كيف تحول برشلونة من نعامة مع المايسترو إلى وحش كاسر مع هانزي فليك؟
كيف تحول برشلونة من نعامة مع المايسترو إلى وحش كاسر مع هانزي فليك؟
عادل منصور
في غضون ثلاثة أيام، تمكن برشلونة من سحق اثنين من أشرس وأقوى خصومه على المستوى القاري والمحلي، بدأت برد جزء بسيط من الديون القديمة المتراكمة مع زعيم الكرة الألمانية بايرن ميونيخ، بالفوز عليه برباعية مقابل هدف في إطار منافسات الجولة الثالثة لدوري أبطال أوروبا بالنظام الجديد، وتبعه العدو الأزلي ريال مدريد في عقر داره «سانتياغو بيرنابيو» برباعية أخرى نظيفة في كلاسيكو الجولة الأخيرة للدوري الإسباني، ما أعاد إلى الأذهان زمن «برشلونة المخيف»، خاصة بعد حفاظ الفريق على بدايته المذهلة على المستوى المحلي، بحصد ما مجموعه 30 نقطة من أصل 33 نقطة متاحة، ولنا أن نتخيل أن البلوغرانا لم يحقق هذه البداية سوى ثلاث مرات فقط طوال تاريخه، وجاءت هذه المرات الثلاث في حقبة الهداف الأسطوري للنادي والليغا ليونيل ميسي، والأكثر إثارة للإعجاب أن الفريق هز شباك منافسيه 37 مرة خلال هذه المباريات، وهو ما لم يحدث منذ أن فعلها الفيلسوف بيب غوارديولا في أول مواسمه في «كامب نو» (موسم السداسية التاريخية 2008/2009)، لكن ما يدعو للدهشة والاستغراب، أن الرئيس جوان لابورتا ومجلسه المعاون، اكتفوا بالتعاقد مع صفقة واحدة ملموسة، والحديث عن بطل يورو 2024 داني أولمو، الذي كبد الخزينة حوالي أكثر من 60 مليونا، مقابل إطلاق سراحه من ناديه السابق لايبزيغ الألماني، وذلك كما يعرف أصغر مشجع كتالوني قبل عتاولة النقد والتحليل، لعدم خروج المؤسسة من الأزمة المالية الطاحنة، والسؤال الذي يفرض نفسه في عالم كرة القدم في الأيام والساعات القليلة، كيف استطاع المدرب هانزي فليك في إعادة هيبة برشلونة المفقودة منذ سنوات في هذا الوقت القياسي؟ هذا ما سنحاول استعراضه ومناقشته معا في موضوعنا الأسبوعي.
الوصايا العشر
قبل الدخول في الدهاليز التكتيكية والبدنية، كانت صحيفة «آس» ذائعة الصيت، سلطت الضوء على ما وصفته الوصايا العشر، التي فرضها مدرب منتخب الناسيونال مانشافت سابقا على اللاعبين في غرفة خلع الملابس منذ يومه الأول في النادي، وفي رواية أخرى «نظام القبضة الحديدية»، الذي فرضه على الجميع في مقر تدريبات النادي في «سيوتات إسبورتيفا»، أولا لضمان سلطة مطلقة بطريقة هادئة وبدون عصبية، ثانيا وهو الأهم، لتحقيق هدفه الرئيسي، برفع مستوى الانضباط والالتزام لدى اللاعبين والارتقاء بمعدلاتهم البدنية، حتى يثبت أقدامه ويبدأ الفريق في تقديم كرة قدم جذابة من الناحية الهجومية. وتأتي في مقدمة هذه القواعد الصارمة، عدم التهاون أو التساهل بالموعد المحدد للتدريبات، إذ يعتبر «القدوة» بالنسبة للاعبين في هذه المسألة، بحضوره يوميا قبل 90 دقيقة من موعد المران الجماعي، وهو ما يلزم اللاعبين وباقي الموظفين على التواجد قبل ساعة ونصف الساعة من وقت التدريب، وتحديدا في تمام الساعة 9:30 صباحا بالتوقيت المحلي، كي يتناول اللاعبون وجبة الإفطار معا، وخلال هذا الوقت يتشاور المدرب مع طاقمه حول الاستعدادات للجلسة التدريبية، ويتواصل مع الأطباء حول حالة المصابين ومع المدربين البدنيين حول الحمل الذي سيتبع قبل بدء التمرين عند الساعة 11:00 بنفس التوقيت. وتشمل الوصايا، إلزام اللاعبين بالصعود على الميزان للتعرف على أوزانهم الجديدة بعد انتهاء الحصة التدريبية، حيث يتم تسجيل البيانات وتقييمها بصفة أسبوعية، ولم يسقط أحد اللاعبين في فخ زيادة الوزن منذ بداية الموسم حتى الآن، فالجميع ملتزم بالنظام الغذائي على أكمل وجه، مثل الالتزام بالتجمع الصباحي يوم المباراة لإجراء الجلسة التنشيطية، التي يراها فليك ضرورية للاستعداد للمباريات، للوقوف على حالة اللاعبين، تحسبا لحدوث تغييرات مفاجئة، ولأنه يُدرك جيدا قيمة التفاصيل البسيطة، يلزم الجميع بالحضور في الفندق ظهرا، كقاعدة أخرى أساسية يريد من خلالها التحكم في كل التفاصيل وتجنب المفاجآت غير السارة، على غرار حركة المرور في المدينة أو لأي ظرف آخر طارئ في اللحظات الأخيرة، وعندما يخوض الفريق أي مباراة خارج القواعد، يتم إلغاء رحلات العودة الليلية المبكرة، على سبيل المثال إذا لعب الفريق خارج أرضه في الساعة 9 مساء، أو بعد ذلك، واستغرقت رحلة الطائرة أكثر من ساعة ونصف الساعة، فإن الفريق يبقى للنوم في المدينة التي لعب فيها المباراة، لاعتقاد المدرب أن اللاعب يحتاج إلى الراحة الفورية بعد مجهود المباراة، لذا لا يفضل أن يصل في الثالثة صباح اليوم التالي بجسد مرهق وبالكاد ينام خلال الرحلة.
وفوق كل ما سبق، فرض المدرب الألماني انضباطا واضحا للغاية في جلسات العمل، خاصة مع التركيز على الإعداد البدني، بمساعدة خوليو توس، الذي وقع النادي معه هذا الصيف، ليلعب دورا محوريا في معرفة حالة كل لاعب، من خلال الاعتماد على التدريب الطويل، لمدة لا تقل بأي حال من الأحوال عن ساعة ونصف الساعة، منها يتم إخضاع كل لاعب لاختبارات للتحكم في كافة المشاكل التي تواجهه، ومنها يحصل فريق الإعداد على بيانات اللاعبين باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي «GPS» الملصق على أذرعهم، هذا بخلاف التدرب بالكرة والمحاضرات الشاقة قبل كل تمرين جماعي وبعده، ما يلزم الجميع على البقاء في مقر التدريبات حوالي 5 أو 6 ساعات يوميا، لكن في المقابل، رفع معنويات رجاله أكثر من أي وقت مضى، مثل إلغاء موضة العقوبات أو المكافآت الفردية التحفيزية، من منطلق أن فليك يتعامل مع لاعبين محترفين، وبالتالي فإن نظام الجزاء ليس منطقيا ولا نظام التحفيز منطقيا، فكل واحد يعرف ما أخطأ فيه وما يفعله بشكل صحيح، وهو مسؤول ليس فقط أمام المدرب، ولكن أيضا أمام الفريق ككل. وبموجب هذه الفرضية، قرر المدرب الغرامات المالية التي كان يفرضها تشافي على اللاعبين بالقطعة، ولو أن هذا لا يعني بالضرورة أن فعلا غير منضبط سينتهي بدون أن يلاحظه أحد أو بدون أن تكون له عواقب، ولكن يتم تنفيذه مع أنواع أخرى من العقوبات، كما أنه لا يحب منح لاعبيه عدة أيام من الراحة، رافعا شعار «يوم واحد» يكفي للراحة، حتى لو كان الفريق ملتزما بمباراتين في نفس الأسبوع، آخرها اعتراضه على طلب اللاعبين بعد الفوز على ريال مدريد، بالحصول على إجازة لمدة 48 ساعة، وأصر على الاكتفاء بـ24 ساعة، وذلك في خضم نشوة الفوز التاريخي في قلب «سانتياغو بيرنابيو». وقبل هذا وذاك، لا يبحث عن دور الأب ولا الزميل مع اللاعبين، بل يتعامل كمدرب فقط، بالوقوف على مسافة واحدة من كل اللاعبين، مع ردود فعل وعلاقة مبنية على أساس الاحترام والالتزام، لدرجة أنه يترك أبوابه مفتوحة لأي شخص للتشاور أو لحل مشاكله، وليس للتشجيع على الصداقة أو المحسوبية، في ما هو أشبه بالحفاظ على الخط الرفيع في العلاقة بين المدرب ولاعب كرة القدم، الذي لا ينبغي تجاوزه بأي حال من الأحوال، حتى يكون عادلا في قراراته مع الجميع، وهذا يشرح لنا عمق وصلابة حجر الأساس الذي وضعه فليك لبناء مشروعه مع برشلونة بالطريقة التي يريدها لنفسه ويحلم بها عشاق النادي في كل أرجاء المعمورة.
القوة الضاربة
بالنظر إلى الفنيات والمكاسب التكتيكية تحت قيادة فليك، سنجد منها «النسخة الفاخرة» التي يبدو عليها الجلاد البولندي روبرت ليفاندوسكي هذا الموسم، مقارنة بالحالة المأساوية التي كان عليها في موسم تشافي الأخير. صحيح ليفا، أبلى بلاء حسنا في أول مواسمه في «كامب نو» بعد انتقاله من بايرن ميونيخ، لكن هذا الموسم، يبدو وكأنه عاد بالزمن إلى سنوات الخوالي، سنوات المنافسة بقوة على جائزة «الكرة الذهبية» كأفضل لاعب في العالم في الفترة بين عامي 2020 و2022، تاركا بصمته في ما مجموعه 17 هدفا من مشاركته في 14 مباراة في مختلف المسابقات حتى الآن، منها 14 هدفا في أول 11 جولة في حملة البحث عن استعادة لقب الليغا، أشبه بالتحول الدرامي في مسيرة المهاجم المخضرم، من مشروع رأس حربة في طريقه للتقاعد أو التوقف عن اللعب في أعلى مستوى تنافسي حتى نهاية الموسم الماضي، إلى تلك العودة المثيرة للإعجاب تحت قيادة مدربه السابق في «آليانز آرينا». ولعل عشاق النادي الكتالوني، ما زالوا يتذكرون تلك الاشاعات التي كانت تضع اسمه في جملة مفيدة مع فناربخشة التركي، ضمن اختيارات جوزيه مورينيو في مغامرته الجديدة في وطن أحفاد العثمانيين، وأخرى كانت تربطه بلوس أنجلوس غالاكسي الأمريكي، وهذه الرغبة أو التوجه في بيعه، لم يكن بهدف التخلص من راتبه الضخم، على غرار ما حدث مع الألماني إيلكاي غندوغان، الذي اضطر النادي لإعادته إلى ناديه السابق مانشستر سيتي في بداية الموسم، بل لحالة الخمول التي كان عليها وضعف فعاليته بوجه عام، إذ كان يُعتقد أنه لم يعد يتمتع بالقدر الكافي من الحركة والنشاط لقيادة هجوم برشلونة، لكن مع وصول فليك، يبدو وكأن ليفاندوسكي وُلد من جديد، باعتباره الرابح الأكبر من الزخم والكثافة العددية الكبيرة في الثلث الأخير من الملعب، بفضل روائع بيدري وسحر رافينيا وتوهج لامين يامال، وباقي رفاقه الذين يتسابقون في خلق الفرص للمهاجم الصريح في إستراتيجية 4-2-3-1، وهو ما ساعده على العودة إلى مستوى الوحش، رغم اقترابه من كسر حاجز الـ37 عاما، آخرها الخروج من مباراتي البايرن والريال بثلاثة أهداف، كانت قابلة للضعفين على أقل تقدير، لو حالفه التوفيق أكثر في اللمسة الأخيرة في بعض الفرص المؤكدة التي أتيحت له في المباراتين.
وبالمثل، أعاد البرازيلي رافينيا اكتشاف نفسه تحت قيادة المدرب الألماني، من جناح لا تمانع الأغلبية الكاسحة من بيعه في ميركاتو 2024 لتمويل الصفقات الجديد، إلى وحش كاسر ومشروع نيمار جديد، بتلك الطريقة السينمائية التي كشر بها عن أنيابه أمام البايرن ثم النادي الملكي، بدك شباك الأول بهاتريك لن يمحى من الذاكرة لفترة طويلة، والاكتفاء بإطلاق رصاصة الرحمة الرابعة والأخيرة في شباك الغريم الأزلي، وهذا كما أشرنا، كان آخر سيناريو يتوقعه أكثر المتفائلين من عشاق النادي، أن يصبح القادم من ليدز يونايتد، البطل الذي يساهم في تسجيل الأهداف أكثر من أي لاعب آخر في الربع الأول من الموسم، وفي رواية أخرى آخر الجواهر البرازيلية المتوهجة بقميص البلوغرانا في آخر 30 عاما، على غرار روماريو ورونالدو الظاهرة وريفالدو ورونالدينيو ونيمار جونيور، فقط يحتاج المضي قدما بنفس النسق العالمي، استكمالا لحملته الأخيرة للدفاع عن نفسه والرد على كل من شكك في جودته وقدرته على تقديم الإضافة لخط الهجوم، خاصة بعد ارتفاع الأصوات المطالبة ببيعه بأفضل عائد مادي، لشراء الأسمر الإسباني نيكو ويليامز، الذي خطف الأنظار بعروضه المذهلة مع يامال في يورو ألمانيا، ما تسبب في تحطم معنويات رافينيا وجعله يتألم في صمت، وفقا لما قاله قبل ملحمة بايرن ميونيخ: «اعتقدت أنها كانت مزحة سيئة الذوق وكانت غير محترمة، يحتاج الناس إلى احترام اللاعبين الموجودين هنا، نحن هنا نبذل قصارى جهدنا ونقاتل من أجل النادي، رؤية صورة كهذه لم تكن لطيفة جدا لي، اعتبرتها عدم احترام»، قبل أن يتكفل بحق الرد العملي، أولا بإسكات الساخرين والمطالبين برحيله، ثانيا بإغلاق صفحة ويليامز، الذي لم يعد حتى موضوعا للنقاش بين المشجعين، مدعوما بثقة المدرب، الذي منحه شارة القيادة بشكل مؤقت، وأيضا ساعده على إخراج أفضل ما لديه، بعدما ظل لسنوات يؤدي في مركز الجناح الأيمن المهاجم. ذاك المركز، الذي ربما لو استمر تشافي، لما توهج بهذه الطريقة، لصعوبة استيعابه مع لامين يامال في نفس المركز. لكن مع فليك، يؤدي أكثر من المطلوب منه في الرواق الأيسر، ليشكل تلك الثلاثية الفتاكة برفقة ليفاندوسكي ولامين، بما يمكن اعتباره بالدور المركب، باللعب أحيانا كجناح مهاجم أيسر، لتنفيذ أدواره الهجومية والدفاعية كما يريد المدرب في بعض الأوقات، وأحيانا أخرى يلعب خلف ليفاندوسكي مباشرة. واللافت للنظر، أنه يؤدي بنفس الجودة والكفاءة في كلا المركزين، والدليل على ذلك أرقامه المذهلة، والتي وصلت لحد المساهمة في تسجيل 19 هدفا منذ بداية الموسم، منها 10 أهداف من توقيعه بالإضافة إلى 9 تمريرات حاسمة، ولأن الحظ لا يبتسم أبدا إلا للمجتهدين، شاء القدر أن يتحول يامال، من مجرد يافع في طريقه للنجومية على المدى المتوسط، إلى جوهرة لا تُقدر بثمن، بعد التغير التاريخي في مسيرته بعد كأس الأمم الأوروبية، التي كانت شاهدة على ميلاد نجم من الطراز العالمي اسمه لامين يامال، الذي انسجم سريعا هو الآخر مع وصايا المدرب فليك، ليحدث له هذا التحول المذهل في كتلته العضلية وصلابة بنيانه الجسدي، مقارنة بالصورة التي كان يبدو عليها في مثل هذه الأيام من العام الماضي، كمراهق نحيف لا يقوى على تحمل التدخلات القوية أو الاحتفاظ بالكرة في صراع القوة والاستحواذ، ليجني المدرب الألماني ثمار هذا التفاهم، بتلك النتائج والإحصائيات الرائعة التي لم يحققها قبله إلا العبقري الأصلع في سنوات المجد بين 2008 و2012.
عدوانية وانسجام
على الورق، يبدو كأن برشلونة يلعب بالطريقة التقليدية 4-3-3، لكن على أرض الواقع، ترتكز الفكرة على خلق ما يمكن وصفها بالزوبعة التكتيكية، بتدوير الكرة بسرعة حول الملعب، مع محاولات للاستيلاء على كل متر في الملعب، بتحرك اللاعبين بشكل مستمر بعيدا عن بعضهم بعضا، مع الاحتفاظ بأكبر عدد ممكن من اللاعبين في نصف الملعب، لحرمان الفرق المنافسة في رفاهية التفكير أو اللعب بأريحية بمجرد وصول الكرة إلى دائرة المنتصف، مع عدوانية لا مثيل لها، سواء في الاستحواذ على الكرة أو لاستعادتها مرة أخرى، مرتكزا على تناغم ثنائي قلب الدفاع إينيغو مارتينيز وباو كوبارسي، اللذين أكملا أكبر عدد من التمريرات في الدوري الإسباني هذا الموسم، ما يعكس الجودة العالية التي يرتكز عليها فليك في فلسفة بناء اللعب والتحضير للكرات البينية، وكذلك في نصب مصيدة التسلل للمنافسين، بتنفيذ مثالي لتعليمات المدرب بالتقدم إلى الأمام في أوقات معينة، لإسقاط المهاجمين في فخ التسلل، بتلك الطريقة التي تحول بها كيليان مبابي، إلى مادة ساخرة في وسائل الإعلام العالمية وعالم «السوشيال ميديا»، بهذا الكم الهائل من عدد مرات الوقوع في مصيدة التسلل، من أصل 12 مرة رفع فيها مساعد الحكم الراية على مهاجمي الريال في كلاسيكو عطلة نهاية الأسبوع الماضي، وقبلها نجحت الخطة الانتحارية 65 مرة في أول 10 مباريات في الليغا، في ما يعتبرها البعض أشبه بالمخاطرة، التي قد تأتي بنتائج كارثية في المستقبل، لكن على أرض الواقع، سيكون من الصعب انتقاد المدرب على جرأته التي ساهمت في توقف سلسلة اللا هزيمة للمنافس المباشر، التي استمرت لنحو 42 مباراة على التوالي على المستوى المحلي، هذا ولم نتحدث عن تأثير بيدري بعد انتهاء مشاكله مع لعنة الإصابة، وعودة غافي مؤخرا من إصابته المروعة، ومعه الهولندي فرينكي دي يونغ والوافد الجديد داني أولمو، بجانب ثقته في أبناء الأكاديمية والجيل الجديد في مقدمتهم اكتشاف وسط الملعب مارك كاسادو، حتى الحارس البديل اينياكي بينيا، الذي تسلم العرين بعد انتهاء موسم تير شتيغن، وقبل وصول فويتشيخ تشيزني، هو الآخر يقدم مباريات أقل ما يُقال عنها «سينمائية»، آخرها تصدياته الخرافية في كلاسيكو ريال مدريد الأخير، ما ساهم في هذا الانقلاب غير المتوقع في الموازين، بتحول برشلونة الى فريق في قمة التكامل والانسجام، أو فريق يجمع بين العدوانية في الضغط والفعالية أمام المرمى، بتوظيف يُدرس للعناصر المتاحة في كل مركز في الملعب، والعكس بالنسبة للمنافس المباشر ريال مدريد، الذي كان يمتلك نفس المميزات حتى نهاية الموسم الماضي، الذي ختمه بالتتويج بلقبي الليغا وكأس دوري أبطال أوروبا الخامسة عشرة في تاريخه، قبل أن تتحول محاولة الحفاظ على هذه الهيمنة بعد ضم كيليان مبابي، إلى كابوس بالنسبة للمدرب كارلو أنشيلوتي، الذي يتعرض لانتقادات لاذعة في الآونة الأخيرة، لإخفاقه في العثور على التوليفة السحرية لإخراج أفضل ما لدى نجومه الكبار فينيسيوس جونيور وردريغو وجود بيلينغهام والمدمر الفرنسي الجديد مبابي، أو بلغة كرة القدم، لفشله في خلق الانسجام اللازم بين هذا الرباعي، تارة بانجراف الهداف التاريخي لباريس سان جيرمان بشكل لا إرادي إلى منطقة فينيسيوس في اليسار، وتارة أخرى بمعاناة بيلي في التأقلم على دوره الجديد، كلاعب وسط رقم (8)، بعد تألقه بشكل لافت في مركز رقم (10) خلف الثنائي البرازيلي في الموسم الماضي، وقبل صفقة مبابي، التي ما زالت تمثل لغزا لمشجعي النادي، في حين كانت الشكوك تطارد فليك ومغامرته المحفوفة بالمخاطر مع برشلونة، الذي كان ولا يزال يعاني من مشاكل مالية طاحنة، قبل أن يرد الصاع صاعين لكل المشككين، بقيادة برشلونة إلى اعتلاء صدارة الدوري الإسباني بفارق 6 نقاط كاملة عن أقرب ملاحقيه في جدول الترتيب العام، وبحصيلة تهديفية بلغت 37 هدفا في 11 مباراة، مقابل 21 هدفا للمنافس الذي يملك أقوى ترسانة هجومية على وجه الأرض، فقط يتبقى أن يحافظ المدرب الألماني الصارم على هذا الانسجام الخيالي بين رافينيا وليفاندوسكي ولامين يامال حتى نهاية الموسم، أو كما قال الناقد جون جوسيب بالاس، التحدي القادم هو «الاستمرار في دفع لاعبيه إلى أقصى حد في كل مباراة»، بعدما جعلهم يؤمنون ويثقون بأنفسهم أكثر من أي وقت مضى، والأهم، أكثر عدوانية وطمعا في تسجيل الأهداف، حتى لو كانت النتيجة 4-1 أمام بايرن ميونيخ أو 4-0 أمام ريال مدريد، كان الفريق يقاتل بحثا عن الهدف الخامس، بنفس العقلية الحادة التي كان عليها بايرن ميونيخ تحت قيادة فليك في موسم 2019-2020 الاستثنائي، فهل يا ترى سينجح في الحفاظ على هذا الإيقاع التصاعدي لنهاية الموسم، وبالتبعية ستكون بداية لعهد جديد لبرشلونة؟ أم ستكون مجرد بداية نارية قبل بداية ضغط روزنامة المباريات في المرحلة القادمة؟ دعونا ننتظر ما سيحدث.
ـ «القدس العربي»: