخر للاسلام الصوفي عبر شيوخه وأبرزهم في هذه المرحلة يأتي الشيخ الأمين والذي يحاول تقديم شربة ماء مقابل الذبح وطلقة الرصاص التي يجيدها تيار السلطة الدينية، حيث يتجاوز الأمر هذين المثالين نحو التاريخ الذي تجسدت عبره ممارسات السلطة الدينية ضد التيار الصوفي وهذا هو مضمون وفحوى هذا المقال..
جذورثقافة قطع الرؤوس
لقد دهش الكثير من السودانيين وغيرهم عندما شاهدوا الرؤوس المقطوعة والمعروضة كبضاعة عبر الفيديوهات في وسائط التواصل الاجتماعي في شهر فبراير من هذا العام..وقد كان الحامل لتلك الرؤوس ومن خلال مظهره العام ينتمي إلى مؤسسة جيش البلاد أو الجيش القومي. وبعدها خرج المتحدث باسم الجيش وعبر بيان هزيل لا يحمل حتى أختام الجيش ليقول أن الجيش سيجري تحقيقا في الواقعة ولكنه وإلى الآن لم تعلن نتائج التحقيق من قبل الجيش ومحاسبة الذين قاموا بهذا الفعل وبالتالي إدانته.. وهذا الأمر يطرح سؤالا مهما وفي حالة ثبوت تلك الحادثة على الجيش والتي وقعت في المساحة التي يسيطر عليها هذا الجيش، والسؤال هو: كيف تحول بعض أفراد الجيش السوداني النظامي ليتخذوا مكانة “داعش” ويجسدون سلوكها على أرض الواقع؟ وهل هذه الحادثة هي الوحيدة والمشينة في تاريخ هذا الجيش الذي خرج عن أخلاق القوات النظامية عندما حدث له التحول من عقيدة القوات المسلحة السودانية إلى عقيدة تيار الإسلام السياسي الذي اخترق منظومة الجيش منذ المصالحة مع نظام جعفر محمد نميري .. ولقد اكتمل هذا الاختراق بعد أن قفز هذا التيار إلى السلطة في عام 1989م، وأصبحت غالبية قيادات الجيش بعد هذا العام، إما فاقدة للدور المرتبط بقضايا الناس أو مؤدلجة حسب النمط الإخواني وقد أطلقت بعض هذه القيادات اللحي وصارت تردد شعارات الإسلام السياسي، وبالتالي فقد تسربت تلك الشعارات عبر الخطاب اليومي المبثوث عبر أجهزة الدولة إلى كل مفاصل القوات النظامية وأصبح الجيش وعبر هذه الدلالات هو جيش الحركة الإسلامية الذي تقوده قوات الدفاع الشعبي المكون الجهادي للحركة الإسلامية وتحت شعار زائف يقول ( فنحن لا لدنيا قد عملنا، نحن للدين فداء) وهي شعارات يرفع فيها الدين وتحت هذا الرفع للدين تتم مشاهد القتل والذبح وهو تاريخ وفي دلالته الأعمق يتصل بتاريخ السلطة الدينية عبر التاريخ الإسلامي والمرتبط بقتل الخصوم والتضحية بهم…. وفي هذا المنحنى يمكن أن نقرن حادثة الذبح لشباب أبرياء من قبل جيش الحركة الإسلامية ببعض نماذج الذبح التي حدثت في تاريخ السلطة الدينية منذ الدولة الأموية وحتى الوقت الراهن، وهي العهود التي أصبح فيها قطع الرؤوس عادة يتسلى بها الحكام، لقد جاء في السيرة الآتي:
(وقف حاكم البصرة خالد بن عبد الله القسري في يوم الأضحى وبعد أن حمد الله وأثنى عليه قال أيها الناس انصرفوا إلى منازلكم وضحوا بارك الله لكم في ضحاياكم، فإنّي مضح اليوم بالجعد بن درهم ثم حمل سيفه وذبحه وهم ينظرون) وتواصل السيرة بالقول ( وقد سعد كثير من العلماء على مر التاريخ بما حدث للجعد بن درهم ومن ذلك ابن القيم في ( الكافية الشافية) وأثنى على القاتل وهؤلاء هم فقهاء السلطان..ونقرأ كذلك في سيرة هذا الذبح الفقرات التالية: (وفي السادس العشرين من مارس عام “922” أخرج الحلاج من محبسه وجلد جلدا شديدا ثم صلب حيا حتى فاضت روحه إلى بارئها وفي اليوم التالي قطع رأسه وأحرق جثمانه ونثر رماده في نهر دجلة)..هذا الذبح للخصوم قد بدأ منذ بداية الدولة الأموية حيث تم قطع رأس الحسين بن علي وأرسل إلى يزيد بن معاوية وفي ذات العهد فقد قتل عبد الله بن الزبير بن العوام من قبل الحجاج بن يوسف وقطع رأسه وأرسل إلى عبد الملك بن مروان وقد تم صلبه بعد ذلك، ولهذا يمكن طرح سؤال أساسي هنا ما الذي اختلف بين مقتل هؤلاء وقتل الحركة الإسلامية للمفكر السوداني محمود محمد طه، والجواب هنا قد اختلفت وسيلة القتل لكن بقيت المبررات ذاتها للفتك بالخصوم مما يؤكد ذلك حقيقة الترابط بين السلطة الدينية وحكامها عبر كل العصور.. إذن الأمثلة السابقة التي أشرنا إليها من حيث الأبعاد التاريخية لشخصيات إسلامية بارزة اختلفت مع السلطة الدينية وتم قتلها لأنها كانت لديها أفكارا مختلفة عن نمط السلطة الدينية، وهذه هي السلطة التي سار علي منهجها ومشى على طريقها تيار الإسلام السياسي في السودان ومن ثم نقل هذه الثقافة للجيش وقد تبنى بعض أفراد الجيش ذلك المنهج…. ولهذا فإن حادثة الذبح لشباب لا يحملون السلاح يعكس تلك الثقافة المرتبطة بالسلطة الدينية والتي تخرج من الحياة كل ما لا يتوافق ومنهجها وتحل دمه، لأن جريمة هؤلاء الشباب كونهم فقط يشبهون بعض أفراد الدعم السريع الخصم اللدود للحركة الإسلاميةعبر هذه المرحلة..هذا الإسلام المرتبط بالسلطة قابله تاريخيا الإسلام الشعبي والذي ارتبط بالحركة الصوفية في تاريخ الاسلام، والذي وقف ضده إسلام السلطة عبر الحكام والفقهاء وتم
قتل الكثير من رجال هذا التيار تحت دعاوي التعارض مع الدين الصحيح ويقف الحلاج شاهدا على هذا المسلك ..وفي السودان وبالرغم من محاولة تخريب الحركة الصوفية عبر حكم الإسلاميين إلا أن بعض طرقها ظلت بعيدة عن السلطة ومرتبطة بالناس العاديين، وفي ظل هذه الحرب التي أشعلها تيار الإسلام السياسي وهربت قياداته من المدن والقرى تاركة المواطن يواجه مصيره المحتوم، انبرى أحد شيوخ هذا التيار الصوفي وهو شيخ الأمين وفتح( مسيده) لجميع الذين حوله وقام بدور الدولة في إطعام وعلاج الناس ومساعدتهم وضمن ظروف استثنائية فقد فيها الإنسان السوداني كل شيء..لكن هذا المسلك الحميد من رجل عادي لم يعجب تيار الإسلام السياسي وبدأ التحرش به عبر بعض ناشطي الحركة الإسلامية من خلال وسائط التواصل الاجتماعي، ومن ثم تحريض الجيش بالهجوم عليه وقتله مع أنه شخص أعزل وغير منشبك مع السياسة ويقوم بعمل طوعي ويتحرك وسط الناس الذين فقدوا كل شيء ويحاول تقديم العون ضمن إمكانياته الخاصة، والسبب وراء هذه الحملة الشعواء يرتبط بمنهجين برزا في تاريخ السودان:
المنهج الأول هو المنهج الذي ارتبط بالطريقة التي دخل بها الإسلام السودان وهو المنهج الصوفي والذي ابتعد عن السلطة وأصبح مرتبطا بالعاديين من الناس..
المنهج الثاني: هذا المنهج يعتبر حديثا في تاريخ السودان وقد تشكل حضوره مع بروز الإسلام السياسي في الجامعات السودانية منذ نهاية الأربعينيات.وبدلا أن يتجه هذا التيار نحو القطاعات الشعبية من أجل خدمتها اتجه نحو السلطة، وبالتالي فيمكن أن نتحدث وفي هذه الحالة عن إسلام مادي غير روحي هدفه السلطة وتحت الشعار الديني، مقابل إسلام روحي يبتعد عن السلطة ويرتبط بالناس العاديين، ووفق هذا التحليل يأتي الموقف من شيخ الأمين عبر أصحاب هذا التيار المرتبط بالسلطة ذلك لأن ما يقوم به شيخ الأمين ينزع البساط من تحت ذلك التيار ويعري المنهج القائم على الذبح والقتل ولهذا يحاولون اسكات صوته حتى يسود إسلام السلطة والذي ارتبط بالخناجر بديلا عن شربة الماء والغذاء والدواء… ولهذا تحولت المعركة ضد شخص واحد ومن قبل الحركة الإسلامية لتكشف عن طبيعة تفكير هذا التيار تجاه القطاعات الشعبية وللذين يحاولون الوقوف معها، ودلالة ذلك إما أن تقف مع الحركة الإسلامية وفي كل الأزمنة أو يتم قتلك، ولهذا فقد تم ضرب وقتل بعض الذين كانوا حول هذا الشيخ وأخيرا فقد تم اختطافه من قبل الجيش من أجل اسكات وتعطيل أي شخص يمكن أن يقف بجانب الناس، إذ يرى هذا التيار أنه الممثل الوحيد لله وللناس في الأرض ويتم التمثيل لهؤلاء الناس عبر مبدأ الطاعة أو قطع الرقاب كما حدث أثناء حكم تيار الإسلام السياسي ..في نهاية هذا المقال أقول قد تتفق مع شيخ الأمين أو تختلف معه، لكنه وعبر هذه المرحلة عكس صورة الدين المرتبط بالناس بديلا عن الدين القائم علي قطع الرقاب، وأقصد الدين الصوفي الذي يتناقض مع أصحاب السلطة الدينية، لهذا لم يكن استهداف الشيخ الأمين بمعزل عن استهداف الحركة الصوفية ومعها أتباع هذه الحركة لأنها تكشف وتعري حملة البنادق وخبراء الذبح تاريخيا وراهنا، ولهذا لا بد من اسكات صوت كل الذين يقومون بأية أدوار لا تشبه ممارسات إسلام السلطة ومن أجل سيادة نهج وحيد هو نهج القتل وقطع الرؤوس..