ثقافة وفنون

فارقية الشكل والحرف في أعمال المغربية بشرى سكينة

فارقية الشكل والحرف في أعمال المغربية بشرى سكينة

محمد البندوري

تعتمد التجربة التشكيلية للفنانة التشكيلية بشرى سكينة على أشكال صامتة وعلى حروفيات متحركة مدعمة بوظائف بنائية تُخول لها الاشتغال في بؤر فنية فارقية، وفق مقومات تعبيرية، تدجج المساحات المتوسطة بكتل وركامات لونية خفيفة ومركزة، مع العناية الفائقة بقيم السطح، ونقاء الملمس، وانتقاء الألوان بدقة، وتطويع السيولة الشكلية، ما يجعل أعمالها لا تنتهي عند حد معين، بل تتعدى حدود الواقع وحدود الحرف والشكل بالمعايير التجريدية، فتتجه في منجزها الفني إلى صنع أشكال صامتة، وحروفيات متحركة، بأسلوب منظم فنيا، ودقيق الصنع لونا. وبذلك فإن أعمالها الإبداعية تتبدى فيها مجموعة من الاجتهادات، التي تمتح مقوماتها من الواقع ومن الثقافة التجريدية، ومن الحروفيات، ومن التصورات والرؤى الذهنية، ومن النسيج الإبداعي المحلي؛ لتظهر أعمالها مليئة بالإيحاءات والرمزية والدلالات المتنوعة. فتمنح القارئ نسيجا فنيا فارقيا في معناه، متوالفا في شكله. فهي تصنع مجموعة من الأشكال التي تتصل بالتراث الحضاري، وتردفه بمفردات فنية لتنسج منه المادة التعبيرية. ثم تضيف إليه رموزا متنوعة، فتعمد إلى روابط علائقية تكثف بها الفضاء فتتجلى بارزة بين الكتل والرموز والعلامات والألوان والزخارف والحروفيات، وهي تشير في عمقها إلى مغازي تتقصد المادة التراثية، وتستهدف المضامين التي تشتغل عليها.
لذلك فهي تعمد في كل عمليات البناء إلى إحداث التوليف المسبق بين مختلف العناصر المكونة لأعمالها، لتعبر بمفردات تشكيلية، تستقي من التدرجات اللونية النماذج الفراغية التي تنسجها وفق صيَغها الفضائية، بإضافة عناصر جديدة مما تحمله تقنياتها المتميزة من تغيرات، تجعل من التدقيق اللوني الموافق للشكل بناء فنيا منظما، في تواشج عميق المعاني، عن طريق التعبير بمفردات شكلية؛ يتخذ من خلالها كل شكل لونا محددا، عبر مفردات فارقية تتقصد جمال الملمس، تُنتجها وفق خاصيات جمالية ومقصديات تعبيرية.

بشرى سكينة

فاستخداماتها الشكلية، وتثبيتها لمختلف العناصر التشكيلية بانسجام تام، يجعل خاصية التعدد العلاماتي تُحدث حركات متتالية قادرة على تغيير المنحى التعبيري والانزياح به نحو تنوع التأويل وتعددية القراءة، فهي تبلور العملية الإبداعية وفق خاصيات جديدة وأساليب معاصرة في التعبير، وتمزج بين ملامح الألوان، والأنساق الرمزية والأشكال المتباينة والحروفيات والزخارف الخفيفة بموتيفات تبعث في أعمالها حركة وموسيقى هادئة، وهي تركب ذلك بتقنيات تجمع بين المظهر الجمالي والتعبير، بأسلوب فني أكثر جمالية. فتتبدى مختلف الإبداعات في التوزيع اللوني الدقيق، والخطوط والحركة والخيال، وفي التقاطعات، وفي التأثير التجريدي أحيانا وفي التأثير الواقعي حينا آخر، ما يؤشر إلى الحمولة الفلسفية التي تستجيب لضرورات العمل التشكيلي المعاصر. إن تفاعل المبدعة بشرى مع هذا المسلك الفني بنوع من المرونة التشكيلية؛ يُبرز قدرتها الفائقة في التعبير، ما يُسهم في إرساء مسلك تشكيلي يقوم على المهارة وعلى التقنيات العالية، وعلى المعارف المتنوعة والثقافة التراثية.
إن الفنانة التشكيلية بشرى سكينة تُعبّد طريقا فنيا، قوامه الجمال في المادة التراثية، بأبعاده الدلالية حتى تجول بالقارئ المتخصص في عمق الصورة الفنية التعبيرية بصيغ إشكالية وجمالية متعددة، تحرر أعمالها من كل القيود، وتعبر بتلقائية وحرية، وبعشق مفتوح على كل المفردات الفنية، فتبني جسر التفاعل مع الأشكال التراثية المتنوعة، لتتجاوب مع نظام الفضاء التعبيري بأنساق دلالية دقيقة. ولئن تبدت حركاتها صامتة أحيانا؛ فإنها في الآن نفسه متلائمة مع نبض الحروفيات والزخارف، تطاوع الحس الانفعالي، وتطاوع تصوراتها ورؤاها، التي تروم هذا المنحى الذي يحمل اللون والشكل والحرف بحركة شبه هادئة، وهو ما تفسره التعددية المتناسقة المثبتة بفارقية، وبتقنيات عالية، تُبرز من خلالها قدرتها التحكمية في الفضاء، لإنتاج أعمال تشكيلية خارجة عن المألوف. وهو ما تؤكده مختلف الصيغ الفنية المستعملة لعصرنة الأسلوب بمهارة الفنانة التي تستظل بخطابات فنية ورؤى جمالية تفتح باب القراءة النقدية والجمالية على مصراعيه.

كاتب مغربي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب