هل ذهبت الكرة الذهبية الى رودري نكاية في ريال مدريد؟
هل ذهبت الكرة الذهبية الى رودري نكاية في ريال مدريد؟
أثيرت ضجة غير مسبوقة في وسائل الإعلام الإسبانية، وبالتحديد في المحيط الإعلامي الأبيض المحسوب على ريال مدريد، وذلك منذ تسريب خبر تتويج لاعب وسط مانشستر سيتي والمنتخب الإسباني رودري، بجائزة «الكرة الذهبية»، كأفضل لاعب في العالم، المقدمة من قبل مجلة «فرانس فوتبول» الفرنسية الشهيرة، قبل ساعات من حفل توزيع الجوائز في العاصمة الفرنسية باريس يوم الإثنين الماضي، ما ضاعف من أحزان النادي الملكي وعشاقه، خاصة وأن هذه الصدمة جاءت بعد 24 ساعة من الإذلال الكبير الذي تعرض له الفريق على يد برشلونة في مباراة كلاسيكو الأرض، التي حسمها البارسا برباعية نظيفة في قلب ملعب «سانتياغو بيرنابيو» في العاصمة الاسبانية مدريد، ليضطر رئيس النادي فلورنتينو بيريز، الى اتخاذ ذاك القرار الذي تصدر عناوين الصحف والمواقع الرياضية العالمية يوم حفل «البالون دور»، باعتذار ممثلي النادي عن حضور الحفل، ردا على ما اعتبر في عالم «السوشيال ميديا» بـ«الإهانة» التي تعرض لها أشهر ناد في العالم، بحرمان نجمه البرازيلي المتوهج فينيسيوس جونيور من الجائزة ومنحها الى لاعب آخر يلعب في إحدى المراكز التي لا تنافس عادة على هكذا جوائز فردية مرموقة، والسؤال الذي يفرض نفسه حتى الآن: هل حقا تعرض فيني للسرقة؟ أو كما يُقال على نطاق واسع في «آس» و«ماركا» وباقي المنصات الإعلامية التي تنبض باللون الأبيض الملكي إن رودري لم يكن يستحق الجائزة، دعونا نلقي نظرة محايدة.
بطل ذهبي
في فبراير / شباط 2021 قال مدرب فريق مانشستر سيتي بيب غوارديولا مقولته المأثورة «أفضل لاعبي خط الوسط المدافعين لا يظهرون على الصفحات الأولى من الصحف. إنهم يختبئون خلف الفريق، ولكن عندما يلعب الفريق بشكل جيد، فهذا لأنهم متميزون»، وكان المدرب الكتالوني يتغنى بأداء رودري في نصف موسم فقط، وجاء بعد فترة وجيزة من الخمول النادر لكتيبة السكاي بلوز، كانت قد أسفرت عن ضياع ما مجموعه 16 نقطة في أول 12 جولة في موسم الدوري الإنكليزي الممتاز 2020-2021، قبل أن يعود الفريق إلى أفضل حالاته، باكتساح ليفربول آنذاك برباعية مقابل هدف، في ما كان الانتصار العاشر للسيتي على التوالي، وبفضل الأداء المذهل الذي قدمه رودري في قمة الريدز، ومع ذلك كان تأثير لاعب أتلتيكو مدريد سابقا أقل من قيمته الحقيقية، الى درجة أن المدرب أبقاه على مقاعد البدلاء في المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا في نفس العام، والتي خسرها من مواطنه تشلسي بهدف كاي هافيرتز الشهير، في ما اعتبرت مجازا بالخطيئة التي تسببت في ضياع اللقب على النادي السماوي. لكن بعد أربع سنوات، حصل أخيرا على التقدير الذي يستحقه، بتصدر عناوين الصحف والمواقع العالمية، بعد تتويجه بالجائزة الفردية الأكثر أهمية في عالم كرة القدم، دليلا على أنه كان منافسا ومرشحا فوق العادة للفوز بها في العام الماضي، بعد تتويجه بالثلاثية التاريخية مع فريقه «الدوري الإنكليزي الممتاز وكأس الاتحاد الإنكليزي ودوري أبطال أوروبا» في موسم 2022-2023، الذي ختمه بتسجيل هدف الفوز على الإنتر في نهائي الكأس ذات الأذنين، كأفضل رد على جلوسه على مقاعد البدلاء في بورتو قبل عامين، لكن من سوء حظه، راحت مساهمته ضحية لعنفوان زميله النرويجي إيرلينغ براوت هالاند، الذي أنهى الموسم بتسجيل 52 هدفا من مشاركته في 53 مباراة، لينتهي به المطاف في المرتبة الخامسة في الترتيب النهائي لأفضل لاعب في العالم من قبل المجلة الفرنسية، بعد ذهاب الجائزة للأسطورة ليونيل ميسي، نظير دوره الكبير في تتويج منتخب بلاده الأرجنتيني بمونديال قطر 2022.
أرقام تاريخية
صحيح أن مساهمة رودري في الثلاثية، لم يتم احتسابها أو وضعها في الاعتبار، لكنه بدأ موسم 2023-2024 من حيث انتهى في موسم الثلاثية، الى درجة أنه ختم الموسم الماضي بلا هزيمة واحدة على مستوى الدوري الإنكليزي الممتاز، حيث أتت هزائم السيتي الثلاث عندما كان موقوفا في منتصف الموسم، وكانت آخر مرة تذوق فيها طعم الهزيمة على مستوى البريميرليغ في فبراير / شباط العام الماضي، غير أنه لم يخسر في دوري أبطال أوروبا، بعد خروج فريقه من البطولة على يد ريال مدريد من الدور ربع النهائي بعد التعادل في مباراتي الذهاب والإياب، فقط كانت المباراة الوحيدة التي هُزم فيها هي نهائي كأس الاتحاد الإنكليزي ضد مانشستر يونايتد، والتي أنهت مسيرته القياسية بدون هزيمة بالقميص السماوي، والتي استمرت لنحو 74 مباراة في جميع المسابقات، أو 475 يوما من دون خسارة، لكن هذا لم يفسد موسمه مع الفريق، بعد الاستحواذ على لقب الدوري للمرة الرابعة على التوالي، في إنجاز لم يحققه أي ناد آخر في تاريخ كرة القدم الإنكليزية، لكن ما كان ملاحظا في أداء رودري في الموسم الماضي، هو تطوره الواضح في الشق الهجومي، بعد وصول عدد مساهماته التهديفية لنحو 17 هدفا، منها ثمانية أهداف من توقيعه بالإضافة إلى 9 تمريرات حاسمة، متفوقا بهدفين عن الجناح الأيمن المهاجم برناردو سيلفا وثلاثة أهداف على صانع الألعاب كيفن دي بروين، أو ما يمثل 17% من إجمالي أهداف الفريق، ولهذا وصفه قائد لوتن تاون توم لوكيير بالسيارة الفاخرة «رولز رويس»، قائلا بعد مباراتهما في ديسمبر / كانون الأول الماضي: «يتحكم في كل شيء في وسط الملعب، كان كل شيء يمر من خلاله، عندما كنت تعتقد أنك تضغط عليه وأنك ستخطف الكرة، كان يضايقك فقط، لذلك كانت تمريرته التالية يأخذ خلالها وقتاً أكثر على الكرة. وفي المباريات التي يلعبها، من النادر جدا أن يتم الإمساك بالكرة، لأنه يتحكم في كل ما يحاول مانشستر سيتي القيام به».
كومبيوتر مثالي
لم يكن لوكيير الوحيد المنبهر بإمكانات وقدرات رودري، أيضا مدربه بيب غوارديولا قال عنه في مارس / آذار الماضي: «أفضل لاعب خط وسط في العالم بفارق كبير عن باقي اللاعبين»، قبل أن يضيف مدرب المنتخب الإسباني لويس دي لافوينتي إلى الشعر بيتا، بوصف متوسط ميدانه بـ«الكومبيوتر المثالي الذي يدير كل شيء بطريقة ساحرة. رودري أفضل لاعب في العالم. من فضلكم. امنحوه الكرة الذهبية الآن»، وذلك حتى بعد تعرضه للإصابة التي أجبرته على مغادرة الميدان في بداية المباراة النهائية أمام المنتخب الإنكليزي، وهو ما تحقق بعد أقل من ثلاثة أشهر، وبعد عقود من تجاهل الجائزة لنجوم ومشاهير خط الوسط الدفاعي، كان آخرهم أيقونة ألمانيا في تسعينات القرن الماضي ماتياس سامر في العام 1996، في ما اعتبره بعض النقاد والمتابعين بـ«الانتصار الكبير» لكرة القدم، بذهاب الجائزة للاعب الوسط الأكثر تكاملا في العالم في الوقت الحالي، بعد سنوات من الكفاح والاجتهاد، بداية من معاناته بين محاضرات الجامعة وحضور التدريبات والمشاركة مع فريقه الأسبق فياريال، مرورا بقناعته بامتلاك سيارة أوبل كورسا مستعملة لفترة طويلة، نهاية بتحقيق ما فاق أحلامه وخياله في يوم من الأيام، بالوقوف على المسرح لتسلم جائزة «البالون دور» على حساب عتاولة ريال مدريد في الوقت الحالي، كأفضل مكافأة على كل ما قدمه لفريقه ومنتخب بلاده في آخر موسمين بوجه عام.
الغضب المدريدي
بالنسبة للغضب المدريدي الذي وصل الى حد مقاطعة الحفل، فهناك من يرى أنه كان مستحقا، لتجنب المشاركة في ما يصفه الإعلام الإسباني بـ«المسرحية الكوميدية»، بزعم أن أصحاب الكرة الذهبية والاتحاد الأوروبي لكرة القدم لا يحترمان ريال مدريد، بعد الترويج طيلة الأسابيع القليلة الماضية لفوز النجم البرازيلي فينيسوس جونيور بالجائزة، أو كما انتقد لاعب وسط الميرينغي إدوارد كامافينغا «سياسة كرة القدم»، التي يعتقد أنها تلعب دورا في التصويت للكرة الذهبية، رغم أنه بلغة الأرقام التاريخية، يعتبر ريال مدريد النادي الذي يضم أكبر عدد من المحظوظين بالفوز بالكرة الذهبية (ثمانية لاعبين)، ومنذ بداية الألفية الجديدة، فاز لاعبو اللوس بلانكوس بالجائزة تسع مرات، آخرهم الثلاثي كريستيانو رونالدو ولوكا مودريتش وكريم بنزيمة، لكن الشيء المحير والمثير للجدل، أنه بالكاد يوجد أي ناد آخر في أوروبا يعاني من نفس النوع من الظلم، ولعل الفئة المحايدة تتذكر ما حدث مع نجم أرسنال وبرشلونة تييري هنري، ونجم الانتر ويسلي شنايدر، ونجمي بايرن ميونيخ فرانك ريبيري وروبرت ليفاندوسكي في العقدين الماضيين، بتجاهل في منتهى القسوة من قبل المصوتين لاختيار الجائزة، مع ذلك لم تحدث حملات مقاطعة وتشكيك في مصداقية الجائزة، كما فعل ريال مدريد هذه المرة، وفي كل مرة يخسر فيها «البالون دور»، ولو أن هذه المرة تبدو وكأن ردة الفعل مبالغ فيها، بعد اتهام رودري بسرقة الجائزة من فينيسيوس، الذي أثبت بشكل عملي، أنه اللاعب الأعلى جودة والأكثر حسما ومهارة على مدار الموسم الماضي، بمشاركته في 33 هدفا ساهمت في حصول فريقه على الكأس السوبر الإسبانية، والدوري الإسباني، ودوري أبطال أوروبا والكأس السوبر الإسبانية، من دون مراعاة تأثير رودري الكبير في إنجاز السيتي غير المسبوق ودوره في فوز منتخب بلاده باليورو، ولا حتى تذكر ما حدث في عام 2016، عندما خرج كريستيانو رونالدو من المباراة النهائية لليورو لظروف مشابهة لرودري في نهائي 2024، وفي الأخير ذهبت الجائزة إلى صاروخ ماديرا، وأيضا في 2018، تجاوز الإعلام الأبيض ما تُعرف بالمعايير المتعارف عليها لاختيار صاحب «البالون دور»، أبرزها المتعة البصرية وتسجيل أكبر عدد ممكن الأهداف، وذلك بعد حصول لوكا مودريتش على الجائزة في أول موسم بعد ذهاب الدون إلى يوفنتوس، فمن هذا المنطلق أو المنظور المدريدي، هل تعتقد عزيزي القارئ أن فينيسيوس تعرض للظلم ورودري لم يكن يستحقها؟ أم أنها ذهبت بالفعل إلى الأحق بها في آخر عامين؟
ـ «القدس العربي»: