بعد “صدمة” الحية وبوهلر.. رغبة إسرائيل تتنافى ورؤية ترامب: “من سيدير القطاع”؟

بعد “صدمة” الحية وبوهلر.. رغبة إسرائيل تتنافى ورؤية ترامب: “من سيدير القطاع”؟
الهياج والغضب وخيبة الأمل التي أثارتها المحادثات التي أجراها آدم بوهلر، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي لشؤون المخطوفين، مع خليل الحية، المسؤول عن غزة في حماس، تملأ الخطاب الإعلامي في إسرائيل وكأن الأمر يتعلق بإعلان حرب من الولايات المتحدة، أو على الأقل خيانة للمبادئ والتفاهمات التاريخية التي تستند إليها العلاقات بين الدولتين. يمكن تخيل أي بركان نتن كان سينفجر من أنبوب المجاري لو جرت المحادثات في عهد الرئيس بايدن، وخلال هذه الهستيريا تقريباً اختفى الموضوع الرئيسي المهم الذي خرج من محادثات بوهلر مع الحية، والذي يشير إلى توجه جديد في السياسة الأمريكية: التوجه الآن إلى نقاش جوهري وموضوعي حول طبيعة إدارة القطاع بعد إنهاء الحرب، وليس فقط حول صفقة تحرير المخطوفين. من الجدير أيضاً الانفعال من أن هذه المحادثات لا تطرح فكرة التهجير فحسب، بل بدأت الفكرة تخفت شيئاً فشيئاً.
لم يتسلم الحية خطة تفصيلية تقنية لإقامة ريفييرا أو قوائم لترتيبات نقل مليوني غزي، الذين كان يمكن أن ينتقلوا إلى “أماكن أجمل” لن يرغبوا في العودة منها إلى غزة، كما وعد ترامب. هذه المحادثات في الواقع جرت قبل القمة العربية التي عقدت الأسبوع الماضي في القاهرة، لكنها تعكس حوارات ونقاشات لشخصيات سعودية رفيعة مع نظرائهم الأمريكيين. وضعت السعودية سوراً حصيناً ضد خطة الترانسفير، وانضمت إليها انتقادات ومعارضة للخطة، سمعت من قبل جهات جمهورية مؤثرة في الكونغرس الأمريكي.
حسب معظم التسريبات في إسرائيل ووسائل إعلام عربية، ناقش بوهلر والحية ثلاثة مواضيع أساسية: إعادة جميع المخطوفين مقابل وقف طويل المدى لإطلاق النار، خمس – عشر سنوات، ويشمل انسحاب إسرائيل من القطاع مثلما تحدد في الاتفاق الأصلي؛ وتحرير مئات السجناء الفلسطينيين حسب مفتاح متفق عليه مع مرونة تسمح لإسرائيل بوضع الفيتو على أسماء بعض السجناء المحكومين بالمؤبد؛ ونزع سلاح حماس وتحييدها عن كل النشاطات المدنية والسياسية والتعهد بإدخال المساعدات الإنسانية والبدء في إعادة إعمار القطاع – هذا أيضاً وفقاً لما تقرر في الاتفاق.
هذه المحادثات قد تدل على نية الولايات المتحدة توسيع إطار النقاشات التي تم استئنافها في الدوحة. رغم أن إسرائيل أكدت مرة أخرى بأنها تنوي مناقشة “خطة ويتكوف” فقط، التي تتحدث عن وقف إطلاق النار لشهرين، يتم في اليوم الأول إطلاق سراح نصف المخطوفين، وفي نهايتها -إذا تم التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار- يتم إطلاق المخطوفين الباقين. الولايات المتحدة تطمح إلى الدمج بين هذه الخطة والحل الدائم في القطاع. هذا الحل يستند الآن إلى خطة مصر التي تتحدث أيضاً عن مشروع إعادة إعمار واسع بحجم 53 مليار دولار، وإقامة آلاف المباني المؤقتة وإعادة ترميم البنى التحتية للخدمات الحيوية، وبالأساس إدارة القطاع على يد “لجنة دعم اجتماعية”، التي تعني إدارة تتكون من مهنيين بدون ممثلين من حماس، الذين سيكونون خاضعين للسلطة الفلسطينية لمدة نصف سنة. منذ بضعة أسابيع، أعلنت حماس أنها تؤيد الخطة، وأكدت مؤخراً ذلك.
الولايات المتحدة، في المقابل، رفضت الخطة بذريعة أنها “لا تأخذ في الحسبان الوضع القائم في القطاع”، أي أن غزة غير صالحة لسكن الناس. ربما هذا ادعاء عقاري صحيح، لكن هناك تطلع إلى تغيير “الوضع القائم” وفقاً لخطة مصر. المشكلة في هذه الخطة، المفصلة في عشرات الصفحات، أنها لا تقدم جواباً واضحاً للقضية الرئيسية التي ناقشها بوهلر مع الحية، المتعلقة بنزع سلاح حماس. وهنا تكمن الفجوة بين تصريحات بوهلر وردود حماس. ففي حين يقول بوهلر إن حماس وافقت على نزع سلاحها وألا تكون جزءاً من الهيئة التي ستدير القطاع، وأن مصادر في حماس قالت أمس بأن حماس مستعدة لنزع سلاحها الهجومي مثل الصواريخ على أشكالها، لكن ليس من كل سلاحها الدفاعي – حتى بعد إقامة الدولة الفلسطينية – وأن الأمر يتعلق بطلب أساسي لن تتنازل عنه حماس.
سقالة في الهواء
حسب التقرير، اقترحت حماس سريان وقف إطلاق نار بعيد المدى على الضفة أيضاً وليس على قطاع غزة فقط، ويطبق مقابل انسحاب كامل لإسرائيل. لأن الحديث لا يدور حتى الآن عن مفاوضات حول نزع السلاح، بل حول “معرفة ما يريده الطرف الثاني”، حسب أقوال بوهلر، من المهم معرفة أن المحادثات بين الولايات المتحدة وحماس حول نزع سلاح الأخيرة وحول قضية إبعادها عن إدارة القطاع تشير إلى أن الولايات المتحدة ترى في حماس عنواناً حيوياً لصياغة اتفاق شامل يرسم مستقبل السيطرة في غزة، وهي في كل الحالات لا تطالب الآن بإبعادها جسدياً عن القطاع أو حل حماس كمنظمة.
هذه الرؤية تشبه الخطة التي تم التوصل إليها في اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان. حكومة لبنان بموافقة حزب الله، تحملت المسؤولية عن نزع سلاح الحزب في جنوب الليطاني، والطموح الذي ما زال بعيداً عن التطبيق حول نزع كل السلاح غير الحكومي الموجود في الدولة – لكنها خطة لا تطالب بحل حزب الله كمنظمة. بمقابل الوضع في لبنان، فليست هناك دولة أو سلطة في القطاع يمكنها نزع سلاح حماس، وإذا سمحت إسرائيل للسلطة الفلسطينية بإدارة القطاع بشكل مؤقت أو دائم، فستبقى قضية السلاح تهديداً لأمن إسرائيل. لا حل واقعياً لهذه القضية حتى في خطة مصر.
في الحقيقة، تتحدث الخطة عن إعداد قوة شرطة فلسطينية على يد مصر ودول أخرى. ولكن سيكون هدف هذه القوة ضمان النظام العام، ولا يمكنها إدارة حرب ضد حماس إذا قررت أن تثور ضدها. حتى الآن، لا يوجد اتفاق على قوة متعددة الجنسيات أو قوة عربية تشارك في إدارة القطاع، والدولة العربية الوحيدة التي عبرت عن استعدادها لإرسال قوات حتى الآن هي الإمارات، وقد وضعت شرطاً صعباً لمشاركتها. من هنا، حتى لو وافقت حماس على نزع سلاحها الهجومي فليس واضحاً من يوافق على الإشراف على عملية نزع السلاح، التي بدونها تبدو احتمالية تطبيق خطة مصر وتجنيد التبرعات لصالح إعادة إعمار القطاع، ضعيفة وتشبه الآن سقالة معلقة في الهواء بدون أسس، وكل هدفها طرح بديل لخطة التهجير التي طرحها ترامب.
في المقابل، خطة استئناف الحرب في قطاع غزة التي قد تترجم إلى أفعال، “فتح أبواب جهنم”، وتدمير حماس، لا تطرح أي حل لسيطرة بعيدة المدى في القطاع، وبالتأكيد ليس تحرير المخطوفين. ربما ستكون واسعة، وأكثر شمولاً وقتلاً من الحرب التي شنتها إسرائيل في القطاع، ولكن يجب معالجة شؤون 2 مليون من السكان بشكل مباشر، جزء من القوة العسكرية سينشغل بالأمور المدنية وتوزيع المواد الغذائية وتوفير الخدمات الطبية واستئناف التزويد بالكهرباء، وأن يصبح مع الوقت قوة احتلال دائمة تخضع للرقابة والتفتيش من قبل المجتمع الدولي، الأمر الذي يضع الولايات المتحدة أمام ضغط دولي وعربي بكونها الدولة العظمى التي ترعى نشاطات الجيش الإسرائيلي.
الاعتماد على “الترخيص” الجارف الذي منحه ترامب لإسرائيل عندما قال إنه “يرسل لإسرائيل كل ما تحتاجه لإنهاء العمل، ولن يأمن أي شخص من حماس إذا لم تنفذ حماس ما أقوله”، يجب أن تفحص نفسها بدقة في كل لحظة؛ لأن الأمر يتعلق بترامب، الذي أظهر في الفترة الأخيرة قدرة بهلوانية فريدة على تغيير مواقفه. في نهاية المطاف، هذا هو ترامب نفسه، الذي سمح لبوهلر (الذي قال إن الولايات المتحدة ليست وكيلة لإسرائيل) بإجراء محادثات مباشرة مع حماس، والذي يعتبر السعودية ودول الخليج، أكثر مما يعتبر إسرائيل، شركاء في إعادة تنظيم الشرق الأوسط.
تسفي برئيل
هآرتس 11/3/2025