كفاح حطاب من 21 عاما في أسر الاحتلال إلى المنفى

كفاح حطاب من 21 عاما في أسر الاحتلال إلى المنفى
يافا ذيب / القدس العربي
الضفة الغربية – على مدار أكثر من عقدين، عاش الطيار الفلسطيني اللواء كفاح حطاب بين السماء والأرض، حاملاً رسالة وطنه في قلبه، متنقلاً بين العواصم، قبل أن يتحول إلى أسير قضى في زنازين الاحتلال أكثر من 21 عاما، مناضلاً ليس فقط من أجل حريته الشخصية، بل من أجل الاعتراف بالأسرى الفلسطينيين كأسرى حرب وفق القوانين الدولية. واليوم، بعد تحرره في صفقة التبادل الأخيرة، يجد نفسه مبعدا عن وطنه، يحلم بلحظة العودة إلى أرضه التي غادرها قسرا.
وُلِد كفاح حطاب في مدينة طولكرم يوم 26 أيار/ مايو 1960، ونشأ في كنف عائلة فلسطينية حملت هم القضية منذ النكبة.
انتمى مبكراً لحركة «فتح» مع تصاعد العمل الفدائي في السبعينيات والثمانينيات، وانخرط في الثورة الفلسطينية، وكان حلمه أن يخدم قضيته بطريقة مختلفة، عبر الطيران العسكري، فبدأ رحلته في مجال الطيران من خلال دورة عسكرية في باكستان، ودرس علوم الطيران الملاحة الجوية ومراقبة الحركة الجوية، ثم واصل تعليمه في أكاديمية الطيران التابعة لسلاح الجو اليوغسلافي، حيث التحق بها عام 1982، وتخرج عام 1985 كطيار مقاتل عسكري.
قال لـ«القدس العربي»: نحن أسرى حرية … ووجبت معاملتنا وفق القوانين الدولية
ولم تكن هذه مجرد خطوة مهنية، بل كانت بداية طريق طويل جعله واحداً من الطيارين القلائل الذين خدموا القضية الفلسطينية من الجو.
بعد تخرجه، انضم كفاح حطاب إلى وحدة النقل الجوي الخاصة بالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والتي كانت مسؤولة عن تأمين تحركات القيادة الفلسطينية في ظل الحصار الإسرائيلي المستمر.
كان حطاب جزءاً من هذه المنظومة منذ عام 1986، وعمل إلى جانب الكابتن الشهيد محمد درويش، الذي استشهد في حادث طائرة في ليبيا أثناء مهمة جوية تتعلق بالرئيس عرفات.
وخلال وجوده في بيروت، حمل كفاح معه حفنة من تراب فلسطين وقدّمها لعرفات، الذي قبّلها ووضعها كتحفة رمزية في مقر القيادة. تلك اللحظة جسّدت ارتباطه العميق بأرضه، رغم سنوات الغربة والعمل في الخارج.
وبعد توقيع اتفاقية أوسلو، عاد إلى فلسطين في 1 آب/ أغسطس 1994، ضمن صفوف العائدين مع السلطة الوطنية الفلسطينية.
وصف لحظة عودته إلى الوطن أنها من أكثر اللحظات عاطفية في حياته، إذ غمرته الدموع حين دخل مدينة أريحا، غير مصدق أنه عاد إلى الوطن بعد سنين من الغياب.
وفي مساء الرابع من حزيران/ يونيو 2003، طوقت قوات الاحتلال منزله في طولكرم واعتقلته في عملية عسكرية متأخرة من الليل.
كان اعتقاله صادماً لعائلته، حيث اقتيد دون توجيه أي اتهام رسمي واضح في البداية، لكن لاحقًا حكم عليه الاحتلال بالسجن المؤبد مرتين، بتهمة المشاركة في أعمال مقاومة ضد الاحتلال.
يقول كفاح حطاب في مكالمة هاتفية مع «القدس العربي»: «في تلك الليلة، سمعت أصوات الجنود يحاصرون المنزل، لم أكن أخشى الاعتقال بقدر ما كنت أفكر في وجوه أبنائي وهم يرون والدهم يُقتاد مقيدًا أمامهم، كان هذا أصعب ما في الأمر»
ويشرح أن «الإضراب عن الطعام لم يكن خيارًا، كان سلاحًا وحيدًا نمتلكه لنثبت أننا أسرى حرب، وليس مجرد أرقام في سجون الاحتلال.»
خلال فترة سجنه، رفض كفاح حطاب الخضوع لقوانين الاحتلال داخل المعتقل، فتمرد على القوانين داخل سجون الاحتلال، وناضل من أجل الاعتراف بالأسرى الفلسطينيين كأسرى حرب، وفق اتفاقية جنيف الثالثة، وأضرب عن الطعام أكثر من 34 مرة، بما يعادل سنة ونصف من الإضراب المتقطع، متحملاً التنكيل والتعذيب في سجون الاحتلال.
«رفضت أن أكون مجرد رقم في السجون الإسرائيلية. نحن لسنا مجرمين، نحن أسرى حرية، وعلينا أن نُعامل وفق القوانين الدولية وليس وفق قوانين الاحتلال»، يقول حطاب.
ووثّق كفاح حطاب معاناته في كتابه «كفاح كفاح»، الذي ضمّ أكثر من 420 صفحة من يومياته في المعتقل، كاشفًا أساليب التعذيب، والعزل، والحرمان من الزيارات التي تعرض لها الأسرى الفلسطينيون، واستمر ذلك حتى بعد السابع من تشرين الأول /أكتوبر 2023.
واستمر التمرد حتى شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، والسبب أن إدارة سجون الاحتلال أصبحت تعاقب جميع الأسرى وتنقلهم إلى الزنازين.
وتصاعدت وتيرة القمع بحقهم والتنكيل والعذاب والحرمان من الطعام والمأكل والنظافة وأي حقوق إنسانية أساسية، وهو ما توثّقه الهيئات الفلسطينية المعنية بحقوق الأسرى حتى يومنا هذا.
وفي 27 شباط /فبراير 2025، جاء يوم الحرية، لكنه لم يكن كما تخيله، أُدرج اسمه ضمن صفقة تبادل الأسرى بين حركة “حماس” والاحتلال الإسرائيلي، لكن الاحتلال فرض عليه الإبعاد القسري خارج فلسطين، ليتم ترحيله إلى مصر، بينما بقيت زوجته ميسون وابنته حلا وابنه قصي في طولكرم.
ويصف كفاح حطاب لـ»القدس العربي» لحظة خروجه من سجن نفحة أنها «أشبه بالانتقال من القبر إلى الحياة»، حيث كان الأسرى معزولين عن العالم تمامًا لحظة عبوره إلى الجانب المصري، وكانت غامرة بالمشاعر، حيث لم يدرك أنه وصل إلى أرض عربية إلا عندما سمع أحد الجنود المصريين يقول له: “الحمد لله على السلامة”، لتنهار دموعه دون سيطرة، ويصرخ: «تحيا مصر».
يقول في تلك اللحظة، أدركت أنني خرجت من الأسر، لم أتمالك دموعي، ووجدت نفسي أصرخ من أعماقي: تحيا مصر .. تحيا مصر .
ورغم تحرره، إلا أن كفاح حطاب لا يزال يعتبر نفسه سجينًا، فإبعاده عن وطنه يُعد حكماً آخر بالسجن، لكنه هذه المرة بلا جدران، بل بحرمانٍ من احتضان عائلته، ومن السير في شوارع طولكرم التي نشأ فيها.
وفي رسالته للأسرى، يقول: «اصبروا كما صبر آل ياسر، فإن موعدكم الحرية»، مؤكدًا أن الحرية هي أغلى ما يمكن للإنسان أن يحصل عليه، و»هي أعظم من المال والصحة، بل هي الحياة بحد ذاتها».
اليوم، بعد سنوات من الاعتقال والمعاناة، يقف الطيار الفلسطيني المحرر كفاح حطاب على أرضٍ غير أرضه، يحلم بيومٍ يعود فيه إلى طولكرم، ليكمل رحلته التي بدأت منذ 64 عامًا، بين سماء الحرية وأرض الوطن.