فول وطعمية ومصقعة مزاج المصريين في الأكلات الشعبية
فول وطعمية ومصقعة مزاج المصريين في الأكلات الشعبية
كمال القاضي
ربما نقلت الدراما والسينما عبر المُسلسلات والأفلام بعض ثقافات المصريين الخاصة بالأكلات الشعبية المُميزة لديهم والتي اشتهروا بها وصارت جزءا من حياتهم اليومية والغذائية فتفردوا بها من حيث النوع والصنعة والرواج التجاري أيضاً.
قبل شيوع برامج الطبخ وانتشارها لم يكن هناك اهتمام كبير بالحديث عن خصوصية الأطعمة المصرية، فالكثير من الأكلات الشعبية الشهيرة لم يكن لها ذكر خارج المدار المحلي، اللهم غير نسبة ضئيلة من السياح العرب كانت تهتم بمثل هذه النواحي باعتبارها من أشكال الفلوكلور وإضافة ثقافية تساعد على معرفة عادات وتقاليد الشعب المصري.
الآن وبفضل الفضائيات صار تبادل المعلومات بين الدول والشعوب حول نوعية الأغذية المُفضلة وأشهر الأكلات والأطعمة أمراً مهماً في سياق الأنشطة التجارية والإعلامية والمشروعات الناشئة في مصر والمُرتبطة بالحالة الاقتصادية ارتباطاً مباشراً، حيث بات افتتاح المطاعم وفن إعداد المأكولات من الضروريات الأساسية، ذلك لحدوث تداخل كبير بين الثقافات العربية وغير العربية في ما يخص قوائم الأصناف المُفضلة لدى المُستهلكين من رواد المطاعم الفاخرة والشعبية على مستوى جنسيات كثيرة ومُختلفة.
وبرغم ولع الشباب بالأكلات السريعة السهلة، كالهامبورغر والسوسيس والشاورما وغيرها من النوعيات الغذائية الدخيلة على الثقافة المصرية، لم يتم الاستغناء عن الأكلات التقليدية الأخرى في المناطق والمطاعم الشعبية الأكثر كثافة. فلازال طبق الفول بالزيت الحار والليمون والفول الإسكندراني المطبوخ بالبصل والطماطم هو سيد المائدة والطعام الرئيسي، خاصة في وجبة الفطور سواء في المنازل أو على عربات اليد في شوارع القاهرة.
وبالطبع تحتل الطعمية مكانها المُميز على الطاولة كواحدة من الأصناف المُكملة، وللطعمية طُرق وأشكال كثيرة في طريقة الطهي والمذاق، فهناك طعمية بالشطة وطعمية بالسمسم وطعمية بالحُمص وطعمية بالبيض، والأخيرة تُسمى العجة ولها زبائن ومتذوقين كُثر.
كما أن من أشهر الأكلات الشعبية أيضاً المُصقعة وهي عبارة عن باذنجان مقلي وطماطم وفلفل يتم خلطهم وطهيهم بطريقة مخصوصة على نار هادئة مع كميات قليلة من اللحمة المفرومة أو بدون لحمة كما هو شائع ومتوافر في البيوت والمطاعم على حد سواء.
ويُضاف إلى قائمة الأكلات اللذيذة طبق البُصارة وهذا الطبق يندر وجوده في المحلات، لكنه يتمتع بخصوصية كبيرة ويحظى بأهمية قصوى بين العائلات لسرعة إعداده ورخص تكلفته.
وهذا الطبق يُصنع أيضاً من الفول المدشوش ببعض الإضافات الأخرى ويُقدم على المائدة مع أطباق ثانوية وبعض المُشهيات كالصلطة الخضراء والمخللات.
أما المحشي فهو عُمدة المائدة وعنوانها الرئيسي، وتتنوع أصنافه وأشكاله ومكوناته، فالأشهر منه في مصر هو محشي الكرنب ويُسمى في بعض المناطق الريفية والإقليمية الملفوف نسبة إلى لفه وطي ورقاته بعد السلق والحشو بالأرز المخلوط بالطماطم والبصل والتوابل والمزود بشوربة البط أو الدجاج أو اللحم.
وتختلف أنواع المحشي حسب الرغبات والأمزجة، فبالإضافة إلى محشي الكرنب يوجد محشي الكوسة ومحشي الباذنجان ومحشي ورق العنب وجميعها أصناف مُفضلة ومُغذية، وتكاد تكون موحدة في طريقة الصُنع والطهي، وتهتم الأسر بتقديمها على المائدة بأنواعها المُختلفة في حال وجود ضيوف وأعداد كبيرة من المعزومين لأنها الأوفر مقارنة بالأطعمة الأخرى، علاوة على أنها من الفولكلور المصري المحفوظ.
وتتعدد ثقافات الأكل وأنواعه وفق اختلاف البيئة والعادات والتقاليد، فهناك نوعيات ليست مشهورة في العاصمة القاهرة، بينما هي معروفة تماماً في بقية الأقاليم الأخرى، لاسيما في مناطق البدو والحضر، كذلك يشتهر أهل الصعيد ببعض الأكلات المخصوصة كالفطير المشلتت والعدس أبو جبة وهو نوع من العدس يختلف عن العدس الأصفر يتم طهيه مع تسبيكة خاصة من الطماطم والبصل.
كما توجد أكله معينة تُسمى الويكة وهي عبارة عن بامية مطبوخة بالثوم فقط بدون طماطم أو أية إضافات غير الملح والتوابل وبعض البهاريز المُستخلصة من لحم الضأن أو الماعز.
أما الشكشوكة فهي أكله سهلة وبسيطة وسريعة الطهي، ويعرفها أهل القاهرة والمُدن الأخرى، تتكون الشكشوكة من بيض وبصل ولحم مفروم وعصير طماطم ويُفضلها الكثيرون لسرعة هضمها وطبخها في دقائق معدودة.
والصيادية واحدة من الأكلات الشهية التي يتميز بها أهل المُدن الساحلية كبور سعيد والإسماعيلية والسويس ودمياط وغيرها، ولها أسطوات وخبراء في طهيها وإعدادها فهي تُصنع من نوعية خاصة من السمك، وهذه الأكلة تُمثل وجبة دسمة ولذيذة وتُعتبر من سمات المناطق الساحلية بالفعل كنوع غذائي مُميز ومفيد، ويرتبط وجود الصيادية على المائدة بوجود طبق الأرز المطهو بالبصل والجمبري فهما متلازمان شهيان للغاية ولهما مذاق لذيذ وفاتح للشهية.
كل هذه النوعيات من المأكولات تُمثل في طبيعتها ومذاقها ومكوناتها وتاريخ اكتشافها الثقافة المصرية بثرائها وزخمها وتراثها النوعي والبيئي والغذائي، لذلك فهي محل دراسة ولها قيمة علمية فريدة في سياق التعرف على عادات الشعب وتقاليده وميوله ومرجعياته الشعبية والإنسانية.
لقد بقيت هذه الثقافة الشعبية بدلالاتها صامدة أمام موجات الحداثة والتغير الحضاري، فلم تنفها أو تمحوها الثقافات الغذائية المستوردة الآتية من أمريكا ودول الغرب بأشكال ونوعيات بعيدة عن الطبيعة المصرية والمزاج العام للشعب الذواق الذي يُميز بين ما يؤذي المعدة وما يُغذي الجسم ويُحسن الصحة.