
مكسيم رودنسون يتحدث عن نفسه ( 2 – 2)
إعداد وتلخيص : علي رهيف الربيعي (1)
وقال : لقد وجدت في الإسلام مرتعا خصبا للدراسة وتطبيق المنهجيات العلمية التي أتيح لي الإطلاع عليها فيما بعد. اقول ذلك وخصوصا ان تاريخ الإسلام الأولي كان مليئا بالصراعات السياسية . ربما انني كنت في أوج انخراطي السياسي الماركسي فإني وجدت في دراسة الأحزاب السياسية الإسلامية مادة خصبة لتطبيق أفكاري. فالأحزاب الدينية في صدر الإسلام كانت أيضا احزابا سياسية، أو قل اختلطت فيها البواعث السياسية والاقتصادية بالبواعث الدينية. وكنت مهووسا بدراسة هذه المسائل ومهووسا بالتاريخ السياسي بشكل خاص. وكنت أرى علاقة بين كل ذلك وبين مشاكل الحركة الشيوعية العالمية التي تجري أمام عيني. وأرجو الا اكون قد اقترفت إثما بإقامة هذه المقاربة أو المقارنة. وكنت أقارن بين الأحزاب الإسلامية وما علمني إياه رينان عن الطوائف الأولى للمسيحية ، أو حتى في اليهودية، وقد جذبني الموضوع كثيرا. ولكن لابد أن اعترف بأن عامل الصدفة قد لعب دوره أيضا في اختياري لدراسة العالم الإسلامي ، وخصوصا العالم العربي. فليس كل شيئ يمكن تفسيره عقلانيا، أو نجد له سببا محددا. فالصدفة أيضا لها دورها في اختياراتنا وتوجهاتنا واذواقنا.
وقال : لكني لم انطق من موقع الحب أو الكره في دراسة الإسلام، ما فعل فانسان مونتيل الذي انطلق من موقع الحب الأعمى ، أو كما فعل غيره ممن انطلقوا من موقع الحقد على العرب والإسلام . لقد حاولت أن أكون موضوعيا. وإذا كانت الموضوعية الكاملة مستحيلة فإن ذلك لا يشكل لنا عذرا لكي نتخلى عن كل موضوعية في الدراسة. وروى بهذا الصدد النادرة التالية التي توضح مواقعه : فعندما أصدر كتابه المعروف عن النبي محمد عام 1961 قدم منه نسخة لأستاذه ماسينيون ، وبعد أن قرأه فاجأه ماسينيون بالتعليق التالي : لقد أعجبت بأنك لا تكره الإسلام والعرب مع انك من أصل يهودي .
وقال رودنسون باسلوبه الجذاب وميله للدعابة والمزاح أثناء الحديث في احيان كثيرة : كان بامكاني ان اتعلم اللغة الصينية واختص بمشاكل الصين وديانات الشرق الأقصى . فأنا قد دخلت مدرسة الدراسات الشرقية بباريس عام ( 1932) وكانت فيها كل اختصاصات الشرق . ولكن تاريخ العرب والجمال والصحراء والأحصنة كان يستهويني أكثر من تاريخ الصين. يضاف إلى ذلك اهتمامي بتاريخ الأديان التوحيدية : تاريخ اليهودية والمسيحية والإسلام . وقد حاولت طرح المشاكل السوسيولوجية والكبرى في دراسة الإسلام من خلال اهتماماتي الماركسية آنذاك. وقلت لماسينيون مرة : لا أعرف فيما إذا كان كل المسلمين يتغذون من روحانية التصوف، ولكني اعرف جيدا أنهم جميعا بحاجة للأكل كبقية البشر .
وبالتالي فقد أدخلت المنهجية الواقعية في دراسة الإسلام، لموازنة الآثار الضارة للمنهجية المثالية التي تترفع عن حقائق الواقع وضروراته واكراهاته المادية الثقيلة . ولم اجامل العرب أو المسلمين في دراستي لهم . فعندما كنت أرى عيوبا كنت انتقدها، وعندما كنت أرى ميزات جيدة كنت أشير اليها. فإذا ما درست ظاهرة التزمت الديني لدى المسلمين مثلا وانتقدتها فإني أشير إلى ما يقابلها لدى كل من اليهود والمسيحيين . وربما لهذا السبب حظيت ابحاثي بثقة القراء العديدين. في الواقع لقد تعودت ألا أقدس أحدا منذ خيبة املي ( وأمل جيلي كله) بالشيوعية والستالينية . وبعد أن نشر خروشوف تقريره الشهير عام ( 1956) اكتشفت الحقيقة التالية : إن إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج لا يؤدي إلى إلغاء الديكتاتورية . هذه حقيقة ثابتة الآن . ومن الغريب ان الكثير من أصدقائي الشيوعيين لم يكتشفوها حتى هذه اللحظة.
انتهى
(1) مجلة الوحدة، السنة السادسة، العدد 69، حزيران 1990.
2024 أيار 3