مقالات

استعداء ترامب للحلفاء الغربيين… دروس للحلفاء العرب!

استعداء ترامب للحلفاء الغربيين… دروس للحلفاء العرب!

د. عبد الله خليفة الشايجي

السؤال الذي لا شك أن يُطرح في دوائر صنع القرار لدى حلفاء أمريكا العرب اليوم، بعد اجتماعهم الأسبوع الماضي في «قمة فلسطين» العربية الاستثنائية الطارئة في القاهرة لتقديم خطة عربية جماعية وقد تبنت الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة مفصلة وقابلة للتطبيق رداً على مخطط ترامب تهجير سكان غزة وتحويلها إلى منتجعات فاخرة مطلة على المتوسط، رفضها ترامب ونتنياهو لغموضها، هو كيفية التعامل مع ترامب الذي يقرّع وينتقد ويهدد الحلفاء بالضم والاستحواذ وزيادة الرسوم الجمركية، والتهديد بالتخلي عن الدفاع عنهم إذا لم يزيدوا ميزانيات الدفاع!!
ويتابع الحلفاء العرب بقلق صادم تسارع تعمق تراجع الثقة بين الحلفاء الغربيين من الاتحاد الأوروبي وأعضاء حلف الناتو تجاه الحليف الأقوى الولايات المتحدة وبشكل ملفت وغير مسبوق، خلال أسابيع فقط من بدء رئاسة ترامب الثانية والأخيرة. بسبب سياساته وقراراته الرئاسية ومواقفه غير المسبوقة تجاه الأمن الأوروبي وأوكرانيا والناتو وتهديده بفرض رسوم جمركية كبيرة على كندا والمكسيك ودول الاتحاد الأوروبي والصين على واردات بضائعهم إلى الولايات المتحدة، ما يزعزع النظام العالمي والتحالف الغربي في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية ومرحلة الحرب الباردة، التي شكلت وقادت الولايات المتحدة النظام العالمي وخاصة بين ضفتي المحيط الأطلسي على مدى ثمانية عقود من رؤساء من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في مواجهة الكتلة الشرقية الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفييتي.
يتحدث الأوروبيون بحرقة وألم أن التحالف عبر المحيط الأطلسي الذي تشكل قبل ثمانية عقود بين أوروبا غير المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية يشارف على الوصول إلى النهاية المؤسفة ـ وأن على أوروبا كما يقول الرئيس الفرنسي ماكرون ومعه رئيس وزراء بريطانيا ستارمر قبل وبعد اجتماعهما مع الرئيس ترامب في البيت الأبيض خلال الأسبوعين الماضيين وعقدهما قمتين مصغرتين للدول الأوروبية والحليفة في باريس ولندن، وتعلن كل من بريطانيا ألمانيا وفرنسا ودول أوروبية زيادة مخصصات ميزانيات الدفاع.
صعّد الرئيس ماكرون في خطابه الأسبوع الماضي ضد روسيا لتهديدها فرنسا وأوروبا. وأطلق ماكرون في خطابه الأسبوع الماضي مواقف ملفتة: عبر فيه عن خيبة أمله من النظام العالمي، متهما الولايات المتحدة بعد أسبوعين من اجتماعه مع الرئيس ترامب في البيت الأبيض، أنها لا تقف إلى جانب أوروبا في الأزمة الأوكرانية، مؤكدا «أمن أوروبا في خطر» لأن روسيا تشكل تهديدا حقيقيا لأوروبا ـ لقدرتها على تعبئة 3 ملايين جندي وإنتاج 4000 دبابة بحلول عام 2030. خاصة بغزوها لدولة في أوروبا وتبقى بلا عقاب.. لذلك لا يمكن لنا أن نكون متأكدين من أي شيء». خاصة بعد الإيماءات بين ماكرون والرئيس الروسي بوتين: واتهام ماكرون الرئيس الروسي بوتين بـ«الإمبريالية» وتحريف التاريخ، وانتقد مقارنة وتشبيه بوتين، لماكرون بنابليون بونابرت!!

يجد الأوروبيون أنفسهم في موقف صعب ومعقد في علاقتهم المتشنجة مع الحليف الأهم-الولايات المتحدة ـ الذي يهددهم برفع الرسوم الجمركية على بضائعهم ويطالبهم بمزيد من الإنفاق على الدفاع

ووصل الأمر بتشكيك ترامب بقيام فرنسا والأعضاء في الناتو بالمشاركة بالدفاع عن الولايات المتحدة في حالة تهديد أمني. ما دفع بالرئيس ماكرون للتأكيد على أن «فرنسا حليف مخلص للولايات المتحدة» مشدداً أن من حق فرنسا أن «تطالب بالمثل».
وتكرار مطالبة ماكرون منذ سنوات للحاجة لإنشاء جيش أوروبي ووضع أوروبا تحت المظلة النووية الفرنسية والتفكير بعد ثمانية عقود، باعتماد أوروبا أكثر بالدفاع عن نفسها، مع سيناريو بدون الولايات المتحدة وتحضير أوروبا لتلك المرحلة، واصطفاف الرئيس ترامب في مواقفه التي تقترب من سرديات ومواقف موسكو وبوتين أكثر من الموقف الأوروبي وخاصة بعد اجتماع ترامب مع الرئيس الأوكراني العاصف والمهين لزيلينسكي واتهامه بالاستمرار بالحرب واتهامه برفض السلام وإطالة أمد الحرب وقرار تجميد إرسال السلاح ووقف التبادل الاستخباراتي مع أوكرانيا-ومطالبة قياديين في حزب ترامب زيلينسكي بالاستقالة!!
وعمّق الرئيس ترامب شكوك الحلفاء الأوروبيين بعد تهديده وبشكل واضح وصادم أنه لن يدافع عن الدول الأعضاء في حلف الناتو إذا لم ينفقوا نسبا أكبر من مجمل الناتج القومي على الدفاع والتسلح!! لقناعة ترامب أن أوروبا تبتز وتستغل أمريكا على مدى عقود للدفاع عنهم، بينما يرفعون الرسوم الجمركية على البضائع والمنتجات الأمريكية!!
تساهم سياسات ومواقف الرئيس ترامب بزيادة شقة الخلافات مع الحلفاء الأوروبيين منذ بدء رئاسته. قرّع وانتقد نائبه فانس الأوروبيين في مؤتمر ميونيخ للأمن في منتصف فبراير الماضي بلغة وخطاب استعراضي فوقي عن تراجعهم عن القيم واقصائهم الأحزاب اليمينية وخاصة الحزب اليميني(AFD) الألماني بخطاب نازي معادٍ للمهاجرين والمسلمين وبمواقف تتماهى مع روسيا.
لذلك أعلنت عدة دول أوروبية عن زيادة الإنفاق العسكري، ودعا رئيس وزراء بريطانيا ستارمر بعد يومين من اجتماعه مع ترامب لعقد قمة أوروبية لتقديم مقترح بمشاركة قوات حفظ السلام من بريطانيا وفرنسا في أوكرانيا.
وهكذا يجد الأوروبيون أنفسهم في موقف صعب ومعقد في علاقتهم المتشنجة مع الحليف الأهم ـ الولايات المتحدة ـ الذي يهددهم برفع الرسوم الجمركية على بضائعهم ويطالبهم بمزيد من الإنفاق على الدفاع ـ ويلمح إلى عدم الدفاع عنهم. ويتقرب من روسيا ويهدد رئيس أوكرانيا بتوقيع اتفاقية المعادن والمصادر الطبيعية النادرة ليقدم ضمانات أمنية لأوكرانيا!
لذلك يتعمق شعور الحلفاء الأوروبيين أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد الحليف الذي يمكن الاعتماد والتعويل عليه في مجال الأمن والدفاع وحتى في مجال الاستخبارات للدول الأنكلوسكسونية: الولايات المتحدة، بريطانيا ـ كندا ـ أستراليا ونيوزيلندا!
لا شك يتابع الحفاء العرب بقلق مقاربات وضغوط ترامب على الحلفاء المقربين، ويحتارون في طريقة تعاملهم مع مطالبه ومقايضاته. وكان ترامب أعلن عزمه زيارة السعودية خلال ستة أسابيع، في حال وافقت على استثمار تريليون دولار في الشركات الأمريكية وصفقات أسلحة في سنوات رئاسته الأربع! وهو ما لم تؤكده السعودية! دخلنا في عالم عدم اليقين وصعوبة تقلبات ترامب.

أستاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب