تحقيقات وتقارير

جدل إسرائيلي حول الاتفاق مع لبنان: خدمة لمصالح تل أبيب أم خضوع لـ”حزب الله”؟.. غلطة تاريخية أم استراحة محارب؟

جدل إسرائيلي حول الاتفاق مع لبنان: خدمة لمصالح تل أبيب أم خضوع لـ”حزب الله”؟.. غلطة تاريخية أم استراحة محارب؟

الناصره / وديع عواودة

 منذ انتشار الأحاديث الإعلامية عن اتفاق وشيك بين لبنان وإسرائيل، تبدي أوساط إسرائيلية رسمية وغير رسمية تحفظها ورفضها له. ويعلن قادة الحكم المحلي في شمال البلاد معارضتهم له لأنه يبقي قوة “حزب الله” على حالها، رغم ما تعرّض له من ضربات، ويهدّدون بعدم عودة عشرات آلاف النازحين إلى منازلهم في الجليل.

طبقاً للمصادر الإسرائيلية، فإن مسودة الاتفاق تقوم على أساس القرار الأممي 1701 ويتضمن عدة بنود، من بينها وقفٌ للنار، وتطبيق الاتفاق خلال شهرين، لجنة دولية برئاسة الولايات المتحدة تعمل على تطبيقه (دون جنود على الأرض، عدا قوات فرنسية للمساعدة في التطبيق)، تنسحب القوات الإسرائيلية بالتدريج، وتستبدل بالجيش اللبناني (1000 جندي)، يتولى جيش لبنان وقوات أممية مهمة تنظيف جنوب الليطاني من السلاح، توافق إسرائيل على تسليح غربي للجيش اللبناني، حكومة لبنان تراقب إنتاج السلاح وتهريبه للأراضي اللبنانية بواسطة الجيش، لا تقام منطقة عازلة في جنوب لبنان، وعودة أهل الجنوب إلى قراهم، تدير إسرائيل و”حزب الله” مفاوضات حول نقاط حدودية خلافية.

مصدر إسرائيلي: الاتفاق يخدم مصالحنا، رغم أنه هش، لكنه وقفٌ للنار لا نهاية للحرب، ربما يصمد يومين، وربما سنتين، والاتفاق الثنائي مع واشنطن يمنح إسرائيل استخدام النار للقضاء على التهديدات

وبخلاف مواقف وتصريحات رؤساء حكومة الاحتلال، تراجعت إسرائيل عن رغبتها بوضع إصبع في عين لبنان، من خلال بند يمنحها شرعية انتهاك سيادة لبنان تحت شعار “حق الحركة الدفاعية”. ويبدو أن نهوض “حزب الله” من ضربات موجعة تعرّض لها، وقدرته على مواصلة التراشق، واستهداف منطقة تل أبيب، وإلحاق أضرار، وإرباك عدوه، وإدخال ملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ، وتشويش حياتهم اليومية، دفع نتنياهو للقبول بفكرة الاتفاق، بعدما استنفدت الأهداف في لبنان، وباتت كلفة حرب الاستنزاف أكبر من جدوى مواصلة استهداف الأبراج في الضاحية وغيرها، وقد سدّد جيش الاحتلال ثمنًا باهظًا في الحملة البرية، خلال الشهر الأخير.

وهناك مراقبون في إسرائيل يضيفون حسابات أخرى لديها، منها إرسال رسالة لترامب الراغب بالتهدئة في الشرق الأوسط، وخوفها من اتخاذ قرارات صعبة في الأمم المتحدة وبمشاركة الإدارة الأمريكية في آخر ولايتها، والرغبة بالحصول على سلاح أمريكي عالق حتى الآن.

وقال السفير الإسرائيلي في واشنطن للإذاعة العبرية، اليوم، إن الإدارة الأمريكية تتجه لرفع معارضتها لتزويد إسرائيل بكميات من أسلحة معينة، منوهًا أن ذلك سيتم بالتفاهم وليس شرطًا: سلاح مقابل اتفاق في لبنان.

بيد أن الدافع الجوهري خلف ذهاب إسرائيل لاتفاق لا يغيّر كثيرًا من الواقع الأمني مقابل “حزب الله” يرتبط بحسابات الربح والخسارة، في ظل تراجع مكاسبها بعد الاغتيالات والضربات الكبيرة في الضاحية، وتزايد مكاسب عدوها في الشهر الأخير، وربما استمرار المعادلة هذه لاحقًا.

المذكرة الثنائية بين إسرائيل وأمريكا

في المقابل، تعمل إسرائيل على نيل ما لم تنله في الاتفاق باتفاق ثنائي بينها وبين الولايات المتحدة، يقضي بـ “سورنة” لبنان، أي ضوء أخضر لاستخدام القوة في لبنان بدعوى إزالة التهديد كما تفعل (دون اتفاق) في سوريا، في السنوات الأخيرة.

وتوضح صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم، أن الاتفاق الإسرائيلي الأمريكي ينص على:

– حق إسرائيل بالتدخل العسكري، وإزالة التهديد، في حالة إمكانية إطلاق صواريخ أو تشغيل ألغام.

– حرية الحركة مقابل “حزب الله”.

– قدرة إسرائيل على منع التهريب من سوريا للبنان.

– تهديد غير فوري (لا يتطرق الاتفاق لمصطلح “التهديد الملح أو الفوري” وهذا يعني توسيع هامش مناورة وحركة الطرفين).

– عندها تتوجه للجنة الدولية ومطالبة لبنان بمعالجة الانتهاك، وبحال لم يحصل ذلك تستطيع إسرائيل التدخل بنفسها.

الجيش مع الاتفاق

وتفيد الإذاعة العبرية بأن الجيش الإسرائيلي يقول رسميًا إنه يخضع لتعليمات المستوى السياسي، لكنه يؤيد الاتفاق لعدة أسباب منها: وطأة الأعباء على الجنود، خاصة الاحتياط، بعدما طالت الحرب، والشتاء قد دخل على الخط، أهمية الحفاظ على الشرعية الدولية، الرغبة بالتسلّح، علاوة على أنه استنفد الأهداف في لبنان، ولم يعد ما يبرر مواصلة الحملة البرية.

ومن المتوقع أن يتحدث رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو مع رؤساء السلطات المحلية الإسرائيلية في الشمال لإطلاعهم على الاتفاق الوشيك وأهميته بالنسبة لإسرائيل ولمستوطناتهم وعودة النازحين لها، وبعد ذلك سيعقد مؤتمرًا صحفيًا يخاطب فيه الإسرائيليين حول التطورات والموجود والمفقود في الاتفاق.

بيد أن قادة الحكم المحلي في شمال البلاد يواصلون، منذ أمس، تصعيد انتقاداتهم ضمن حملة حادة ضد الاتفاق الوشيك، واتهام حكومة نتنياهو بالضعف وعدم إتمام المهمة، بل بالخضوع والإذعان لـ “حزب الله”، كما قال رئيس السلطة المحلية في مستوطنة المطلة الحدودية. وفي ذلك يعبّرون لحد بعيد عن عدم ثقة سكان الشمال بالتسوية المقترحة، وبقيام إسرائيل بتطبيق بنود الاتفاق لاحقًا، ويخشون من عودة الواقع الأمني لما كان عليه في ظل عدم القضاء على “حزب الله”، ولا حتى تفكيك سلاحه، علمًا أن هذا لم يرد في سلة أهداف الحرب، حيث قالت إن الحرب في الشمال تعني تمكين النازحين من عودتهم لبيوتهم.

ويبدو أن هذه مهمة صعبة؛ قسم من النازحين لا يرغب بالعودة للعيش في المناطق الحدودية، وبالتأكيد ليس الآن، خاصة أنهم وجدوا أنفسهم هم وعائلاتهم في بلدات أخرى. وما يزيد مخاوف وغضب الإسرائيليين في الجليل عدم نص الاتفاق المزعوم على وجود منطقة عازلة في جنوب لبنان، ما يعني مشاهدتهم مجددًا للبنانيين على بعد عشرات الأمتار منهم.

غلطة تاريخية

وهناك من يعارض الاتفاق الوشيك داخل الائتلاف، فقد جدّدَ وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير حملته عليه (دون تهديد بالخروج من الائتلاف)، فقال في تصريحات إعلامية إنه “غلطة تاريخية”، وتفويت فرصة تاريخية، لأنهم قادرون على إلحاق هزيمة بـ “حزب الله”، الذي ما زال يحتفظ بقدراته وتهديداته.

يشار إلى أن وزير الأمن الجديد يسرائيل كاتس سبق أن قال، قبل أسبوع، إنهم انتصروا على “حزب الله”، وتعرّضَ بعدها لتعليقات رسمية وغير رسمية متحفظة وساخرة.

في المقابل، يؤيد وزير المالية سموتريتش وقف النار، ويعلّل ذلك بالقول إن الاتفاق ليس مهمًا، وإن الأهم هو قدرة إسرائيل على ضرب كل من يتحرش بها “بالرأس” متى شاءت.

تعمل إسرائيل على نيل ما لم تنله في الاتفاق باتفاق ثنائي مع الولايات المتحدة، يقضي بـ “سورنة” لبنان، أي ضوء أخضر لاستخدام القوة في لبنان كما تفعل في سوريا

وهذا يتناسق مع ما قاله نتنياهو في الكنيست، قبل عشرة أيام: “مع الاحترام للورق، فالمهم هو الاتفاق الثنائي مع واشنطن، واحتفاظنا بحقنا في إزالة التهديد خلف الحدود”.

وتبدي أوساطٌ في المعارضة أيضًا معارضةً للاتفاق، وترى فيه ضعفًا إسرائيليًا، كما قال وزير الأمن الأسبق النائب أفيغدور ليبرمان والنائب اليساري رئيس حزب “الديمقراطيين” (“ميرتس”) يائير غولان.

استراحة محارب

وتشكّك أوساطٌ إعلامية بجدوى الاتفاق، ووصفته “يديعوت أحرونوت”، في عنوانها الرئيس، اليوم، بـ “اتفاق هش مكتوب على صفيح من الثلج”.

على خلفية هذه المعارضة والأجواء المتشككة والخائبة، إلى جانب الدعوات بمواصلة الحرب على “حزب الله” وعلى لبنان، سيضطر نتنياهو لبذل طاقات أكبر لتبييض الاتفاق وتمريره في الشارع الإسرائيلي من خلال الترويج لرواية مفادها أن الحديث لا يدور عن اتفاق بل عن وقف للنار سيمتحن يوميًا، وإنه ما معناه “استراحة محارب”، وقد بدأت أبواقه، منذ أيام، بامتداح الاتفاق، ومن المرجح أن تشدد على كونها “استراحة”، وأنهم “عائدون بسرعة”.

وهذا ينعكس بقول مصدر سياسي إسرائيلي رفيع للإذاعة العبرية، اليوم، إن الاتفاق يخدم مصالح إسرائيل، رغم أنه هش، لكنه وقفٌ للنار لا نهاية الحرب، ربما يصمد يومين، وربما سنتين، والاتفاق الثنائي مع واشنطن يمنح إسرائيل استخدام النار للقضاء على تهديدات من لبنان، وهذا الأهم.

كما فعل “حزب الله”، أمس الأول، كثّفت إسرائيل هجماتها الواسعة، أمس، في لبنان طمعًا بصورة انتصار وإطفاء للانتقادات الداخلية، ولذا من المرجح أن يكرر “حزب الله” هجماته اليوم كمّاً وكيفاً، رغبة منه في تثبيت صورة الصمود وإرسال رسائل متعددة الاتجاهات مفادها “نحن هنا وقادرون” رغم التدمير والتهجير.

وهذه المحاولات المتبادلة شهدتها نهايات حرب لبنان الثانية عام 2006، يوم بعثَ وزير الأمن عمير بيرتس جنودًا لرفع راية إسرائيلية على سقف بيت في بنت جبيل في الساعة الأخيرة، لكن “حزب الله” تصدى لهم وأفشل مهمتهم.

“القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب