مقالات

«الحقيقة» وراء سيارة الحقيقة من يذوي أولاً: ماسك أم تسلا؟

«الحقيقة» وراء سيارة الحقيقة من يذوي أولاً: ماسك أم تسلا؟

يدرك دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي العائد إلى ولاية ثانية، وربما أكثر من غيره، سلطة الصورة التلفزيونيّة وتأثيرها على الجمهور، لا سيّما وهو المقدّم التلفزيوني العريق لبرنامج (أبرينتيس) الشهير. ولذلك، عندما قرر أن يدعم وزيره المقرّب إيلون ماسك – بعدما تراجعت مبيعات سيارات تسلا، التي يمتلك حصة كبيرة فيها بشكل دراماتيكي، اختار أن يعلن للعموم عن توجهه إلى معرض تسلا لشراء سيارة من هناك، واستدعى الكاميرات كي يراه العالم عبر الشاشات، بينما يتسلمها بالفعل ويصعد بجوار سائقه ليتحدثا عن ميزات السيارة الكهربائيّة الحمراء البراقة، التي حملت لوحة أرقامها أحرف كلمة تروث بالإنكليزية – أي الحقيقة، وهي تسمية قريبة لقلب الرئيس الذي سمى شبكته الخاصة للتواصل الاجتماعي بها (تروث سوشيال)، ولكن ما الحقيقة وراء سيارة (الحقيقة)، وهل هناك بالفعل خطر داهم على مستقبل تسلا التي تربعت لبعض الوقت على عرش السيارة الكهربائية الرائدة في العالم، أم أن سلوكيات الوزير السياسية المثيرة للجدل ستنتهي به إلى تدميره أعماله وحرق ثروته الفلكيّة؟

في عين العاصفة

يبدو أن تسلا تواجه تحديات كبيرة بالفعل، إذ أن الشركة شهدت أول تراجع سنوي في مبيعاتها العالمية في عام 2024 بعد سنوات من النمو السريع، ومس التراجع أرقام المبيع في ولاية كاليفورنيا – أكبر سوق لها في الولايات المتحدة – كما في أوروبا التي انخفضت المبيعات فيها خلال شهر يناير/كانون الثاني بما يقرب النصف، مع أن مبيعات السيارات الكهربائية إلى ارتفاع في مجمل القارة بشكل عام.
وبالطبع فإن هذه النتائج الكارثيّة سرعان ما انعكست على سعر سهم الشركة، الذي فقد أكثر من نصف قيمته مقابل أعلى نقطة وصلها في تاريخه، ومن المحتّم أن ثروة ماسك الشخصيّة فقدت من جراء ذلك نصف قيمتها الدفتريّة (حوالي 150 مليار دولار من أصل 320)، ناهيك أنّ ثقة المستثمرين الكبار في الشركة قد تهتز، ما قد يرفع من تكاليف الاستدانة للإنفاق على مشاريع التوسع والنمو، وقد يمتد تأثيرها السلبيّ إلى شركات الوزير ماسك الأخرى ستارلينك (لخدمات الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعيّة)، وسبيس X(للأنشطة الفضائية)، وتطبيق التواصل الاجتماعي X (تويتر سابقاً)، وكذلك مشروعه للذّكاء الاصطناعي (غروك).
ويدّعي محللون سياسيون أن بهلوانيات الوزير ماسك عبر تطبيق X، وهجومه السافر المتكرر على عدد من السياسيين الأوروبيين في غير ما بلد أوروبيّ – لا سيما بريطانيا وألمانيا – ودعمه الصريح لألوان اليمين الأوروبي المتطرّف، كذلك دوره كوزير للكفاءة الحكوميّة يقود ما يصفه البعض بعمليات متسرعة لفصل الموظفين وتفكيك المؤسسات البيروقراطيّة، كلها قادت بشكل أو آخر، إلى ما يشبه حملة مقاطعة – معلنة وغير معلنة – لشركاته توازياً مع تراجع ثقة الأسواق الماليّة التي ربما لا تتخذ موقفاً سياسياً محضاً بقدر قلقها من انشغال الوزير ماسك عن أعماله بالأنشطة الرسميّة إلى جوار الرئيس.

وعوامل بنيوية أيضاً

على أن نظرة فاحصة على سوق تسلا كـ(سيارة كهربائيّة) يظهر كذلك مجموعة معقدة من الظروف الاقتصادية غير المواتية التي تقاطعت على الشركة في هذا الوقت، ومنها مثلاً أن اللاعبين التقليديين مثل فورد وجنرال موتورز وفولكس فاجن ومرسيدس بنز التحقوا وبقوة بسوق السيارات الكهربائية، وهم – بعكس تسلا – يستفيدون من بنية تحتية مؤسسة عبر العقود سواء في التصنيع، أو شبكات الوكلاء الواسعة، أو ولاء المستهلكين لعلاماتهم التجاريّة لاكتساب حصص متزايدة من السوق الجديد. أضف إلى ذلك المنافسة الآتية من الصين حيث شركات مثل (بي واي دي) و(نيو) تكتسب سريعاً موطىء قدم في الأسواق التقليدية لتسلا، وتقدّم أسعاراً منافسة وابتكارات تكنولوجية مبهرة.
من ناحية أخرى، فإن فترة الثلاث سنوات الماضية – منذ اندلاع الحرب الأوكرانيّة – تسببت باضطرابات في سلاسل التوريد العالميّة على نحو أثر على قدرة تسلا بشراء كميات كافية من بعض المكونات الرئيسية للإنتاج مثل أشباه الموصلات وبعض المعادن الثمينة، الأمر الذي انعكس على الطاقة الإنتاجيّة للشركة، وزاد من معدل تكلفة تصنيع السيارة الواحدة.
وثمة أيضاً مشاكل في الجودة تكررت شكاوى العملاء منها مثل عيوب الطلاء، وفجوات في لوحة القيادة، ومكامن خلل في برمجيات كمبيوتر السيارة ما أسهم في تراجع ثقة الأسواق بـ(تسلا)، وتدقيقاً متزايداً من الأجهزة الحكوميّة فيما يتعلق بأنظمة السائق الآلي والقيادة الذاتية الكاملة التي تتميز بها الشركة، ومخاطر السلامة المحتملة.
وغير بعيد عن ديناميات الصناعة، فإن الخبراء المختصين يقولون إن المخاوف المتزايدة من الركود الاقتصادي تدفع المستهلكين بشكل عام إلى تأجيل عمليات الشراء الرئيسة مثل السيارات، ناهيك عن إن الارتفاع الملحوظ في تكاليف الإقراض بسبب ارتفاع أسعار الفائدة يجعل من اقتناء السيارات عملية أكثر كلفة عموماً، سواء كانت تقليديّة (تعتمد الوقود الأحفوري) أو كهربائيّة.
ومع ذلك كله، فلا يزال بعض المحللين الاقتصاديين متفائلين بشأن إمكانيات تسلا على المدى الطويل، إذ إن علاماتها التجاريّة لا تزال تتمتع بالقوة كرائدة في التقنيات المبتكرة، ولا تزال متقدمة على معظم منافسيها في تكنولوجيا القيادة الذاتية، والذكاء الاصطناعي، وتقنيات تخزين الطاقة، وكلّها قد يمنح الشركة ميزة تفضيلية على أولئك المنافسين.

حكاية قلوب مليانة، وحلم يوتوبيا الأثرياء

ولكن أليس الوزير ماسك في المحصلة النهائية رجل أعمال ذكي، فلم يقدم على ما يقدم عليه من مخاطرة بمصالحه في وقت صعب للصناعة عبر تنكب دروب السياسة؟ الحقيقة، – لا اسم سيارة ترامب – أن كثيرين، وبسبب تسطّح التغطية الإعلاميّة وطبيعتها الضحلة والقصيرة المدى يفتقدون القدرة على التقاط الدوافع وراء السلوكيات والمواقف، ويكتفون بمتابعة الحدث على الشاشات – كما في همروجة تسلّم الرئيس ترامب لسيارته الجديدة.
يجب أن نتذكر هنا أن ماسك التحق بحملة الرئيس ترامب الانتخابيّة لا حبّاً بشخصه تحديداً – رغم تصريحاته المتكررة بعكس ذلك – وإنما تماهياً مع المشروع السياسيّ الذي يحمله ويمثله.
فالوزير ماسك، بوصفه من أثرى أثرياء الولايات المتحدة، لديه توجهات يمينية بفلسفة تتقاطع مع تيار سياسي متجذر في الثقافة السياسة الأمريكيّة يسعى إلى تغيير هيكل وديناميكيات السلطة بهدف استعادة نموذج مجتمع يوتوبي نقيّ أخلاقيّاً (وربما عرقيّاً وطائفيّاً أيضاً) يرى أنصاره أنّه قد حان وقته لإنقاذ البلاد من التهتك الذي ما لبثت تغرق فيه منذ بعض الوقت على يد (الديمقراطيين)، وأصبح يهدد بانحلالها. ولهذا التيار فلسفة مدونة ومعلنة من خلال جدول أعمال منشور منذ العام 2023 (مشروع 2025: تكليف بالقيادة، الوعد المحافظ) والذي يجمل خطة عمل متكاملة تستهدف تركيز السلطات الفيدرالية في الولايات المتحدة بأيدي فئة قليلة من النافذين.
لا يعتذر هذا التيار عن قناعته بأن تحقيق يوتوبيا أمريكا العظيمة يمر بالضرورة، عبر الإطاحة بحزم بجميع الظروف الاجتماعية القائمة من خلال تسليم السلطة إلى نخبة من الأفراد البارزين (أمثال دونالد ترامب وإلون ماسك وبيتر ثايل وغيرهم) تتولى عملية تفكيك الهياكل البيروقراطية القائمة واستبدالها بدولة ذات صلاحيات محدودة تختص أساساً بحماية الملكيّة الخاصة للأثرياء حقوق الأفراد، كأفراد لا كمجموع.
إذن الوزير ماسك ليس بمشاغب دولي كما قد يتبادر إلى الذهن، أو وفق ما تصوره وسائل الإعلام المناهضة لمشروعه، ولا هو ينطق عن الهوى، وإنما يتبع عقيدة وفلسفة ومدرسة سياسيّة تناضل لبناء يوتوبيا الأثرياء. يوتوبيا قد يراها الآخرون محض ديستوبيا مظلمة، تعلوها شارة تسلا، وتدعو نفسها بـ»الحقيقة». ولذلك ستبقى تسلا في عين العاصفة، أقله ما دام صاحبها بجوار الرجل البرتقالي مالك «الحقيقة».

٭ إعلامية وكاتبة – لندن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب