إسرائيليون يحذرون من “المغامرة” الجديدة.. الدوافع الحقيقية لهجمة “الصدمة والترويع” على غزة

إسرائيليون يحذرون من “المغامرة” الجديدة.. الدوافع الحقيقية لهجمة “الصدمة والترويع” على غزة
وديع عواودة
الناصرة- جدّدت حكومةُ الاحتلال العدوانَ على غزة بهجمات جوية عشوائية لا تزال متواصلة منذ فجر اليوم، وبدعم أمريكي معلن، وسط تلميحات بأنها ربما تستخدم وسائل أخرى، وتشكيك جهات إسرائيلية أيضًا بجدواها وبدوافعها وحساباتها.
حصيلة هذه الهجمات مئات الشهداء، معظمهم مدنيون، وفق تقارير من غزة. وهذا الدم الفلسطيني المسفوح من جديد داخل القطاع هو نتيجة خلط الحسابات من قبل نتنياهو، وهي مرشحة لأن تقتل المحتجزين، ما دفع منتدى عائلات المحتجزين للقول، في بيان، صباح اليوم، إن خوف العائلات الكبير قد تحقق، فالحكومة اختارت التنازل عن الرهائن، وطالب الرئيس ترامب بمواصلة العمل على إطلاق سراحهم.
وتابعت العائلات، في بيانها الهجومي على قرار الحرب: “لن يكون هناك أمن ولا نصر ولا نهضة حتى يعود آخر مختطف. نسأل الحكومة لماذا انسحبتم من الاتفاق الذي كان من الممكن أن يعيد جميع الرهائن”.
هل ستبقى الدول العربية والإسلامية صامتة على عدم احترام الاتفاق؟ وهل سيصمت العالم والمؤسسات الدولية على مذابح مروعة بحق الغزيين؟
ويعبر الطيار العسكري الجنرال في الاحتياط نمرود شيفر عن موقف هذا المنتدى، وعن رؤية أوساط إسرائيلية معارضة، بقوله للإذاعة العبرية الرسمية إن استئناف الحرب خطأ شنيع من شأنه أن يؤدي إلى قتل المخطوفين.
ويقر شيفر بمسؤولية إسرائيل عن انهيار القنوات الدبلوماسية بشكل واضح: “نحن الذين انتهكنا الاتفاق مع “حماس” ووقف النار. هل نتوقع أن تقبل “حماس” بذلك وبإملاءاتنا وأن تجلس وتنتظر حتى نذهب إليهم ونقتلهم؟ العالم الواقعي لا يعمل هكذا”.
يشار إلى أن حكومة نتنياهو قد أنهت الاتفاق برفضها تلبية مستحقات المرحلة الأولى من الاتفاق، كالانسحاب من محور صلاح الدين (فيلادلفيا) وإدخال البيوت المتنقلة وبقية المساعدات وفق “البروتوكول الإنساني” المتفق عليه، ورفض الدخول في مداولات الجولة الثانية.
ويؤكد الرئيس الأسبق للقسم السياسي الأمني في وزارة الأمن، الجنرال في الاحتياط عاموس غلعاد، في حديث للإذاعة المذكورة، أن معاودة الحرب لن تساعد في تحقيق الهدف الأعلى المتمثّل باستعادة المخطوفين، لافتًا إلى أن الوقت حان لاستعادتهم كافة دفعة واحدة ووقف الحرب فلا يوجد أهم من ذلك.
وهذا ما يؤكده مستشار الأمن القومي الأسبق، الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، الذي يعتبر العدوان الجديد مغامرة ربما تتعقد وتصبح أشد خطورة على المخطوفين وعلى الجيش، في حال اجتاح برًا.
ويقول في حديث للإذاعة ذاتها إنه لا يرجح أن تدفع هذه الضربات العنيفة “حماس” للإفراج عن الأسرى، بل ربما يكون العكس، فكلما اشتدت وزادت الضربات لن يتبقى أسرى أحياء لاستعادتهم.
جولة أم جولات؟
ويشي بيان مكتب نتنياهو وبيان جيش الاحتلال بأن هذه هي بداية العدوان إذا لم تُفرج “حماس” عن المخطوفين، وأنها ستستمر طالما استدعت الحاجة لذلك. ويلمحان إلى احتمال استخدام وسائل أخرى كالاجتياح البري.
وطبقًا لصحيفة “معاريف”، فإن خطة قائد الجيش الجديد أيال زامير تقضي باحتلال منطقة معينة والقيام بـ”تطهيرها” والبقاء فيها. وهذا ما يفسّر دعوة الناطق بلسان جيش الاحتلال للغزيين بالرحيل غربًا. وربما للنظر في هذين السؤالين وغيرهما، يعقد نتنياهو اجتماعًا أمنيًا في مقر وزارة الأمن في تل أبيب عند الساعة الحادية عشرة قبيل ظهر اليوم.
ويحظى هذا الهجوم الجديد بضوء أخضر أمريكي عقب تهديدات ويتكوف، قبل أيام، لـ “حماس”، حيث صادقت الناطقة بلسان البيت الأبيض، في حديث لشبكة فوكس نيوز، الليلة الفائتة، على ما قالته مصادر إسرائيلية رسمية بأنها أطلعت الإدارة الأمريكية مسبقًا على قرار الهجمة الجديدة التي تصفها حكومة الاحتلال بـ”المباغتة” مستذكرة “فتح أبواب الجحيم”.
وفي محاولة لتضليل “حماس”، ومحاولة مباغتتها ودفعها للتراجع والخضوع بـ”الصدمة والترويع الناري المتوحش”، كانت حكومة الاحتلال قد أكدت أمس أنها أرشدت طاقم المفاوضات بمواصلة التفاوض في القاهرة. ومن جهة أخرى، قالت تسريبات في إسرائيل إنها لاحظت تحركات في القطاع لمهاجمة مستوطنات، وهذا تمهيد لتبرير قرار معاودة العدوان، ومنع تصاعد احتجاجات الشارع الإسرائيلي الراغب بوقف الحرب، ومنح الأولوية لإطلاق الأسرى.
توقيت الهجوم
وعن توقيت هذا الهجوم، يشار إلى أنه يتزامن مع عدة تطورات داخلية، وليس فقط مع انتهاك الاتفاق وفشل مساعي الوساطة، منها إقالة رئيس الشاباك رونين بار، قبل يومين، لعدم وجود ثقة لدى نتنياهو به، وفق التعليل الرسمي، والذي جاء للتغطية على الدوافع الحقيقية: التحقيقات مع مستشاري نتنياهو في موضوع علاقتهم مع قطر، علاوة على الرغبة في تثبيت تهمة السابع من أكتوبر بالمستوى السياسي، والسيطرة على جهاز الشاباك وجعله شرطة سرية سياسية، والانتقام من بار، بعدما أرسل رسالة له، قبل أيام، تعتبر لائحة اتهام له وللمستوى السياسي. وتنشر صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم، مضمونها الكامل.
ويبدو أن نتنياهو اختار موعد تجديد العدوان بعد يومين من إقالة بار كي يخرس الأصوات المعارضة للحرب داخل المؤسسة الأمنية، وكي يضعف احتجاجات الشارع التي بدأت تتحرك، مراهناً على أن الإسرائيليين سيتردّدون في التظاهر في ظل الحرب، وعلى وقع صوت المدافع.
هذا العدوان يتزامن مع قرب عودة الوزير المستقيل بن غفير للحكومة، كما تفيد مصادر إعلامية عبرية، منوهة، صباح اليوم، إلى أن هناك مفاوضات متقدمة بهذا الخصوص. وهذا ما يؤكده بيان حزب بن غفير، “القوة اليهودية”: “نرحب بعودة إسرائيل بقيادة رئيس الوزراء نتنياهو للقتال المكثف. كما قلنا في الأشهر الأخيرة عندما انسحبنا من الحكومة، يجب على إسرائيل أن تعود للقتال في غزة”.
وتنعكس العلاقة السببية بين عودة العدوان وعودة بن غفير المحتملة في كاريكاتير صحيفة “يديعوت أحرونوت” قبيل الشروع في الهجوم على غزة، حيث يبدو بن غفير وسموتريتش لجانب بعضهما البعض يصرخان وأمامهما نتنياهو يركل بار ويطرده، وهما يقولان بسخرية “كافتهم الآن”.
من يدفع ثمن الحرب؟
رسميًا يُقال إن الهجمة الجوية جاءت الآن لضمان عنصر المفاجأة والخديعة من أجل استعادة المخطوفين، لكن الهجمة تصب الماء على طاحونة نتنياهو وحكومته: استبعاد لجنة التحقيق الرسمية، إضعاف الاحتجاجات الجماهيرية المتوقعة على إقالة بار، وتلبية شروط شركائه للبقاء في الحكم وفي التاريخ، لا سيّما أنه هو الآخر مسكون بجنون العظمة ويرى نفسه سيد الأمن، ويستصعب التسليم بفشل الحرب حتى الآن.
يستفيد نتنياهو من هذا التصعيد الذي يسفح دم الفلسطينيين وينتهك الاتفاق مع الوسطاء ويستخف بهم، حيث يتيح له فرصة جديدة لإلغاء مثوله في محكمة الفساد
هذه الرغبة في ضربة استباقية لمنع احتجاج واسع بعد بيان إقالة بار تفسر القرار بتبكير موعد اجتماع الحكومة من الأربعاء إلى اليوم الثلاثاء، بار الذي شارك في اجتماع المصادقة على العملية العسكرية.
يستفيد نتنياهو من هذا التصعيد الذي يسفح دم الفلسطينيين وينتهك الاتفاق مع الوسطاء ويستخف بهم، حيث يتيح له فرصة جديدة لإلغاء مثوله في محكمة الفساد، ويصرف النظر عن التحقيقات داخل مكتبه ومع أقرب مستشاريه.
وهل يمكن لهذه الهجمة المرشحة للاستمرار والتحول إلى حرب أن تحقق أهدافها التي لم تتحقق في الحرب الأولى، مع وجود ترامب المؤيد، بخلاف بايدن، لحرمان الغزيين من الماء والغذاء؟ ومع وجود قائد جديد لجيش الاحتلال يطمح لإثبات نفسه من خلال هجمات متوحشة؟
يشكك حتى مراقبون إسرائيليون بذلك، خاصة أن نتنياهو يرفض وضع خطة لاستبدال “حماس”، ويرفض عباس أيضًا، ويحذرون من تبعات العدوان على المخطوفين نتيجة القصف العنيف، ومن مقتل عدد كبير من الجنود في حال بادر الجيش لاجتياح بري.
ويتساءل هؤلاء أيضًا: هل ستبقى الدول العربية والإسلامية تصمت على عدم احترام الاتفاق؟ وهل سيصمت العالم والمؤسسات الدولية على مذابح مروعة بحق الغزيين؟