عربي دولي

جنوب أفريقيا بوجه «الحرب الترامبية»: الطاقة سلاحاً

جنوب أفريقيا بوجه «الحرب الترامبية»: الطاقة سلاحاً

محمد عبد الكريم أحمد

أعاد تهكُّم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال كلمته أمام الكونغرس (4 الجاري)، بالعديد من الدول الأفريقية التي تتلقّى معونات أميركية، ومن بينها ليسوتو التي قال إن «أحداً لم يسمع عنها»، سياسات واشنطن الأفريقية إلى الواجهة، من زاوية عدم تراجع الرئيس الجمهوري عن تهديداته لدول القارة ومواصلته ازدراءها.

وبالتوازي مع ذلك، كشفت تقارير غربية عن صدور أمر من الخارجية الأميركية (6 الجاري) بالوقف الفوري لأغلب المساعدات الخارجية التي تقدّمها الولايات المتحدة لجنوب أفريقيا، تفعيلاً للأمر التنفيذي الرقم 14204 الصادر عن الرئيس الأميركي، في خطوة لا يمكن فصلها عن مضيّ بريتوريا في مسار دعواها ضدّ إسرائيل في «محكمة العدل الدولية»، على خلفية حرب الإبادة في قطاع غزة.

وفي ما يبدو دالاً على مواجهة الدولة الأفريقية «حرباً أميركية» شاملة، لاحظ مراقبون تعذُّر الوصول إلى مواقع العديد من الصحف والمنصات الإخبارية الجنوب أفريقية على الإنترنت، بينما عمدت الميديا الأميركية (فورين بوليسي، 10 الجاري) إلى وصف حال العلاقات بين البلدين بـ«الأسوأ منذ عام 1994».

وقف المساعدات الأميركية إلى جنوب أفريقيا: ما الجديد؟

وقّع وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، على توجيه بالتطبيق الفوري للقرار 14204، مطالباً «جميع الدوائر والمكاتب والبعثات (الأميركية) بوقف جميع الالتزامات و/ أو صرف المعونات أو المساعدات لجنوب أفريقيا». وبحسب برقية رسمية (اطّلعت عليها “الغارديان” البريطانية ونشرت مضمونها في السادس من الجاري)، فإن روبيو خوّل مدير مكتب المساعدات الخارجية، بيتر ماروكو، صلاحية تحديد ما إذا كانت ثمّة حاجة إلى استمرار برامج معونات محدّدة، لكنه لم يستثنِ من التوجيه، سوى برنامج مكافحة الإيدز «بيبفار» الذي ترعاه واشنطن، ويؤمّن علاجاً لملايين المرضى في جنوب أفريقيا.

ويتّضح من البرقية وما احتوته من إشارة إلى أن «جميع برامج المساعدات (إلى جنوب أفريقيا) تتطلّب تصريحاً خاصاً بالموافقة»، بما فيها تلك التي حظيت باستثناءات مسبقة في كانون الثاني الماضي، أن الدعوة هي إلى تجميد فوري لبرنامج «قانون الفرصة والنمو الأفريقي»، وتالياً حرمان قطاع الصادرات الجنوب أفريقي للولايات المتحدة (والذي تجاوز في عام 2023، حاجز الـ13 مليار دولار) من إعفاءات جمركية سخية، وفق هذا القانون. وسيكون قطاع الزراعة، الذي يهيمن عليه البيض، الأكثر تضرّراً من جرّاء القرار الأخير، ولا سيما أن ثلثي صادرات جنوب أفريقيا الزراعية إلى الولايات المتحدة (وأهمها الفواكه والموالح والنبيذ) كانت تتمتع بالفعل بإعفاء جمركي، وفق «أغوا».

وتزامنت الخطوة الأميركية مع إعلان وزارة العلاقات الدولية في بريتوريا (5 الجاري) إدانتها الشديدة لرفض إسرائيل السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وإغلاقها المعابر الحدودية. وجدّدت الخارجية الجنوب أفريقية مطالبتها المجتمع الدولي بمحاسبة إسرائيل وتأمين توصيل تلك المساعدات، مدينةً أيضاً «العمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية، والتي تمثّل تصعيداً خطيراً، وتهدّد على نحو متزايد المساعي الفلسطينية لتقرير المصير وقيام الدولة»، في ما يشي بعزم بريتوريا على المضيّ قُدماً حتى خط النهاية في قضيتها أمام «العدل الدولية».

استجابة بريتوريا: خفض توقّعات الأضرار

تصدَّر وزير العلاقات الدولية الجنوب أفريقي، رونالد لامولا، الذي يتابع في الوقت نفسه ملف دعوى الإبادة منذ توليه وزارة العدل في الحكومة السابقة، مشهد استجابة حكومته للقرار الأميركي وتبعاته. وأكّد، في خطاب ألقاه أمام البرلمان (6 الجاري)، بعد اقتباس دالّ لمقولة الزعيم الغاني الأسبق، كوامي نكروما، بأن بلاده «لا تتوجّه شرقاً ولا غرباً بل إلى الأمام»، أن بلاده لا تخشى قرار الولايات المتحدة مراجعة سياسة مساعداتها، فيما نبّه «حزب التحالف الديمقراطي» (الأبيض)، شريك «حزب المؤتمر الوطني الأفريقي» في الحكومة الحالية، إلى أن واشنطن لا تسعى إلى حماية سكان البلاد البيض، بل إن الأمر برمّته يتعلّق بـ«أجندة جديدة» تمثّلها الإدارة الأميركية.

ثمّة فرصة أمام البلدين لتحسين علاقاتهما الاقتصادية من باب تعزيز التعاون في قطاع إنتاج الغاز

ولفت لامولا إلى حلول الولايات المتحدة ثانية في ترتيب أكبر شركاء بلاده التجاريين بعد الصين (بلغ التبادل التجاري مع الأخيرة 34.18 مليار دولار في عام 2023)، ووجود 601 شركة أميركية توفّر 143 ألف وظيفة في بلاده، مقابل وجود 22 شركة جنوب أفريقية تستثمر في الولايات المتحدة وتوظّف نحو 6900 فرد؛ في إشارة إلى قدرة هذه الشركات على تجاوز المأزق الراهن، وكذلك قصور واشنطن في المقابل عن الاستغناء عن صادرات جنوب أفريقيا المهمّة، من مثل البلاتينيوم والمنجنيز والكروم ومعادن للتحوّل الأخضر والرقمي، وهي صادرات ترتبط بشركات أميركية كبرى.

واعتبر لامولا أن الأضرار الواقعة على قطاع الصحة في بلاده ستكون في حدودها الدنيا، في ظل خطو الحكومة خطوات كبيرة، وفق أجندة «الاتحاد الأفريقي 2063»، في مسار تحقيق «السيادة الصحية». وتعزيزاً لتصوّر لامولا، يلاحَظ أن التبادل التجاري مع الولايات المتحدة، في كانون الثاني الماضي، بلغ رقماً قياسياً في تاريخ العلاقات التجارية بين البلدين، إذ تجاوز حاجز 2.6 مليار دولار (منها 2.253 مليار في الشهر نفسه من العام الماضي)، فيما يُتوقّع استمرار هذا المنحى التصاعدي في الأشهر المقبلة.

ترامب والغاز الجنوب أفريقي

رأى خبراء جنوب أفارقة، قبيل التوتّر الأخير، أن ثمّة فرصة أمام البلدين لتحسين علاقاتهما الاقتصادية من باب تعزيز التعاون في قطاع إنتاج الغاز الذي تحتلّ جنوب أفريقيا المرتبة الـ30 عالمياً في إنتاجه، وسط توقّعات بوجود احتياطات كبيرة في المياه الإقليمية لبريتوريا في المحيط الهندي.

وعلى رغم تحذير الإدارة الأميركية لمعنيين في جنوب أفريقيا، خلال وجودهم في واشنطن ضمن بعثة «طرق أبواب»، من أن بريتوريا ستواجه مزيداً من الإجراءات العقابية الأميركية، فإن تطوّرات قطاع الطاقة في هذا البلد، في العامين الأخيرين، وتوقعات إنتاج الغاز بكميات ضخمة في الفترة بين عامَي 2025 و2030، ربّما تدفع واشنطن إلى إعادة النظر في مقاربتها الصدامية مع بريتوريا، أو على الأقل التوصّل إلى تفاهمات «طاقوية»، ستكون بدورها مؤثّرة في تهدئة الأزمة الحالية، خصوصاً أن الرئيس الجنوب أفريقي، سيريل رامافوسا، أعلن، مطلع الشهر الجاري، عزمه إعادة التفاوض على اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة.

على أيّ حال، يبدو أن سياسات ترامب الأفريقية قد وصلت إلى محطّة جديدة في جنوب أفريقيا، بمحاولته فرض خيارات صفرية تستهدف تحقيق مكاسب اقتصادية مباشرة لفاعلين في إدارته من مثل وزير الكفاءة الحكومية، إيلون ماسك (إضافة إلى قائمة أخرى من النافذين من أصول جنوب أفريقية، مثل ديفيد ساكس البارز في قطاع الذكاء الاصطناعي، والبليونير بيتر ثيل وهو من أبرز داعمي مساعي ترامب للوصول إلى السدة الرئاسية، وجول بولاك الذي كان من المرجّح تعيينه سفيراً لواشنطن في بريتوريا)، وابتزاز حكومة بريتوريا بقيادة «حزب المؤتمر الوطني» لثني الأخير عن مقارباته الخارجية، ولا سيما الموقف من الحرب في غزة، والجنوب العالمي.

ومن أجل ذلك، يجري استخدام أدوات خفض المساعدات ووقفها، وصولاً إلى مرحلة مرتقبة بفرض إجراءات عقابية ضدّ جنوب أفريقيا، تمثّل في نهاية المطاف أدوات ضغط ربّما تؤدي إلى نتائج غير متوقّعة وغير مؤاتية لترامب وإدارته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب