تحقيقات وتقارير

مدير شؤون الأونروا في الضفة الغربية رولاند فريدريك: خطورة القانونين الإسرائيليين بحق «الأونروا» تتجاوز قضية اللاجئين الفلسطينيين

مدير شؤون الأونروا في الضفة الغربية رولاند فريدريك: خطورة القانونين الإسرائيليين بحق «الأونروا» تتجاوز قضية اللاجئين الفلسطينيين

حاوره: سعيد أبو معلا

في أواخر شهر تشرين الأول/أكتوبر، صوت الكنيست الإسرائيلي بأغلبية ساحقة لصالح تشريع يحظر أنشطة الأونروا على الأراضي الإسرائيلية. ومن المقرر أن يدخل الحظر حيز التنفيذ مع نهاية الشهر الجاري، أي بعد مرور 90 يومًا على إقرار القانون الإسرائيلي الجديد الذي كان ترجمة كاملة لنوايا معلنة بحق الوكالة الأممية التي ارتبطت بقضية اللاجئين الفلسطينيين وحفظ حقهم بالعودة.
يقترب الموعد النهائي المضروب حسب الترتيبات الإسرائيلية من دون أي يكون للوكالة الأممية أي وعي أو إدراك بماذا سيكون بعد اليوم التالي على نفاذ التشريعين الإسرائيليين، فإن تم تطبيق هذين القانونين، تصبح أنشطة «الأونروا» في أراضي دولة إسرائيل غير قانونية بموجب القانون الإسرائيلي، وأي مسؤول أو مؤسسة إسرائيلية تتعامل مع «الأونروا» ستعتبر مخالفة للقانون.
تحاور «القدس العربي» رولاند فريدريك، مدير شؤون الأونروا في الضفة الغربية حول دلالات القانونين، والسيناريوهات المتوقعة، وماذا سيحل بخدمات الوكالة التي توصف بإنها «منقذة للحياة»، وفيما يلي نص الحوار:
○ لقد شاركت «القدس العربي» في جولة نظمها طاقم الإعلام في الوكالة للتعرف على واقع ومخاطر استهداف الأونروا وخدماتها بالتطبيق على معهد قلنديا التقنية، وهناك رأينا وجوه شباب مراهق يبحث عن الأمل، صدقني أن صورهم تطاردنا حتى اللحظة في ظل اقتراب موعد قطع العلاقة الإسرائيلية معكم.. ما هي الصورة أو الصور التي تطاردك كمدير للوكالة في فلسطين؟
• نوايا استهداف الأونروا ومنع عملياتها في القدس الشرقية والضفة الغربية واستبدال خدماتها في قطاعات الصحة والتعليم…ألخ، ليست بالجديدة، الجديد أننا نرى لأول مرة ترجمة هذه النوايا إلى نص قانوني، وبالطبع، هذا التوجه له أبعاد سياسية وقانونية وخدماتية، إلى جانب البعد الرمزي وهذا يتعلق بالقانون الإسرائيلي الأول، أما القانون الإسرائيلي الثاني الذي أقر من الكنيست فهو لا يمنع بشكل مباشر عمل وكالة الغوث في قطاع غزة والضفة الغربية ولكنه ينص على قيود وعراقيل معينة، والتي إذا ما تم تطبيقها بالفعل فستؤثر بشكل مباشر على قدرتنا على تقديم الخدمات أو حتى قد يصل الأمر إلى منعنا من العمل وعلى رأسها سياسة التواصل مع السلطات الإسرائيلية.
وحسب فهمنا للقانونين فإنه ربما نمنع من التواصل من أجل تقديم المساعدات لغزة، بالإضافة إلى أنهما يمنعانا من التنسيق مع الإدارة المدنية في الضفة الغربية. أما الوضع في قطاع غزة فهو مختلف من ناحية نوعية عملنا حتى الآن، حيث أن العملية هناك إغاثية بحتة، وصحيح أننا قد بدأنا برنامجاً تعليمياً ولكن لا توجد أي خدمات عادية في قطاع غزة نظراً للحرب، بينما في الضفة الغربية فإن 90 في المئة من عملنا إلى الآن هو عمل طبيعي، سواء في التعليم أو الصحة أو الخدمة الاجتماعية، تقريبا 10 في المئة فقط من عملنا في الضفة الغربية يعتبر عملاً إغاثياً بمفهومه الضيق، وهذا يخص الوضع في مدينة جنين وطولكرم.
النقطة المهمة جداً بالنسبة لنا هي أنه حتى الآن لا يوجد هناك وضوح في كيفية تطبيق السلطات الإسرائيلية للقانونين على أرض الواقع، سواء في القدس أو الضفة الغربية أو في قطاع غزة، وليست لدينا أي مراسلات أو مؤشرات رسمية من السلطات الإسرائيلية، وأعتقد أن من المتوقع أن يكون هناك على الأقل في المدى القصير فرق بين آليات التطبيق في الضفة وغزة والقدس، كل ذلك بناءً على مؤشرات وليس على معلومات حقيقية.
الوكالة ما زالت أكبر جهة دولية تقدم الخدمات للشعب الفلسطيني ككل سواء للاجئين أو غير اللاجئين، ولدينا إلى الآن أكثر من خمسة آلاف موظف وموظفة ما زالوا يعملون في قطاع غزة وألف منهم في قطاع الصحة حيث أننا نقوم بأكثر من 16 ألف استشارة باليوم، ولدينا 400 ألف فلسطيني في الملاجئ تحت إدارة وكالة الغوث، كما نوفر دعماً غذائياً لمليون شخص في غزة، كما نقوم بتوزيع 40 في المئة من المساعدات التي تخص المليون الثاني الذي يأتي عن طريق برنامج الغذاء العالمي في القطاع، وذلك عن طريق نقاط التوزيع التابعة لوكالة الغوث حيث توجد أكثر من 200 نقطة توزيع في القطاع، هذا يعني أن حجم العملية ومقدارها أكبر بكثير من مجهودات كل المؤسسات التابعة للأمم المتحدة.
○ هل لديكم علم كيف يمكن أن تطبق التشريعات الإسرائيلية على عملكم اليومي؟
• رغم أهمية الوكالة بصفتها أهم جهة دولية تقدم الخدمات إلا أننا لا نعرف حتى الآن كيف سيتم تطبيق القانونين وكذلك ليست لدينا أي معلومات عن ما يحدث في قطر وإمكانية وقف إطلاق النار وهل سيعطينا ذلك المجال، أما في الضفة الغربية أعتقد أن الوضع ربما يختلف قليلاً بسبب عدم وجود أي بديل للوكالة يستطيع أن يحل محلها، والسلطة الفلسطينية ليست لديها القدرات والإمكانيات المالية لأخذ دور الوكالة، وبالنسبة للمؤسسات الأخرى التابعة للأمم المتحدة فإن اختصاصها يختلف عن وكالة الغوث، حيث أننا الجهة الأممية الوحيدة عالمياً التي تقدم خدمات مباشرة للمستفيدين والذين هم اللاجئون الفلسطينيون، حيث نقدم هذه الخدمات لما يقارب 6 مليون لاجئ فلسطيني بين الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة والأردن وسوريا ولبنان. على سبيل المثال، اليونيسف في الأمم المتحدة ليست مختصة في إدارة المدارس، ومؤسسة الصحة العالمية لا تدير المستشفيات، هذا من الناحية العملية، أما من الناحية السياسية فنحن نعمل بناءً على ولاية جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والتي تجدد كل 3 سنوات إلى حين الوصول إلى حل سياسي أو التقدم الكافي في عملية السلام التي تسمح بوضع حل عادل للاجئين الفلسطينيين، وإلى حين وجود هذا الحل السياسي أو الدولة الفلسطينية أو حتى إدارة فلسطينية في مناطق معينة، فنحن مستعدون لتسليم مسؤولياتنا لهذه السلطة، ولكن هذا الحل السياسي حتى اللحظة غير موجود، وهو سبب استمرارية عمل الوكالة واستمرارية ولايتنا القانونية.
الأمر المقلق هو أنه عن طريق هذه التشريعات يتبين أنه هناك محاولة فرض حل سياسي أو على الأقل واقع سياسي جديد من طرف واحد، لأن عملنا في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة له علاقة بملفين من ملفات عملية السلام في الدرجة الأولى اللاجئين وفي الدرجة الثانية قضية القدس، ولهذا السبب أعتقد أن العمل ضد وكالة الغوث الهدف منه، وهذا ليس سراً، حيث أن هناك تصريحات من أطراف إسرائيلية بأن الأونروا تمثل وجود قضية اللاجئين، وعن طريق التخلص من وكالة الغوث سيتم فرض واقع سياسي جديد، وهذا ضد الحقوق المحفوظة في القانون الدولي وضد نية العالم والتي تأتي بناءً على قرار من جميع العالم، ومن هذه الناحية فإن المجهودات الإسرائيلية غير مسبوقة، وكذلك من الناحية السياسية.
الأخطر بالنسبة لنا أن القرار الإسرائيلي خطير من ناحية منظور عمل الأمم المتحدة، حيث يعتبر فريدا من نوعه، فلم يتم اتخاذ أي قرارات أو إصدار أي تشريعات من هذا النوع ضد أي مؤسسة تابعة للأمم المتحدة منذ بداية عملها في الأربعينيات حتى اللحظة. الفعل الإسرائيلي سيعطي مؤشرات لدول أخرى في المستقبل لتفعل ما فعلته إسرائيل، وهذا خطير جداً ويكتسب بعدا عالميا، حيث أن هذا البعد أوسع بكثير من قضية اللاجئين أو من قضية صراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهو مؤشر خطير على مستقبل عمل الأمم المتحدة بشكل عام.
○ المفروض أن يعزز ذلك عملية الدفاع عن الوكالة، لكن في مقابل ذلك هناك انتقادات وجهت لكم ومفادها أن الأمم المتحدة لم تقم بأي تخطيط طارئ للرد على الإجراءات الإسرائيلية، كيف تردون على ذلك؟
• أولاً، موقف الأمم المتحدة واضح جداً، نحن ملتزمون بتقديم خدماتنا حسب الولاية من الجمعية العامة حتى آخر لحظة، هذا التوضيح مصدره الأمين العام، وهذا الموقف المشترك بين كل رؤساء مؤسسات الأمم المتحدة سواء التنموية أو الإغاثية أو السياسية وذلك بناءً على موقف قانوني دولي. وكالة الغوث عبارة عن نية وإدارة من المجتمع الدولي لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين، وثانياً لدينا ولاية حسب القانون الدولي، وبالطبع هذا الموقف واضح جداً، ولهذا السبب هناك موقف منذ بداية عملية التشريع الإسرائيلية أنه لا يوجد تعهد لأي مؤسسة أخرى في الأم المتحدة بدلا عن وكالة الغوث، وعندما نتحدث عن الوضع في قطاع غزة فنحن لدينا الدور الرئيسي في العملية الإغاثية بسبب وجودنا من قبل وبسبب حجم عملياتنا كذلك، وبالتأكيد هناك توزيع للوقود وليست الأونروا المؤسسة الوحيدة في العالم التي تفعل ذلك وهذا الأمر ليس من اختصاصنا في الأساس، ولكننا أخذنا هذا الدور نظراً للظروف العامة، ومن المتوقع بعد انتهاء الحرب في قطاع غزة أن نعيد التركيز على الاختصاص الخاص بنا وهو التربية والتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، فنحن نتحدث عن 600 ألف طفل في قطاع غزة فقدوا أكثر من سنة من الدراسة ولا توجد أي مؤسسة في القطاع من الممكن لها أن تقوم بتعليم هؤلاء الأطفال، ولا توجد أي مؤسسة لديها هذا القطاع الخدماتي الواسع من الخدمات الطبية في قطاع غزة حتى الآن، ولن يكون هناك حتى بعد انتهاء الحرب، بالتالي سنعود لنركز على الاختصاص المباشر لنا.
أما في الضفة الغربية فالوضع مختلف، حيث أن الخدمات العادية ما زالت قائمة وأعتقد أنه من الواضح كما ذكرت سابقاً أن الحكومة الفلسطينية ليست لديها الآن القدرة ولا النية لأخذ دور وكالة الغوث، وهناك أيضاً بعد سياسي من قضية اللاجئين، الأمر بالنسبة إلى الفلسطينيين أنهم معنيون في الحفاظ على المنظومة القانونية والسياسية الموجودة، فالأونروا لها دور خاص عليها القيام به حتى يتم الوصول إلى حل سياسي، والسلطة ليس لديها هذه القدرة لأخذ دور الوكالة، وهذا حسب القانون الدولي موقف منطقي من قبلها.
○ لكن يبدو لي أن الخدمات في الضفة الغربية مهددة أكثر من غزة في ظل القوانين الإسرائيلية في ظل وجود الضفة كاملة تحت السيطرة الإسرائيلية؟
• ليس بالضرورة ذلك، لأنه حتى الآن ليس هناك أي تصور كيف سيتم تطبيق القوانين، ولكن من حيث المبدأ فإن موقفنا هو أن نستمر في تقديم هذه الخدمات في الضفة الغربية، وأعتقد بالنسبة للوضع في القدس فهو يعتمد على درجة تطبيق هذه القوانين وعلى الموقع الجغرافي كذلك، وبغض النظر كيف سيكون الوضع السياسي في القدس، فهناك مقرات ومدارس ومراكز صحية ومقر رئيسي للأمم المتحدة ستبقى تعمل مع وكالة الغوث، فنحن لن نسلم أي خدمات لأي سلطة أخرى مخالفة لولاية وكالة الغوث، أما عن الوضع في المنشآت في القدس من ناحية المضايقات أو المخاطر فذلك يحتاج إلى دراسة خاصة بعد نهاية الشهر الجاري، ولكن نحن ملتزمون باستمرارية تقديم الخدمات قدر الإمكان وفي جميع المناطق، كما نتطلع من المجتمع الدولي لاستمرارية الدعم، وكذلك لدينا تنسيق مباشر مع دول الجوار وبعض الدول الغربية.
وربما النقطة الأخيرة في هذا الموضوع أننا نرى مبادرة حل الدولتين بقيادة المملكة العربية السعودية وبعض الدول الأوروبية هي الآن أفضل طريقة للاقتراب من الحل السياسي، والأونروا لها دور رئيسي في هذه العملية الانتقالية فهي مؤسسة تنموية إغاثية وليست مؤسسة سياسية، ولكنها تعمل في سياق سياسي وتتأثر بالظروف السياسية، وهذا يعني أن أفضل مظلة لوكالة الغوث الآن هي هذه المبادرة، وهناك تنسيق مباشر مع الجهات المختصة وخاصة دول المنطقة في هذا الخصوص.
○ يفترض أنكم وطوال الفترة الماضية كنتم على تواصل مع الجهات الإسرائيلية على الأقل في الجهد الميداني، السؤال هنا هل تواصلتم معهم بما يتعلق بمستقبل الإجراءات، ما هو الواقع بعد انتهاء اليوم الأخير من مهلة الـ90 يوما؟
• للأسف الشديد لا يوجد أي تواصل رسمي على المستوى السياسي أو على مستوى وزارة الخارجية مع الطرف الإسرائيلي، ما يوجد هو التنسيق مع المؤسسة العسكرية يومياً وذلك من أجل دخول المساعدات لقطاع غزة، وهناك تنسيق للتحركات في قطاع غزة والضفة الغربية، فمثلاً في مخيمات شمال الضفة أكثر من مرة نسقنا من أجل إخلاء المنشآت والمدارس والعيادات، هذا التعامل الفني ما زال مستمراً ولا يوجد تغيير فيه، وهذا التعاون والتنسيق شرط أساسي لعمل أي مؤسسة أممية، أما ما بعد اليوم التالي فهذا يعتبر من الأسئلة الأساسية ولذلك أنا قلت من البداية سياسة منع التواصل تعتبر أكبر التحديات العملية، وهو ما يجعل الوضع العام صعبا جدا، لدينا سيناريوهات وتصورات مختلفة عن كيفية تقديم الخدمات بعد اليوم التالي، ولكننا ننتظر الموقف الرسمي الإسرائيلي بينما نقترب من نهاية الشهر الحالي.
نقطة أخيرة، هناك جهود قانونية مختلفة دولياً حيث هناك شكوى أمام محكمة الأمن الدولي للنظر في قانونية وشرعية بعض الخطوات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني وبما في ذلك التشريعات ضد وكالة الغوث، وهناك جهود أخرى ربما حتى على مستوى المؤسسات الحقوقية في إسرائيل حيث يتم النظر لهذه التشريعات من ناحية توافقها مع القانون الإسرائيلي، سنرى كيف ستكون النتائج في ضوء كل ذلك.
○ كانت التصريحات الرسمية الصادرة عن المسؤولين الأمميين المرتبطين بالوكالة تركز على أن القوانين الاحتلالية ستضر بقدرة الوكالة على تقديم خدماتها «المنقذة للحياة» في غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.. كيف سيتم التعاطي مع ذلك وتحديدا عندما نتحدث عن خدمات منقذة للحياة وليس خدمات ثانوية؟
• هذا هو السبب وراء إصرارنا على الاستمرار في تقديم الخدمات، فهي خدمات فعليا من صميم الحياة، كما ذكرنا سابقاً في غزة الفلسطينيين يعتمدون على وكالة الغوث، ونتوقع أن يكون هناك إعادة نظر من الأطراف الإسرائيلية، وأيضاً المسؤولية كلها تقع على عاتق دول الأعضاء في الأمم المتحدة وحتى الآن يوجد دعم قوي وكبير للوكالة. أما كيف ستؤثر عملية الانتقال السياسي في أمريكا على موقف هذه الدول فهذا ليس معروفاً بالنسبة لنا، ولكننا نتمنى أن يستمر هذا الدعم القوي، ولكن إذا أجبرنا على وقف عملياتنا في قطاع غزة والضفة الغربية فستكون النتائج الإنسانية كارثية، أكثر من المعاناة ومن فقدان التعليم في الضفة وفقدان الأمل في قطاع غزة، وسنرى أمراضا ومجاعات متزايدة، نحن سنحمل الجهات المختلفة المسؤولية في هذا الموضوع، ففي النهاية نحن أداة للمجتمع الدولي، وسنعتمد على دعم المجتمع الدولي، سياسياً الدعم حتى الآن موجود، ولكن التحدي في قطاع غزة والضفة الغربية هو تحد كبير.
○ هناك من يقول إن القضية أصبحت ليس فشل الوكالة في حماية اللاجئين الذين تمثلهم الوكالة الأممية بل أصبحت تمثل فشل العالم الحر في حماية الأونروا نفسها، هل ترى الصورة على هذا النحو؟
• أولاً نحن سنستمر لآخر لحظة في تقديم خدماتنا، وثانياً في حال عدم مقدرتنا على الاستمرار في تقديم الخدمات وتنفيذ الولاية فإن المسؤولية القانونية تعود لدولة الاحتلال، أما المسؤولية التاريخية للوكالة فستبقى. صحيح أن الأونروا ليس لها علاقة بحق العودة قانونياً، حيث ينص القرار 194 على إنشاء وكالة الغوث عن طريق قرار 302، ولكن بالتأكيد وكالة الغوث هي الجهة التي عن طريق عملها على الأرض وعن طريق تسجيل اللاجئين ساهمت بدرجة كبيرة في الحفاظ على حق اللاجئين الفلسطينيين، وهذا الدور سيستمر بغض النظر عن وجودنا من عدمه في قطاع غزة أو في الضفة الغربية. وكما قلت، نحن لن نقوم بتسليم أدوارنا وسنستمر في أداء مهامنا، وفي حال حدث ذلك فعليا وخرجنا من الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة فإنه سيترتب على ذلك تأثير سياسي كبير على المنطقة وعلى حقوق الفلسطينيين، وربما أيضاً على استقرار دول الجوار، وسيكون الثمن باهظاً جداً.
○ تبنت القيادة العليا للأمم المتحدة، بقيادة الأمين العام موقفا مفاده أن مسؤولية تقديم المساعدات للفلسطينيين تقع على عاتق إسرائيل بصفتها القوة المحتلة، هذا حدث في غزة تحديدا.. هل تعتقدون أن هذه استراتيجية فعالة أمام تصاعد السياسات العدوانية بحق الوكالة وتدحرج كرة الثلج حيث وصلنا على أبواب إغلاق مكاتب الوكالة؟
• نحن الآن ننفذ الولاية القانونية، كما نقدم الخدمات الأساسية لمجتمع اللاجئين، أما في حال وصلنا إلى وضعية لم نعد نستطع تقديم ذلك فالمسؤولية قانونياً تعود مباشرة لإسرائيل سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية بصفتها القائمة بفعل الاحتلال. نحن لم نصل إلى الآن إلى هذه المرحلة، ولكن من الواضح جداً أنه إذا حدث ذلك فهناك التزامات قانونية واضحة على إسرائيل مثل تقديم الخدمات الأساسية للاجئين، واحترام حقوق المواطنين. لكن المؤكد أيضا أن دور الوكالة في فلسطين لا يوجد عنه بديل، فنحن نقوم بدور خدماتي كبير لا يمكن تعويضه بسهولة.
أما في حال وجدت عملية سياسية ناجحة وأقيمت الدولة الفلسطينية أو على الأقل وجدت إدارة فلسطينية لديها قبول سياسي من الفلسطينيين فنحن عندها سنسلم هذه الخدمات لهذه الدولة، والمؤكد أن هذا سيناريو بعيد جدا. الواضح بالنسبة لنا أننا نمر فعلاً بمرحلة تاريخية، وأعتقد أنه إذا كنا مجبرين على وقف عملنا في الضفة الغربية وقطاع غزة فذلك يعني تحولا سياسيا وتاريخيا لا يمكن الاستهانة به.
○ لقد كان هناك مطالب للأمم المتحدة مفادها أنه كان يجب عليها استخدام سلطاتها بموجب المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي مُنحت خصيصا لمثل هذه الظروف، لدعوة مجلس الأمن إلى جلسة طارئة وجعل مطلبه بعدم تنفيذ تشريعات الكنيست بندا أساسيا في جدول الأعمال.. لماذا لم يتم التعامل مع هذه المطالب؟
• لا أعتقد أن ذلك دقيق، لقد تمت إقامة أكثر من جلسة في الأمم المتحدة حول التشريعين الإسرائيليين الأخيرين، وهذه الجلسات مستمرة، حيث تقام جلسة كل أسبوع تقريباً في مجلس الأمن أما عن الموضوع الإنساني في فلسطين أو في غزة أو عن التطورات في المنطقة بما في ذلك الوضع الفلسطيني، لقد حصلت هناك جلسات عدة خاصة بالنقاشات والتشريعات الإسرائيلية، وخاصة أن وكالة الغوث قدمت أكثر من مداخلة في مجلس الأمن في هذا الموضوع، وكذلك أقيمت جلسة عاجلة على مستوى الجمعية العامة، أعتقد أن الدعم السياسي موجود، فعلى سبيل المثال عملية الشكوى التي تتمثل في طلب الرأي الاستشاري في محكمة العدل الدولية بخصوص موضوع وكالة الغوث كانت بناءً على طلب من الجمعية العامة. ما أنا متيقن منه هو أن العمل عن طريق المنظومة الأممية موجود ومستمر كل يوم، ولا أعتقد أن هناك أي نقص، كما أن الاهتمام السياسي سيستمر في هذا الموضوع.
○ لا أريد أن يفهم من سؤالي هنا أي دعوة لانخراط الوكالة بأمور ذات بعد سياسي، لكن البعض يقول إن الأونروا لا تقوم بالاستثمار بقوة اللاجئين في خطابها أو في الدفاع عنها في ظل محاولات إلغاء دورها، حيث هناك غياب في التحرك على مستوى الشارع الفلسطيني.. كيف ترى ذلك؟
• نحن مؤسسة أممية ملتزمة بمبادئ الحيادية وتقدم الخدمات، ليست من مسؤوليتنا أعمال تحريك الشارع شعبيا أو العمل السياسي. بالعكس، نحن جهة محايدة، لدينا ولاية خاصة وواضحة، ومن المهم جداً أن نحتفظ على قدرتنا على تقديم هذا الدعم للاجئين الفلسطينيين.
وبالتأكيد، إن موقف ودعم اللاجئين وتوضيح وجهات نظرهم هو من مسؤولية الجهات الفلسطينية المختصة في هذا السياق، ونحن مع تنسيق دائم ومباشر مع إدارة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير وكذلك بالتنسيق مع شركائنا في الحكومة الفلسطينية، وأنا أعتقد أنهم يشاركوننا في موقفنا ولدينا دعم سياسي واضح منهم ونحن شاكرين لدعمهم.
○ قبل أيام، نشرتم خبر نقل أرشيف خاص بالبيانات الرقمية الخاصة باللاجئين إلى عمان، ما أهمية ذلك؟ وهل يعكس مخاوف جدية على الأرشيف الورقي في غزة والضفة والقدس؟
• بيانات اللاجئين الحديثة والتاريخية مسألة غاية في الأهمية، إنها وثائق تاريخية مهمة، ومن أجل الحفاظ على سلامة الملفات التي تحتوي بيانات اللاجئين قمنا بتحويلها إلى مكان آمن في عمان، هناك الكثير منها، في الأساس هناك أرشيف إلكتروني، ونحن كي نحافظ على تسجيل اللاجئين الفلسطينيين فإننا نتحمل هذه المسؤولية منذ بداية وجود الوكالة، ونتعامل معها بجدية عالية جداً ونكون حريصين على نقل هذه الملفات لمكان آمن، بالطبع سنستمر في تسجيل اللاجئين الفلسطينيين والحفاظ على الأرشيف وخاصة في هذه المرحلة غير المسبوقة في استهداف المؤسسة، والأهم بالنسبة لنا هو أن نضمن أن تبقى هذه الآثار والوثائق (الأرشيف) في أياد أمينة.
○ يوما عن يوم هناك رأي نقدي يتزايد ومفاده إن الأونروا غير مخلصة لحقوق اللاجئين، ماذا تقول من كلمة لهذا الجمهور الفلسطيني والعربي؟
• أستطيع أن أقول إننا – نحن موظفي وكالة الغوث في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية المحتلة – حريصون جداً على استمرار عملنا وتقديم خدمات التمويل في الضفة الغربية أو الدعم الإغاثي الملح الآن في قطاع غزة، نشكر الدعم الموجه إلينا من الدول العربية سواء على المستوى الرسمي أو غير الرسمي، فقد رأينا في نهاية عام 2024 دعما غير مسبوق عن طريق التبرعات، والتي جاء الكثير منها من العالم العربي، الأمر الذي دعم عملنا بشكل كبير وخاصة في الأزمة المالية المستمرة التي نمر فيها منذ سنوات، وأتمنى من شركائنا في الدول العربية الاستمرار في دعم وكالة الغوث كي نستطيع تنفيذ هذه الولاية، والمساهمة في حل عادل لقضية اللاجئين عن طريق عملية سياسية، وباعتقادي أن هذا الدعم خاصة في الوقت الحالي يدل على صراع شبه عالمي على القضية الفلسطينية وهو دعم أساسي ومهم جداً.
○ مسألة هامشية لكنها مهمة في قراءة المشهد، مثلا بلدية القدس دعت أولياء أمور الطلاب، وتحديدا في مخيم شعفاط، بالتوجه لمدارس البلدية، وكان الإسرائيلي يعرف ماذا يريد تماما، ماذا تقرأ من هذا السلوك؟
• ليست لدينا تفاصيل واضحة عن هذا الموضوع، لقد رأينا مثل هذه البيانات على الإنترنت من جهة البلدية، وأعتقد أنها بيانات عادية تنشر مطلع العام الدراسي، نحن لم نر أي مؤشرات في المقابل، على سبيل المثال لم نر أي اتجاه من طلاب مدارس وكالة الغوث في القدس الشرقية المحتلة في الذهاب لمدارس البلدية، ونتمنى أن نستطيع الاستمرار في المدارس وأن نحافظ على حقوق الأطفال.
○ قبل أن نودعكم، البعض يرى أن هناك حاجة ماسة لعملية تطمين الأهالي، اللاجئين في منطقة القدس، ربما تفعلون ذلك لكن الأمر بحاجة لجهد إضافي في ظل حالة القلق والخوف.. ما رأيك؟
• كما ذكرنا سابقا، ليس لدينا وضوح كيف سيتم تطبيق هذه القوانين، ولكننا نستمر في التنسيق مع الجهات المختلفة سواء لجان اللاجئين واللجان الشعبية ومؤسسات السلطة الفلسطينية وغيرها، وهذا التنسيق مهم جداً، ونحن ننتظر ماذا سيحدث في المستقبل ونحرص على التواصل المستمر مع كل الفئات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب