ترامب ونتنياهو: مَن ذا الذي يُشبع أو يُشبع؟

ترامب ونتنياهو: مَن ذا الذي يُشبع أو يُشبع؟
صبحي حديدي
ليس كافياً كلّ ما فعله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الرئاسية الأولى لصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي وخدمة سياساتها، وليس محصناً من السخط الإسرائيلي كلّ ما سيفعله في ولايته الثانية؛ وثمة، دائماً، ما يستوجب العرقلة والتعطيل أو حتى الإفشال. آخر الوقائع في هذه الحال لجوء حكومة الاحتلال إلى تسريب الأنباء عن جولة تفاوض مع «حماس» حول الرهائن الأمريكيين في قطاع غزّة، بادر إليها المبعوث الأمريكي الخاص بشؤون الرهائن آدم بولر، وجرت مؤخراً في العاصمة القطرية الدوحة.
ورغم أنّ الناطقة باسم البيت الأبيض أكدت إطلاع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على واقعة التفاوض تلك، وشددت على أنّ بولر يمتلك التفويض والسلطة لإجراء هذا الطراز من المباحثات لأنّ عمله «جهدٌ حسن النيّة لأداء ما هو مناسب للشعب الأمريكي»؛ فإنّ التسريب إلى مواقع وأقنية إسرائيلية استهدف تفخيخ جولة التفاوض، بما ينتهي إلى تعطيلها.
الدفاع عن بولر، الذي لم يتحرك من تلقاء نفسه بالطبع، جاء أوّلاً من ترامب نفسه؛ فلم يغفل عن ضرورة وضع تبرئة مبعوثه ضمن سياق خاصّ قد يكفل امتصاص غضب مجموعات الضغط الإسرائيلية في قلب إدارته، وفي نطاق أعمّ على امتداد أنصاره وجمهوره. «نحن نساعد إسرائيل في تلك المناقشات لأننا نتحدث عن رهائن إسرائيليين وبهدف ضمان الإفراج عن رهائن إسرائيليين»، قال ترامب، بعد أن استذكر لقاءه مع مجموعة رهائن أُطلق سراحهم مؤخراً. ثمّ شدد، كما يليق برئيس/ رجل أعمال عليم بسجلّ أمريكا في شؤون التفاوض حول الرهائن: «نحن لا ندفع أموالاً. عليك أن تفاوض. هنالك فارق بين التفاوض والدفع».
لكنّ للتسريبات إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية منطقها الخاصّ، الذي يتضمن أحياناً انقلاب السحر على الساحر؛ كما في التزامن، غير البريء إلا عند السذّج، بين شيوع أنباء مفاوضات «حماس»/ بولر من جهة، وتقارير تؤكد أنّ نتنياهو أمر قادة الأجهزة الأمنية باستكمال «ترتيب مدني» مع «حماس» بتاريخ 1 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2023، أي قبل ستة أيام سبقت «طوفان الأقصى»، بما يتيح للأجهزة التفرّغ لعمليات اغتيال عدد من قادة المقاومة الفلسطينية في القطاع.
التسريب لا يشخّص طبيعة «الترتيب المدني»، ولا يشرح أيّ معنى عملياتي خلف مفردة «مدني»؛ لكنّ المنطق البسيط، ودونما حاجة إلى تكهن وتخييل وتحليل، يصعب أن ينأى بالكلمة عن نطاق التفاوض أو التباحث أو التسوية أو الصفقة. ذلك يفسر لجوء مكتب نتنياهو إلى تصنيف التسريب تحت لافتة «جهود متواصلة» يبذلها جهاز الأمن العام الإسرائيلي، «شين بيت»، لصرف الانتباه عن ملفات كثيرة تعكس «فشل» الاستخبارات.
بيد أنّ ثقاة المكتب ذاته أحجموا عن التعليق على الواقعة ذاتها، وما إذا كانت قد وقعت بالفعل أم يصحّ نفيها جملة وتفصيلاً؛ الأمر الذي يعني أنها ليست اختراع الـ»شين بيت» في مقام أوّل، وأنها في مقامٍ ثانٍ لا تحرّم التعاطي «المدني» مع المقاومة الفلسطينية في القطاع. وأمّا من وجهة نظر أخرى، فإنّ التسريب الأخير هذا ليس أقلّ من صفحة إضافية في سجلّ مفتضَح لتوّه، حول مقاربات سبق أن اعتمدها نتنياهو لنسف فكرة الدولة الفلسطينية عن طريق تشجيع توجهات الغلوّ أو التشدد أو الرفض لدى بعض قيادات «حماس».
وإذْ يذهب أناس إلى ترجيح احتمالات شتى حول نشوب «خصام» هنا أو هناك بين ترامب ونتنياهو، طبقاً لمعادلة مستحكمة تقول إنّ الثاني لن يَشبع من المطالبة والأول لن يُشبع أياً كان استعداده للبذل؛ فإنّ آخرين لا يستبعدون تلك الاحتمالات ومعادلاتها جمعاء فحسب، بل ينتظرون ما هو متوقّع منتظَر: أنّ عطاء الرئيس الأمريكي لدولة الاحتلال لا حدود له، شاسع واسع ويتمدد…
كاتب وباحث سوري يقيم في باريس