استعجال تركي لقطف الثمار | أنقرة لواشنطن: الكلمة العليا لنا
استعجال تركي لقطف الثمار | أنقرة لواشنطن: الكلمة العليا لنا
تسارعت الخطوات التركية تجاه الحكم الجديد في سوريا؛ إذ بعد ساعات قليلة على إعلان وزير الخارجية، حاقان فيدان، أن فتح سفارة بلاده في دمشق، «رهن الظروف»، تمّ تعيين برهان كور أوغلو، سفير تركيا لدى موريتانيا، قائماً بأعمال شؤون السفارة لدى سوريا، والتي كانت قد علّقت عملها في الـ26 من آذار 2012؛ علماً أن «القائم بالأعمال» ليس بحاجة إلى تقديم أوراق اعتماد للسلطات، ما يؤجّل تالياً الاعتراف الرسمي التركي بحُكم «هيئة تحرير الشام»، لبعض الوقت.
وفي هذا الوقت، وصل رئيس الاستخبارات التركي، إبراهيم قالين، إلى دمشق، حيث قيل إنه التقى زعيم «الهيئة»، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني). وبدت الزيارة بمنزلة إعلان مستعجل لانتصار أنقرة، وتظهير دورها في هجوم المعارضة المسلّحة، وصولاً إلى دمشق. وتشبه زيارة قالين السورية، إلى حدّ كبير، الزيارات التي قام بها الرئيس التركي السابق، عبد الله غول، بعد سقوط حسني مبارك في مصر، حين دعمت أنقرة وصول محمد مرسي إلى سدّة الرئاسة. كذلك، تبدو تركيا مستعجلة لقطف ثمار الحدث السوري، وتوجيه رسالة إلى كل القوى والدول المعنية به، مفادها بأن «سوريا باتت لنا، وعلى الجميع التعامل معنا على هذا الأساس». وتأكيداً على ما تقدّم، كان قالين يجري «بروفة» لِما سيفعله الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، لدى زيارته المرتقبة إلى دمشق، حيث أدى الصلاة في «الجامع الأموي».
أمّا الحدث الثالث، فكان وصولَ وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، مساء أول من أمس، إلى أنقرة، ولقاءه الرئيس التركي، الذي أثار مع ضيفه «أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وإحياء مؤسسات الدولة، وإعادة الإعمار»، داعياً المجتمع الدولي إلى العمل على ذلك. كما شدّد، وفقاً لوسائل الإعلام، على أهمية العلاقات التركية – الأميركية، ومواصلة تطويرها في عهد إدارة دونالد ترامب القادمة. وممّا قاله إردوغان لبلينكن، إن بلاده تولي أهميّة لمنع تهديد «حزب العمال الكردستاني» و«داعش»، الأمن القومي التركي، علماً أن الوزير الأميركي كان قد اعتبر، قبيل وصوله إلى أنقرة، أن «الكردستاني يشكل تهديداً لأنقرة، ولكن يجب الامتناع عن حصول صراعات جديدة». وصباح أمس، التقى فيدان، نظيره الأميركي، وتباحثا في «الدور التركي والأميركي في مستقبل سوريا». وقال فيدان إن «أولويّتنا هي ضمان الاستقرار في سوريا، كما عدم وجود تنظيمات إرهابية مثل حزب العمال الكردستاني وداعش. وتبادلنا ما يمكن القيام به معاً». وبدوره، شكر بلينكن نظيره على استقباله له، قائلاً «إننا ركّزنا على الفرصة المتاحة أمامنا وأمام الشعب السوري وتحرّره من القيود التي فرضها الأسد».
ورأت صحيفة «حرييات»، في هذا الجانب، أن بلينكن لم يأتِ إلى تركيا، إلّا بسبب خشية واشنطن على «الكردستاني» من انتصار أنقرة، وتهديداتها، فضلاً عن غلبة موازين القوى لمصلحتها في موازاة تراجع نفوذ الأكراد في شرق الفرات. وأضافت: «لكن ما يعِد به بلينكن لن يكون مهمّاً، لأنه سيغادر منصبه بعد 38 يوماً». كذلك، حازت زيارة الوزير الأميركي حصةً من دعم المعارضة، إذ اعتبر وزير الدولة السابق وعضو «حزب الشعب الجمهوري»، محمد سيفيغين، أن الزيارة «تُعتبر نجاحاً للديبلوماسية التركية»، لافتاً إلى أن «إردوغان أجرى لقاء بروتوكوليّاً مع بلينكن، لكن الأساس كان في اللقاء الذي جمع الأخير إلى فيدان». كما رأى في زيارة قالين إلى دمشق، «أهمية كبيرة ورسالة إلى الولايات المتحدة»، كونها أتت، وفقاً لـ«حرييات»، قبل 24 ساعة من زيارة بلينكن إلى أنقرة.
«تركيا اختارت ركوب المخاطر بإسقاط النظام في سوريا، والتعاون مع الغرب في هذا المجال»
ومن جهته، كشف رئيس الوزراء السابق، أحمد داود أوغلو، الذي كان له دور كبير في تنظيم المعارضة ضدّ الأسد في السنوات الأولى من الحرب، قبل أن يختلف مع الرئيس التركي ويخرج من السلطة عام 2016، أنه بعث برسالة إلى كلٍّ من إردوغان ودولت باهتشلي بخصوص سوريا، وقد ردّا عليه. كذلك، بعث برسالة إلى رئيس الحكومة السورية الانتقالية، محمد البشير، بخصوص المرحلة الجديدة وما يجب فعله، محدِّداً تسع وصايا. وممّا قاله داود أوغلو في رسائله، إن «نظام الأسد كان ضعيفاً من الداخل، وينتظر ضربةً صغيرة ليسقط». وشدد على أن «ما يجري في سوريا، يجب ألّا ينسينا الإبادة في غزة، ولا العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا، وسعي إسرائيل إلى إقامة منطقة عازلة جديدة بعمق خمسة كيلومترات»، داعياً تركيا إلى أن «تردّ على كل خطوة تتّخذها إسرائيل في الأراضي السورية». وذكر داود أوغلو أن إردوغان ردّ على رسالته، وشرح له ما تقوم به الحكومة على خط العراق وسوريا، لافتاً إلى أن «الحروب تخلق دماراً كبيراً، ولكنها تحمل معها فرصاً كثيرة؛ ومن ذلك أنه إذا توقّفت الحرب في سوريا وأوكرانيا وغزة، فإن استثمارات إعادة بناء البنى التحتية في كل هذه الأماكن تفوق الـ500 مليار دولار، وعلى تركيا أن تكون مستعدّة لذلك».
وحفلت الصحافة التركية بعدد كبير من التحليلات التي تتابع الوضع السوري؛ إذ كتب عبد القادر سيلفي، المقرّب من إردوغان، تعليقاً لافتاً في التحفظ على تفرُّد الجولاني بإدارة سوريا. وقال إن «إسقاط الأسد قد ظهر كما لو أنه بقوّة مسلّحي هيئة تحرير الشام فقط، وزعيمها أبو محمد الجولاني، لكن الحقيقة هي أن لتركيا الدور الأكبر، والجيش الوطني السوري الذي تدعمه أنقرة كان له دور أساسي. وبالتالي، فإن سوريا لا يمكن أن تُترك لهيئة تحرير الشام ولا لسلطة الجولاني». وأضاف: «الحكومة التي شكّلها محمد البشير هي حكومة إدلب، ولمدّة ثلاثة أشهر؛ لذا، يجب أن تكون هذه السلطة انتقالية لتتشكّل بعدها حكومة جامعة لكل الأطياف»، مذكّراً بأنه «ظهر بوضوح أنه لا توازن ولا استقرار في سوريا من دون تركيا، ولا يمكن بناء المؤسسات من دونها».
ولاحظ باريش أفشار، بدوره، في «غازيتيه دوار»، أن «انتقال السلطة، قياساً إلى ما جرى مع صدام حسين ومعمر القذافي، كان سلميّاً إلى حدّ كبير». لكن، مع ذلك، «توجد أسئلة كثيرة لا تجد بعد جواباً شافياً عليها، وهو ما الذي ستفعله الولايات المتحدة وأوروبا؟ وما سيكون عليه موقفا إيران وروسيا، وإلى أيّ مدى سيصل الغزو الإسرائيلي لسوريا؟ وما الذي سيكون عليه موقف تركيا تجاه الأكراد في شرق الفرات؟». وأجاب أفشار: «إعدام صدام لم يجلب السلام للعراق، لنقول إن رحيل الأسد سيكون مغايراً»، منتقداً المبالغة في الحديث عن تدفُّق اللاجئين للعودة، «فهؤلاء لم يبدأوا في العودة المكثّفة، في انتظار اتّضاح مَن سيحكم في دمشق».
وفي «جمهورييات»، كتب سرتاتش إش عن دروس التطورات في سوريا، فقال إن «إيران، بلا شكّ، من الدول الأكثر خسارة في سوريا، بعدما استثمرت المليارات هناك على مدى 40 عاماً. أمّا روسيا، فكانت عقلانية عندما وجدت أن الرهان على الأسد بات خاسراً، فانسحبت من المعادلة. وبالنسبة إلى السوريين، فقد دمّروا بخلافاتهم بلدهم، واستدعوا الخارج إلى ملعبهم. ثم جاءت إسرائيل لتضرب البنية التحتية العسكرية». كذلك، رأى أن «تركيا دفعت ثمناً باهظاً لسياستها الخطأ في سوريا، ولا تزال تفعل الشيء نفسه. عليها أن تتعلّم من المشكلات التي عاشتها مع سوريا في القرن العشرين. الجميع يقرأ ويرى. الدولة لا تُبنى بالمغامرات والأحلام. وإلا فإن الشرق مستعدّ لابتلاع آخرين».
ووفقاً للخبير الإستراتيجي المعروف، نجات إيسلين، فإن «سوريا اليوم في وضع المقسّمة، ولا أحد يمكنه أن يتوقّع كيف ستكون عليه خريطتها المستقبلية. ولكن تركيا ستتأثّر بما سيكون عليه الحال». وتابع: «لم تعد على حدود تركيا الجنوبية دولة جارة مستقرّة. هناك منظمتان إرهابيتان. والربيع العربي خلق فرصاً كبيرة للجيوبوليتيك الكردي المدعوم من إسرائيل، فيما تركيا تبحث عن كيفية مواجهة هذا التهديد. وقوات حماية الشعب الكردية في سوريا تبحث عن حماية كيانها عبر العمل على التوحّد مع شمال العراق الكردي». واعتبر أيضاً أن «تركيا اختارت ركوب المخاطر بإسقاط النظام في سوريا، والتعاون مع الغرب في هذا المجال». وفي الإطار نفسه، كتب قادر أوستون، في «يني شفق» الموالية، أن «هناك الكثير من المخاطر التي يختزنها الوضع السوري الجديد. وجود حزب العمال الكردستاني وداعش وإسرائيل في اللعبة السورية، لن يجعل من السهل إرساء استقرار إقليمي. كذلك، فإن سياسات إيران وروسيا، رغم هزيمتهما، تجعل الصورة أكثر تعقيداً».
الاخبار اللبنانيه