تحقيقات وتقارير

ائتلاف نتنياهو يتقدّم نحو استكمال الانقلاب على النظام السياسي في إسرائيل بـ”صلية” قوانين استبدادية

ائتلاف نتنياهو يتقدّم نحو استكمال الانقلاب على النظام السياسي في إسرائيل بـ”صلية” قوانين استبدادية

الناصره / وديع عواودة

مع وقف النار في الجبهة اللبنانية، تتزايد احتمالات تجدّد المواجهات الداخلية في إسرائيل، نظراً لتصميم الائتلاف الحاكم، برئاسة نتنياهو، على استكمال الانقلاب على النظام السياسي، وسط استغلال لحالة الإرهاق في الشارع الإسرائيلي، بعد عام ونيّف من حرب مكلفة، وقبله عام من المظاهرات والاحتجاجات ضد “الإصلاحات القضائية” خلال 2023.

مع انطلاق مخطّطه، هدّد وزيرُ القضاء في حكومة الاحتلال، ياريف لافين، مايسترو “الانقلاب على النظام”، بـ “معالجة” الإعلام والمؤسّسة الأكاديمية، أي تقليم أظفارها بعد الانتهاء من إصلاح الجهاز القضائي.

وخلال الحرب الحالية، حصل تغيير، فقد تبنّى لافين شنّ حرب متزامنة على عدة جبهات ضد كل المؤسسات الكابحة للسلطة التنفيذية، والحامية للنظام الديمقراطي، واستهداف من يُعرفون بـ “حراس العتبة”، كالصحافة، والمحاكم، والمحكمة العليا، والنيابة العامة، والمستشارة القضائية للحكومة، و”الشاباك”.

تبنّى لافين شنّ حرب متزامنة على عدة جبهات ضد كل المؤسسات الكابحة للسلطة التنفيذية، والحامية للنظام الديمقراطي، واستهداف من يُعرفون بـ “حراس العتبة”

 ويبدو أن لافين وشركاءه في اليمين الصهيوني المتشدّد المعادي لأي فكرة ليبرالية قد تساءلوا في قرارة أنفسهم: لماذا لا نقوم بخنق الإعلام خلال قيامنا بالسيطرة على المحكمة العليا وإخضاع المستشارة القضائية للحكومة التي تفرمل الوزراء في حالات غير قليلة وهم في طريقهم لدوس القانون؟

قوانين بالمفرّق

وفي الشهر الأخير، تستخدم حكومة الاحتلال مشاريع قوانين خاصة لتفريغ النظام الديمقراطي من مضمونه، تشمل قوانين تستهدف الصحافة يقدّمها نواب الائتلاف بكميات كبيرة، ولكن بـ “المفرّق”، بدلاً من قيام الائتلاف بطرحها بـ “الجملة”، أي حزمة مشاريع قوانين دفعة واحدة، تحاشياً لإثارة واستعداء الشارع والمخاطرة بخروج مئات آلاف الإسرائيليين للاحتجاج، أي تطبيق انقلاب، ولكن بالخطوة خطوة، وبعد عمليات تخدير. مثل طريقة الانقلاب على النظام التي حصلت في دول أخرى في شرق أوروبا، حيث تمّت تجربتها في هنغاريا، عام 2010، وفي بولندا، عام 2015، وغايتها بناء نظام حكم ظلامي سياسياً واجتماعياً يكاد يخلو من المفاهيم الليبرالية وزعزعة النظام الديمقراطي. ومخطّط الانقلاب على النظام السياسي العام، لا القضائي فحسب، هنا يقوم على فكرة قتل الحارس قبل السطو على البيارة، سمّ “كلب الحراسة” في الطريق لضرب الجهاز القضائي، وتعزيز نظام سياسي استبدادي.

خنق الصحافة

من مشاريع القوانين الانقلابية هذه مشروع قانون لإلغاء “البث الجماهيري”، من خلال خصخصة هيئة البثّ الرسمية (القناة الإسرائيلية الرسمية التي استُبدل اسمها قبل سنوات لتلفزيون “مكان” و”صوت إسرائيل” بالعبرية والعربية التي صارت تسمى “راديو مكان”) تسهيلاً للسيطرة عليها ومصادرة روحها الصحفية النقدية الموجّهة سهامها ضد الحكومة، السلطة التنفيذية والمؤسّسة الحاكمة بشكل عام. هذا علاوةً على مشاريع قانون أخرى بُدئ بطرحها في القراءة التمهيدية وتهدف لخصخصة “إذاعة الجيش” وتقييد حرية العمل الصحفي، لا سيما أن الصحافة العبرية على المستوى الإسرائيلي الداخلي لا تكتفي بالنباح، بل تمارس العضّ، وتوجّه انتقادات قاسية بشكل واسع ومثابر للمؤسسة الحاكمة بالتحقيقات والتسريبات وفضح الفساد والعبث بمصالح الإسرائيليين، ما يزعج شركاء الائتلاف الحاكم خاصة وهم يستشعرون اليوم الأرض تهتز تحت أقدامهم. فرغم مكاسب الحرب وعمليات تسويقها يومياً، تدلل الاستطلاعات بشكل منهجي على رغبة الشارع الإسرائيلي باستبدال الحكومة، لأن كل ما فعلته لا يمحو عار “طوفان الأقصى”، كما يُستدل من دراسات وتأملات بما يجري منذ السابع من أكتوبر 2023.

قانون يسهّل شطب قوائم عربية

وفي محاولة للتشبّث بالمقاعد الوزارية النيابية الوثيرة، والبقاء في الحكم، وفي التاريخ، يسعى أركان هذا الائتلاف، الأشد عنصرية منذ 1948، إلى إبقاء الانتخابات العامة القادمة في موعدها، نهاية 2026، والاستعداد لها، وتأمين كل ما من شأنه زيادة البقاء السياسي وإزالة ما يهدّده.

على خلفية ذلك، تُطرح مشاريع قوانين لمنع فلسطينيي الداخل من المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية العامة، لأنهم يملكون ورقة تأثير قوية أثبتت تجارب الماضي أنهم قادرون على إسقاط هذا ورفع ذاك من الائتلافات الحاكمة.

في هذا المضمار، صادقَ الكنيست بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون يقيّد الحق بالترشح، ومن خلاله تتم زيادة الأسباب التي تبرّر شطب مرشح، أو قائمة، وتقليص صلاحية المحكمة العليا بالتدخل في هذا الشأن، مقابل زيادة صلاحيات لجنة الانتخابات المركزية.

 يُشار إلى أن القانون الحالي (قانون أساس الانتخابات العامة) يصعّب عملية شطب قائمة أو مرشح في انتخابات الكنيست من خلال التأكيد على أن الشطب يصبح ممكناً بعد برهنة وجود كمية كبيرة من الدعوات في الفترة الحالية (ليس من الماضي) المؤيّدة لاستخدام الكفاح المسلح ضد الدولة.

أما مشروع القانون المطروح الآن (تعديل قانون أساس خاص بالانتخابات) فيقلص أسباب الشطب، فيكفي أن يصدر تصريح من قبل قائمة انتخابية، أو من مرشح يؤيد مقاومة الاحتلال، حتى يتم المنع من الترشّح.

ويهدف هذا المشروع بوضوح لضرب التمثيل العربي في الكنيست، وضرب الدافعية للتصويت لدى العرب الفلسطينيين في إسرائيل (19% من مجمل السكان، و15% من أصحاب حق الاقتراع) من خلال استعدائهم ودفعهم للنكوص والاشمئزاز وعدم تفعيل وزنهم السياسي، وإخراج أنفسهم من دائرة التأثير على هوية الائتلاف الحاكم.

يُذكر أن هناك أوساطاً لدى فلسطينيي الداخل، مثل الحركة الإسلامية المحظورة، برئاسة الشيخ رائد صلاح، أو حركة “أبناء البلد” (امتداد فكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين)، ترفض المشاركة في انتخابات الكنيست لاعتبارات مبدئية ترى بذلك انخراطاً وانغماساً بالإسرائيليين، وتشكّك بجدوى تأثير النواب العرب على الصراع، وعلى واقع حياة فلسطينيي الداخل، وعلى حقوقهم الوطنية والمدنية.

في المقابل؛ هناك أحزاب عربية ترى برؤية معاكسة، وتشارك في الكنيست، منها الحركة الإسلامية الشق الجنوبي (القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس) وهي ترى أن المشاركة في اللعبة البرلمانية في إسرائيل تمنح الحركة سياجاً يحميها من الشطب والترانسفير السياسي، وأن فلسطينيي الداخل عليهم المشاركة في السياسة تحت السقف الإسرائيلي، كونهم يقيمون داخل “بطن الحوت”، كما كان يقول مؤسّسُها الشيخ الراحل عبد الله نمر درويش من كفر قاسم.

بصرف النظر عن النقاش، تدلل تجارب الانتخابات العامة في إسرائيل أن الناخبين العرب لعبوا دور “بيضة القبان”، وساهموا في حسم السؤال من يشكّل الحكومة، وكفة من ترجح من بين المعسكرين الصهيونيين المتصارعين على السلطة.

الانقلاب الكبير

بعد السقوط التاريخي لحزب “العمل”، الذي أسّس إسرائيل وقادها منذ 1948 حتى 1977، شهدت جولات انتخابية متتالية (من 1984 إلى 1996) حالة تعادل مكّنت الصوت العربي من حيازة قوة تأثير، وهذا درس استخلصه نتنياهو، الذي حاول منع العرب من المشاركة في التصويت، تارة بالاستعداء، وتارة بالاحتواء، حفاظاً على حظوظ المعسكر اليميني.

في انتخابات 1984 تعادل “الليكود” و”العمل”، وتكررت التجربة في 1988 بأكثر حدة، حيث فاز “الليكود” بـ 48 مقعداً مقابل 47 مقعداً لـ “العمل”.

وأوصت الأحزاب العربية (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والحركة التقدمية، والحزب الديمقراطي العربي) أمام رئيس إسرائيل حاييم هرتسوغ (والد رئيس إسرائيل الحالي يتسحاق هرتسوغ) على رئيس “العمل” شيمون بيريز بتشكيل حكومة، ولاحقاً، وبدعم النواب العرب له، تقاسم بيريز السلطة مع يتسحاق شامير، رئيس الليكود، ضمن حكومة وحدة وطنية.

لم يكن بمقدور “العمل” تشكيل حكومة عقب انتخابات 1992 لولا “سدّة الأمان” التي وفّرها نواب الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، برئاسة توفيق زياد، والحزب الديمقراطي العربي، برئاسة عبد الوهاب دراوشة، مثلما لم يكن لولا دعمهم مصادقة الكنيست على اتفاق أوسلو (بغض النظر عن قيمة هذا الاتفاق، بما له، وهو قليل، وبما عليه، وهو كثير).

نتنياهو تعلّم الدرس

في انتخابات 1996، فاز نتنياهو برئاسة الوزراء للمرة الأولى، بعدما نجح بالتغلب على منافسه ضمن منافسة شخصية بفارق ضئيل: 28500 صوت فقط، ولولا الناخبون العرب لكانت خسارة بيريز هزيمة، وربما خسر نتنياهو لو شارك العرب بنسبة قليلة إضافية.

وفي 1999، لعب الناخبون العرب دوراً في طرد نتنياهو من رئاسة الوزراء وإنجاح إيهود براك، الذي حاز على 90% من أصواتهم. وفي الجولات الانتخابية الأربع، بين 2018 و2022، حال الناخبون العرب من تشكيل نتنياهو حكومة حتى تفكّكت القائمة “المشتركة” نتيجة خلافات الأحزاب العربية، وانخفضت بالتالي نسبة تصويت العرب، وسقط حزب “التجمع الوطني الديمقراطي” بفارق عددٍ قليل جداً من الأصوات.

نتنياهو، منذ سنوات طويلة، تعلّم الدرس، وحاول، في انتخابات 2015، تهييج اليهود على العرب بقوله كذباً إن العرب يتدفقون بجماهيرهم لصناديق الاقتراع.

وتوظّف بعض مشاريع القوانين الجديدة الآن لمنع العرب من المشاركة في الانتخابات طمعاً بالبقاء في الحكم، وتمرير “الانقلاب على النظام” في طريق إسرائيل لتكون دولة قومجية دينية متطرفة جداً.

 واستمرار هذا السجال الداخلي في إسرائيل، رغم الحرب الدامية المكلفة لها أيضاً، يدلل على عمق الاختلافات والخلافات (الاجتماعية والسياسية والفكرية) بين مكوّناتها، حتى أن الحرب لم تقدر على إطفائها.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب