مقالات

التفسير الأنثروبولوجي الثقافي لثقافة الانتقام في المجتمع العربي بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق-سوريا-

بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق-سوريا-

التفسير الأنثروبولوجي الثقافي لثقافة الانتقام في المجتمع العربي
بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق-سوريا-
أن تتحدّث وتكتب عن ثقافة الانتقام،يلزمك القول فيها،أن تبحث في أصلها ومصدرها اللغوي،فالبحث هذا يدلك على المنهج الذي تتّبعه وتأخذ به،حتى تضع لها المعاني التي تعكس جُبلَة ثقافة الانتقام،والمنهج الذي ناخذ به تحليلاً وتفسيراً،ومن ثم وضع المعنى الصحيح لهذه الظاهرة،بحيث يكشف ويبين نسقها البنائي الذي تحسب عليه.
المعجم الوجيز،يأتي لنا بالمصدر اللغوي للانتقام:(نقم ) منه-نقماً:عاقبه و-الشيء:أنكره وعابه،وفي القرآن الكريم(وما نَقَموا
منهُم إلاّ أن يؤمنوا بالله)(انتقم) منه:عاقبه…(النّقمةُ):العقوبة
.(ج) نِقَمٌ.-ص623-مجمع اللغة العربية-القاهرة -1992.
وثقافة الانتقام وإجراءاتها في حياتنا العربية اليومية،هي فعل على رد فعل،أي أن يقوم الإنسان بالاعتداء على إنسان آخر سبق واعتدى عليه.وظاهرة الانتقام موجودة في كل المجتمعات،لكن محدداتها الثقافية تختلف من مجتمع لآخر،وحتى داخل المجتمع الوآحد تختلف من مرحلة اقتصادية اجتماعية ثقافية لأخرى،وذلك بتغير المحددات والضوابط،الثقافيةوالاجتماعية.والسؤال الذي يطرح نفسه ما المتغير الرئيس الذي يغير البنية الثقافية للانتقام.إنّ هذا المتغير يختلف باختلاف المجتمعات،وباختلاف المرحلة التاريخية،والحالة الحضارية،التي تستند إلى إسلوب الإنتاج،ولن ندخل في المماحكات التي سادت بين اتجاهات المدارس الأنثروبولوجية الثقافية،وخاصة رواد التفسير الأنثروبولوجي الثقافي.ويتوجه نظرنا إلى البناء الاجتماعي العربي،في مستوياته الجهوية والوطنية والقومية،وتميل عيننا نحو ابن خلدون،وهو يحاكينا ويشير لنا الى المجتمع البدوي،والبداوة ثقافة،وحيز ثقافة الانتقام،في النسق الثقافي البدوي.ونأخذ منه ثقافة القربى الدموية،ومالها من محرك ومنشط ثقافي اسمه عصبية القربى الدموية،واختلاف مستوياتها باختلاف،مستويات القربى،التي تحددها في نهاية الأمر،الاقتراب والابتعاد عن الجد المؤسس لهذه القربى،وما تقرره وتفرزه من عصبيات.علما إن القربى عند ابن خلدون،ليست الدموية فقط، وإنّما هناك قربى المحبة والجهة والمهنة والجمعية والنادي ….إلخ،ولكل قربى عصبيتها،وثأرها وانتقامها.
في المجتمع العربي،لاتزال كثرة من مظاهر وظواهر ثقافة المجتمع البدوي القرابي،وأن كانت هذه الظواهر،هي الأخرى مختلفة باختلاف البنى الاجتماعية،على المستوى الجهوي والوطني والقومي.
وثقافة الانتقام شديدة الصلة والقربى البنائية،إذا جاز هذا التعبير،بمستويات ثقافة الثأر،بل إنّ الثأر يشكل أحد أهم مولدات ثقافة الانتقام،وظاهرة الثأر ظاهرة بنائية ثقافية،تنتمي إلى النسق الثقافي،في ثقافتنا العربية الراهنة.
وعن سؤال،يطرح نفسه طلباً للاختصار،إذا كانت حالة ثقافة الثّأر،في حالتها العربية،على هذه الحالة،فما هو المشترك بينهما؟
إنه العرف الاجتماعي للقرابة الدموية وعصبياتها،وما تفرضه من واجبات وسنن مجتمعية،والعرف في مواضع كثيرة من مجتمعنا العربي،يغلب القانون،ويعطيه استراحة محارب قرابي كما أنّ هذا العرف يخلق أعرافا لها عاداتها وتقاليدها،ولها قيمها،التي تشمل الآمر الناهي للإنسان العربي.الذي لايثأر ولاينتقم،ينظر له المجتمع نظرة فيها اللوم،وفيها الملامة المرفقة بالمؤاخذة التي تقلل،من القيمة الاجتماعية لمن لا لايثأر وينتقم.وبهذه الحالة العربية،التي يجعل العرف المجتمعي،يغيب القانون،يزيد من العناصر الثقافية،التي تدعم عملية الانتقام،ثقافة الدعم والمساندة للانتقام، وثقافة المناصرة لمن يقوم بالانتقام،المناصرة بالمال والنفس والجاه ،وروح المغالبة الثقافية القبلية.
القول في ثقافة الانتقام،في الحالة العربية الراهنة،وإن اكتفيت بما أوردته، عن التفسير الأنثروبولوجي لها،وسوّغت لنفسها بذلك،لانّها في حقيقة الأمر،وقد كثرت ،عمليات الانتقام في حياتنا العربية،ورأت فيها أصابع غريبة،من القطر العراقي،في أعقاب الاحتلال الصهيوني للعراق،تحت مسميات الحلف الأطلسي،مروراً باليمن،ومن ثم لبنان،وصولا إلى سوريا غداة الفتح العربي ،الذي تم في الأسبوع الأول من كانون الأول،هذا الانتقام الذي تعددت مشاهده وصوره،وتنوعت مقاصده يجعلنا نطرح على قوى التغيير وبعد،إن مشاهد ثقافة الانتقام التي نراها،وتطرح نفسها علينا،من موقع مسؤوليتنا عن أمن وطننا سوريا،وسلامة حياتها الاجتماعية،إن في هذه الظاهرة أصابع أجنبية غريبة تريد تقسيم سوريا،وتريد أن تشكل خلفية ثقافية لممانعة مطلب المواطنة والتنوع والتعدد الثقافي،في إطار ثقافة مجتمعية، جامعة،فيها مداخل لعقد اجتماعي،يشكل مأمناً وأمنا للمواطن العربي السوري.فهل لقوى التغيير نظرة مستقبلية للكيفية التي يتم فيها بناء الحياة السورية بناء يستوعب كل مكونات هذا الشعب،في دولة ديمقراطية،تزود وتلون الحياة السياسية،بكل مستحقاتها،وفعاليتها الاقتصادية والثقافية والفكرية،بحيث تعكس بواقعية هذه المكونات،وهل لقوى التغيير أن تأخذ بالدروس المستفادة التي قالتها التجارب العربية المعاصرة.وأن في مصر غداة الانتفاضة الشعبية،التي كادت أن تصل إلى مستوى الثورة،لاتتعجلوا في أخونة السلطة،فالقوى المعادية بانتظار هذا الخطأ،حتى تفلت عليكم أحد الجنرالات.لقد جاء عهدنا ووقتنا وحكمنا،ولنترك جانبا  الدروس المستفادة التي تقول بها.
سؤال المداخلة،أليس في هذا القول روح المغالبة،وعصبيةً الثأر ،وثقافة الانتقام.
د-عزالدين حسن الدياب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب