هآرتس: كيف بلورت دول الخليج محوراً بين طهران وواشنطن يتجاوز رغبة إسرائيل في الحرب؟

هآرتس: كيف بلورت دول الخليج محوراً بين طهران وواشنطن يتجاوز رغبة إسرائيل في الحرب؟
تعود ترامب على استخدام حسابه على شبكة “إكس” لإخبار العالم نيته الظهور وأي قرارات مصيرية اتخذها ضد حلفائه الأوروبيين، وأمام كندا والمكسيك أيضاً. التقدير أن ترامب يعرف كيفية استخدام البريد الإلكتروني. ورغم ذلك، قرر تبني قناة دبلوماسية قديمة، والرسالة المهمة التي يجب عليه إرسالها إلى الزعيم الأعلى في إيران، علي خامنئي، أرسلها عبر رسالة. كما في كثير من الخدمات البريدية، تباطأت رسالة الرئيس بضعة أيام قبل إعطائها إلى المبعوث، ويومين آخرين قبل وصولها إلى يد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، ومنه إلى خامنئي.
الأمور المهمة في الرسالة بكر ترامب في تلخيصها لجمهور مستمعيه العالمي ببضع كلمات، التي أوضح فيها “فنان الصفقات” بأنه يفضل إجراء المفاوضات مع إيران، وأنه من الأفضل تبني اقتراحه وإلا فستتعرض للرد العسكري. سارع خامنئي إلى الرد على التهديد حتى قبل قراءة الرسالة، وقال إن إيران لن تجري أي مفاوضات مع “إدارة بلطجية” وأن إيران سترد بضربة خاصة بها على التهديدات الأمريكية. قبل يومين، نشرت بعثة إيران في الأمم المتحدة بياناً يقول إن “إيران لن تجري محادثات إلا حول إمكانية تحويل مشروعها النووي إلى مشروع عسكري. ولكن إذا كان القصد هو أن يؤدي ذلك إلى تفكيك المشروع النووي للأغراض السلمية، فلن تجري هذه المفاوضات يوماً ما”. كما هو سائد، خطوة إلى الأمام وخطوتان إلى الوراء. كانت هذه طبيعة الحوار السابق، في حين لم يتم بعد تسلم الجواب رسمياً على رسالة ترامب.
الثلاثاء، كان بزشكيان هو من حدد نغمة الحوار السياسي. ففي الخطاب الذي ألقاه، وجه أقواله لترامب قائلاً: “في الوقت الذي تهددني فيه، لا أريد إجراء أي مفاوضات معك. افعل ما تريد”. ولكن بزشكيان، الذي دفع منذ بداية رئاسته إلى إجراء حوار مع الولايات المتحدة للتوصل إلى رفع العقوبات، بات رئيساً خائب الأمل، والقرار حول سياسة بلاده ليس في يده. بعد سبعة أشهر في هذا المنصب، التي بدأت بدعم كامل من خامنئي، وجد نفسه أمام برلمان مشاكس عزل وزير اقتصاده واتهمه بإهمال الاقتصاد. نائبه للشؤون الاستراتيجية، جواد ظريف، أجبر على الاستقالة بـ “توصية” من رئيس جهاز القضاء. لأن الشخص الذي له قرابة شخصية مع الغرب -حسب القانون- لا يمكنه العمل في وظائف رفيعة، وأولاد ظريف ولدوا في أمريكا ولديهم جنسية مزدوجة.
يواجه بزشكيان وحده تقريباً انتقاداً لاذعاً من المحافظين والإصلاحيين، ويواجه أيضاً أزمة اقتصادية شديدة تفاقمت وتثير في إيران قلقاً من اندلاع جديد للاحتجاجات والمظاهرات.
مع قيادة تتحدث بعدة أصوات، حال إيران مثل كل دول العالم، تجد صعوبة في معرفة إلى أين يسعى ترامب. هل عليها الخوف من أنها ستكون ضحية مصالحة بين ترامب وبوتين، كما حذرت قبل شهر وسائل إعلام إيرانية؛ هل اللقاءات التي جرت بين وفدي الولايات المتحدة وروسيا في السعودية وزيارة رئيس أوكرانيا زيلينسكي للرياض، تشير إلى تغير استراتيجي يجبر إيران على إعادة فحص قوة السور الدفاعي السياسي، الروسي والصيني، الذي يحيط بها؛ كيف تلائم بين تصريحات ترامب، الذي “يفضل المفاوضات على قصف إيران”، وبين التهديد الجديد بضربها إذا لم تجلس على طاولة المفاوضات.
الرد الأول الذي خرج الخميس من الكرملين على اقتراح ترامب، جاء من يوري أوشكوف، مساعد بوتين الذي شارك في المحادثات بالسعودية. “وقف إطلاق النار سيعطي لأوكرانيا فرصة لإعادة التنظيم، ولا يفيد روسيا”، قال أوشكوف. هذه الأقوال ظهرت كإشارة لنهاية مبادرة ترامب، وكان يمكن أن تهدئ إيران، لكن بعد بضع ساعات من ذلك، في مؤتمر صحافي عقده في الكرملين مع رئيس روسيا البيضاء، ألكسندر لوكاشنكو، بعث بوتين روح الحياة لوقف إطلاق النار عندما قال: “نوافق على اقتراحات وقف النشاطات العدائية. ولكننا نواصل على أساس حقيقة أن وقف النار يجب أن يؤدي إلى سلام بعيد المدى، يزيل الأسباب الأصلية التي خلقت الأزمة”.
تفسير مفهوم “الأسباب الأصلية” يحتاج إلى انتظار إلى حين التوصل إلى وقف إطلاق النار، هذا إذا تم التوصل إليه، وإلى آلية المفاوضات عقب ذلك. في الوقت نفسه، لن تكتفي إيران بالجلوس على المنصة وانتظار انتهاء أو انهيار المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا. عليها الاستجابة إما إلى دعوة ترامب للجلوس على طاولة المفاوضات، أو الاستعداد للحرب.
الأوراق المتبقية لدى إيران لاتخاذ قرار استراتيجي كهذا ليست مؤثرة كما يبدو. لم يبق الكثير من “حلقة النار” التي أقامتها للدفاع عن نفسها من هجمات إسرائيل وأمريكا. ربما يمكن لحزب الله المس بإسرائيل، لكن لبنان الذي يحاول ترميم نفسه وبدأ في إجراء مفاوضات مع إسرائيل حول ترسيم الحدود البرية، سيظهر ككابح ناجع أمام استئناف عمليات حزب الله العسكرية. وسوريا، التي شكلت لإيران مساراً لوجستياً حيوياً وقاعدة متقدمة لقواتها، تحولت في ظل أحمد الشرع إلى دولة عدوة لإيران. يبدو أن قدرة إيران على حدوث حرب أهلية جديدة في سوريا، أو القيام بثورة مضادة بقيادة بقايا نظام الأسد، محدودة جداً. المليشيات الشيعية في العراق تخضع لضغط الحكومة العراقية، بنزع سلاحها والاندماج في الجيش العراقي. الحوثيون ما زالوا يشكلون خطراً، لكنه ليس بخطر يردع هجوماً على إيران.
مصالح مشتركة
إن فحص قوة الردع التي بقيت لـ “حلقة النار” يعطي صورة جزئية فقط لوضع تهديد إيران. هو لا يأخذ في الحسبان قدرة إيران على تهديد جيرانها العرب، والمس بآبار النفط وحقول الغاز لديها، ووقف حركة الملاحة في الخليج الفارسي، ثم التسبب بأزمة طاقة عالمية، ولكن يبدو أنه تهديد يضع بيد دول الخليج أداة ضغط حقيقية لمنع الحرب ضد إيران. وهكذا، خدمة حلقة النار نفسها. هذه الدول جميعها أعضاء في النادي “المؤيد لأمريكا”، ولها علاقات دبلوماسية كاملة مع إيران (دولتان، الإمارات والبحرين، وقعتا على اتفاقات مع إسرائيل). ولهذه الدول سياسة علنية تعارض الحرب ضد إيران بسبب النتائج الواقعة عليها، وعلاقاتها مع طهران تنبع من هذه الرؤية.
بدأت الإمارات في تحسين علاقاتها مع إيران في 2019. وفي آب 2022، أي بعد ثمانية أشهر على مهاجمتها بالصواريخ والمسيرات الحوثية، استأنفت العلاقات مع طهران. والسعودية استأنفت علاقاتها قبل سنتين، والبحرين بعد سنة. خطط لهذه الدول أن تكون شريكة في حلف الدفاع الإقليمي ضد إيران، الذي كان من شأن إسرائيل أن تنضم إليه. في الوقت نفسه، رفضت الدعوة للانضمام إلى التحالف العسكري الذي أقامته الولايات المتحدة في البحر الأحمر، وزعماؤها يوضحون باستمرار أنهم لن يجعلوا أراضيهم قاعدة انطلاق للهجمات ضد إيران.
هذه استراتيجية تستند إلى نسيج متشعب لمصالح اقتصادية. والإمارات هي الشريكة التجارية الأهم لإيران في الشرق الأوسط العربي، مع حجم تجارة يبلغ 25 مليار دولار، والتطلع إلى توسيعه في هذه السنة إلى 30 مليار دولار. حوالي نصف مليون إيراني يعيشون في هذه الدولة، التي يعيش فيها حوالي 11 مليون شخص، بينهم فقط 1.100 مليون مواطن أصلي. أكثر من 7 آلاف شركة إيرانية بأحجام مختلفة تعمل في أبو ظبي. وحجم الاستثمارات الإيرانية في هذه الدولة يقدر بعشرات مليارات الدولارات. ليس صدفة أن أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لحاكم الدولة محمد بن زايد، هو من اختير لنقل رسالة ترامب إلى إيران. قرقاش الذي أجرى المفاوضات حول استئناف العلاقات بين طهران وأبو ظبي، زار طهران في بداية الشهر والتقى وزير خارجيتها في محادثات تركزت في إمكانية الدفع قدماً بالمفاوضات بين إيران والولايات المتحدة.
حجم التجارة بين السعودية وإيران أقل بدرجة كبيرة، لكن الدولتين تناقشان باستمرار توسيعها وتوسيع التعاون الأمني بعد اللقاء بين رئيس الأركان السعودي فياض الرويلي ونظيره الإيراني في تشرين الثاني. اختيار السعودية كدولة تستضيف لقاءات الوفود الأمريكية والروسية، وبعد ذلك المحادثات مع البعثة الأمريكية، وإرسالية البريد الإلكتروني مع إيران التي ألقاها على الإمارات، تشير إلى الدور الذي يخصصه الرئيس لدول الخليج في إدارة المفاوضات مع إيران، التي تستند إلى اعترافه بقدرتها على التأثير في سياستها.
أظهر ترامب في السابق مرونة أمام ضغط الدول العربية، لا سيما الدول الغنية من بينها، التي تضخ مليارات الدولارات في اقتصاد أمريكا. وفي حالة السعودية، فقد تعهدت باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة في فترة ولايته. وتراجعه عن فكرة تهجير سكان غزة، مثلاً، لم يأت بعد محادثات صعبة أجراها مع ملك الأردن والرئيس المصري؛ فقد ألقى قرار الجامعة العربية جانباً. لكن ثمة حاجة لتجنيد السعودية والإمارات لاستكمال خطواته. هاتان الدولتان تشكلان معاً خطة ترامب “الجزرة” التي ستعرض على إيران لموافقتها على التفاوض على المشروع النووي، وكذلك القناة التي ستتجاوز إسرائيل وتربط بين واشنطن وطهران مباشرة.
تسفي برئيل
هآرتس 14/3/2025