عندما نفروا خفافاً وثقالاً لحماية متهمة بالترويج للفسق والفجور!
سليم عزوز
تذكرت أن مصر توجد فيها قناة تحمل اسم «النهار»، والتي كانت في مرحلة الفوضى الإعلامية، بعد الثورة شبكة من عدة قنوات، وعند دخولي لموقع الشركة المتحدة، هالني أنها ليست ضمن الاقطاعيات الإعلامية التي تملكها!
وبالبحث والتحري، اكتشفت أن القناة سبق لها أن اندمجت في الشركة المالكة لشبكة قنوات «سي بي سي» في سنة 2016، بحضور العضو المنتدب عن شبكة النهار، وصاحب قنوات «سي بي سي» محمد الأمين، الرجل الذي مات في السجن، وأخذ سره معه، فعقب ظهوره المفاجئ لإنشاء ترسانة إعلامية في مصر، بعد الثورة، حذرت من الأمر؛ ذلك بأنه لا يقبل عقلا أن يقال إن هذه الترسانة أنشأها من مدخراته على مدى عشرين عاماً من العمل في إحدى دول الخليج، ومما قلته إنه لو كان يعمل أميراً هناك، لما أمكنه أن ينفق على هذه الترسانة، ومن بينها جريدة، أصر رئيس تحريرها على تقاضي راتبه بالعملة الصعبة؛ ثلاثين ألف دولار شهرياً.
وكان البعض يعتبر أن حرية الإعلام تسمح بإطلاق قنواته، دون سؤال التمويل، وكنت أردد دائماً أن الفوضى ستنهي حرية الإعلام، لا سيما وأن القناة الأم، تضم أكبر مجموعة من إعلاميي العهد البائد، وليس ضد الحرية أن تسأل من أين لك هذا للرجل الذي سقط على المشهد الإعلامي بالباراشوت ليتحدث إعلاميو هذه المرحلة عن عبقريته، دون ذكر شيء عن تاريخه في المجال، وهو بلا تاريخ فعلاً!
كانت السذاجة هي التي تحكم، فلم يكترث أحد مما حذرت منه، وأكثره في هذه الزاوية، بحكم التخصص، ويحدث الانقلاب، ونكتشف أن محمد الأمين ليس أكثر من مندوب للمالك، الذي لا نعرفه إلى الآن، لكن الحكم العسكري، وضع يده على عموم القنوات، واستمر محمد الأمين مديراً لجريدة «الوطن» ولشبكة «سي بي سي»، إلى أن تم القبض عليه بتهمة الزواج من قاصرات أو نحو ذلك، ليموت في السجن، وقد ألمني قليلاً أن يكون سرادقه في مسقط رأسه خاوياً، فلا يوجد أحد من الذين عملوا معه، أدى العزاء من باب الواجبات الاجتماعية، يبدو أن السلطة غضبت عليه، فتنكرت له الخلائق، حوالينا لا علينا!
فهل هذا الاندماج بين «النهار» و «سي بي سي»، السابق على نشأة الشركة المتحدة، هو السبب في عدم ظهور الأولى ضمن أملاك المتحدة، لأن الدمج انتقل بها للتبعية وإذا حضر الماء بطل التيمم؟!
المذيعة المسنودة: من يحميها؟
الذي ذكرنا في قناة «النهار»، هي الضجة بسبب بثها حلقة في برنامج جاءت مخالفة للقانون، وللنظام العام، والآداب العامة، وتم خلالها الدعوة للفسق والفجور، وهي كلها اتهامات أعلنها المجلس الأعلى للإعلام، وتقع ضمن اختصاص النائب العام في جانبها الجنائي، وليس دور هيئة إدارية أن تغتصب سلطة النيابة العامة في هذا الصدد.
وفي واقعة سابقة وفي عهد الرئيس السابق للمجلس مكرم محمد أحمد، رفض النائب العام السابق، أن يتدخل المجلس في ما لا يعنيه، وفي الاختصاص الأصيل للنيابة العامة!
وقد بات واضحاً أن تدخل المجلس الأعلى للإعلام للتحقيق السريع، والإدانة السريعة، والحكم الصوري، هو لإسباغ حماية على مقدمة البرنامج، التي استضافت صانعة محتوى متهمة بممارسة الفجور، لتدير معها حوارا، وكأنها مقابلة تبث من «علبة ليل»، فقد نفروا خفافاً وثقالاً لحمايتها!
فهي سيدة مسنودة، يكفي أنها ليست إعلامية، ومع ذلك منحوها برنامجاً من بابه، ويكفي العلم أن لها تجربة سابقة عملت فيها جارة بالجنب لتامر أمين وفشلت، فكانت مفاجأة أن نعرف أنها صارت مذيعة في برنامج، وليس هذا فحسب، وإنما يشتق البرنامج من اسمها ليكون «شاي بالياسمين»، لأنها ياسمين الخطيب، وهو أمر لا يحدث إلا مع الكبار من مقدمي البرامج وأصحاب النفوذ في قنوات المنوعات!
ولم تكن هذه الحلقة، وما خلفته من أثار، سبباً فقط في تذكرنا لقناة «النهار»، فقد تذكرنا معها المجلس الأعلى للإعلام، ونقابة الإعلامين، وانتبهنا إلى أن المذكورة الخطيب، مقدمة برامج تلفزيونية، وهي صاحب المقولة التي كشفت عن جهل نشط، وأكدت أنها كائن مفتعل، فنتذكر عندما تفلسفت ذات مرة، فكتبت تبدي حزنها لأن شباب هذه الأيام لا يعرفون عن عميد الأدب العربي، عباس محمود العقاد، سوى أنه شارع في مدينة نصر!
يومئذ كان ما كتبته المثقفة اللوزعية حدثاً أضحك الثكالى، فقد كانت الذكرى خاصة بطه حسين، وهو صاحب اللقب؛ عميد الأدب العربي، وشارع ضاحية مدينة نصر لا يخصه، وإنما هو باسم العقاد، الذي ليس عميداً للأدب العربي، وليس صاحب الذكرى!
وإزاء بركان السخرية، الذي انفجر في منصات التواصل، قالت إنه خطأ الأدمن، وإنها طلبت من محاميها تقديم بلاغ للنائب العام ضده، وتحديتها أن تفعل، فلا أدمن هناك ولا يحزنون، ومرت عدة سنوات، ولم نسمع شيئاً عن التحقيق مع مسؤول النشر في صفحتها!
عودة الأعلى للإعلام من البيات الصيفي
لقد كان المجلس الأعلى للإعلام في مرحلة بيات صيفي، فانتفض، كما انتفضت نقابة الإعلاميين، وهي في المرحلة ذاتها أيضاً، والمجٍلس أدان مقدمة البرنامج على مخالفتها للقانون، والنظام العام، والآداب العامة، والدعوة للفسق والفجور بغرامة قدرها مئتي ألف جنيه، ووقفها عن العمل لمدة ستة شهور، في حين أن النقابة العريقة أوقفتها لمدة ثلاثة شهور بعد تحقيق أجري معها!
وهي إجراءات مكثفة تستهدف، كما قلنا وقف السؤال عن الإجراء الطبيعي، لأن كل هذه الاتهامات تخضع لقانون العقوبات في البدء، ثم يأتي دور النقابة والمجلس والذي استيقظ من بياته الصيفي ليغطي على الجريمة، ثم يقرر بالمرة وقف ثلاثة برامج على قناة «صدى البلد»، كما قرر اغلاق قناة الصحة والجمال، لأنها لم تحصل على الترخيص القانون للبث والمعنى أنها لم توفق أوضاعها، حسب قانون المجلس الصادر في 2018، لأنها محطة تلفزيونية تبث منذ سنوات، وليس هذا هو الموضوع!
فهذه الأزمة وإن ذكرتنا بـ «النهار»، وأن هناك من تقدم برنامجاً تلفزيونيا وفق قواعد المحسوبية، دون أن تكون مذيعة، وعلمنا بأمر برنامجها من منصات التواصل الاجتماعي، فقد تذكرنا الفراغ القانوني، الذي تعاني منه البلاد!
فنقيب الإعلاميين فاقد للشرعية القانونية، لأن قرار تعيينه من جانب رئيس الحكومة انتهى مفعوله، وفقد صلاحيته منذ أكثر من أربع سنوات، وكذلك الحال بالنسبة للمجلس الأعلى للإعلام، الذي كان من المفروض أن يعاد تشكيله في مايو/ آيار الماضي، لكن حدث خلاف بين أهل الحكم، لم يحسموا على إثره التشكيل الجديد، ودخل مجلس النواب في اجازته الصيفية، في نهاية يونيو/حزيران، فطرف يريد تعيين ضياء رشوان رئيسا للمجلس وعزل كرم جبر المحسوب على اللواء عباس كامل، والظاهر من هذا التوجه أنه جزاء وفاقاً على تزكيته لوكيل نقابة الصحافيين خالد ميري، ليكون مرشح السلطة لمنصب نقيب الصحافيين، وهي الانتخابات التي كانت نتيجتها فوز مرشح تيار الاستقلال النقابي خالد البلشي في الموقع وسقوط مرشح الحكومة!
في حين أن جناحاً في السلطة منحاز لاستمرار كرم جبر، مع الإبقاء على ضياء رشوان في موقعه وليتفرغ لإدارة الحوار الوطني، لقدرته على تحجيم بعض أصوات اليسار في داخله، ولمن يفكر في التمرد في هذه القضية أو تلك، وإن كانت الإطاحة بكرم جبر الآن أسهل بعد نهاية مرحلة اللواء عباس كامل، وإن كان ليس مؤكداً أن يكون البديل له هو ضياء رشوان، فهناك عبد المحسن سلامة، الذي أحيل للتقاعد من موقعه رئيسا لمجلس إدارة مؤسسة «الأهرام» الصحافية، وليس هذا موضوعنا.
فالأصل أن البرلمان عاد للانعقاد مع شهر أكتوبر/تشرين الأول واستمر البطلان القانوني، الأمر الذي يجعل من قرارات الأعلى للإعلام ونقابة الإعلاميين قد تخلقت في رحم البطلان، لصدورها من غير ذي صفة، لكن القانون في مصر صار من أساطير الأولين!
لقد بُعث المجلس الأعلى والنقابة من مرقديهما، ليس لإدانة المذيعة، في زمن صار فيه التقديم التلفزيوني مهنة من لا مهنة له، ولكن لحمايتها من الإجراء القانوني الطبيعي، ولرفع الحرج عن جهات الاختصاص، إزاء اتخاذ ما يلزم قانوناً من مخالفة القانون، والنظام العام، والآداب العامة، والدعوة للفسق والفجور!
إنها مرحلة غير مسبوقة في تاريخ الإعلام المصري!
أرض جو: لست متأكداً من اقالة مدير الأخبار في قناة «أم بي سي» على خليفة التقرير سيئ السمعة، الذي اتهم يحيى السنوار وإخوانه بالإرهابيين، لكن حذف التقرير، وإقالة صاحبه أو حمله على تقديم الاستقالة، كل هذا يوحي بأن الإدارة خرجت على السياسة العامة للقناة، ولا أعتقد أن هذا صحيح، فالصحيح أن البعض فيها استقام أكثر مما ينبغي!
صحافي من مصر