«الجنسية الأردنية» و«عمر بن الخطاب»

«الجنسية الأردنية» و«عمر بن الخطاب»
بسام البدارين
حسنا… قالها وزير الداخلية الأردني الشهر الماضي وكررها الأسبوع الحالي: «المواطن» هو كل من يحمل الرقم الوطني، سواء حصل عليه أمس بسبب الاستثمار أو حظي به من أيام عمر بن الخطاب.
تلك عبارة طبعا تعني الكثير، وإن كانت ترد على بعض المتقولين، لكنها عبارة حاسمة فيها قول فصل، حتى لا تسترسل الفئة القليلة التي تدس السم في الدسم، خصوصا عبر منصات التواصل الاجتماعي في حرفتها ومهنتها لتعزيز الانقسام، وترويج ثقافة الكراهية أو التمييز بين الأردنيين من حيث حقوقهم القانونية والدستورية على طريقة «خيار وفقوس».
طبعا لا يملك أي صاحب ضمير إلا التصفيق لطرح الدولة السيادي لأن الدولة هنا هي التي تتحدث، وتقول بوضوح إنها كفيلة بالدفاع عن جميع أبنائها ورعاياها ومواطنيها، وبالنتيجة التصدي لكل تلك التعبيرات الانقسامية الانعزالية التي زاد معدل ظهورها عمليا وسط الذباب الإلكتروني بعد تداعيات معركة طوفان الأقصى، وظهور حاضنة اجتماعية عريضة وسط الأردنيين، لا تناصر المقاومة وفصائلها برأينا إيمانا بتلك المقاومة، بقدر ما تؤمن حقا بأن الخطر اليميني الإسرائيلي قادم ويطرق كل أبواب الأردنيين. خطر مشروع اليمين الإسرائيلي لن يقرأ سجلات الأحوال المدنية قبل هجمته على الأردن دولة وشعبا.
وعصابة تل أبيب لن تقرأ صفحة الأصول والمنابت، ولن تناقش بالمكونات، فهدف المشروع تحويل كل الشعوب العربية في جوار فلسطين بدون استثناء إلى عبيد في تلك المزرعة الإسرائيلية المتوحشة.
المدلول والمعنى واضحان والشعب الأردني بطبيعته وبتكوينه الثقافي والسلوكي وتربيته هو الأقرب إلى القضية الفلسطينية، والأردني الذي شاهد قنابل زنة 2000 طن تحرق الأطفال مع الإسمنت والنساء مع الجدران في جباليا أو مخيم جنين يشعر طبعا بأنه الهدف التالي شخصيا ومؤسسيا.
لذلك نفترض بأن وزير الداخلية الواضح يرد على سموم الذباب الإلكتروني الذي يحاول بعضه إما بجهل أو بقصد تسميم المناخ الاجتماعي وسط الأردنيين بطريقة لا تخدم إلا أعداء الشعبين الفلسطيني والأردني.
أحسن الوزير القول بالتأكيد وعلينا ملاحظة أن ما قاله عن الأرقام الوطنية وحماية الدولة بجدية لوثائقها ومواطنيها ورعاياها أعقبه زيارة مهمة قام بها لوحدة الجرائم الإلكترونية، الأمر الذي يعني أن الرسالة السيادية وجهت لقلة قليلة تعرف بأنها الطرف المخاطب هنا.
الأردني الذي شاهد قنابل زنة 2000 طن تحرق الأطفال مع الإسمنت والنساء مع الجدران في جباليا أو مخيم جنين يشعر طبعا بأنه الهدف التالي
الأردن الذي لا مجال للمزاودة عليه في ثوابت دعم حقوق الشعب الفلسطيني، وهو ذاته يمثل الدولة التي لن تقبل بوجود بعض الآراء المندسة أو المختلة المريضة التي تفتت في عضد الدولة، وهو حصرا التعبير الذي اختاره وزير الداخلية في رسالة مكررة يفترض أن يلتقطها ثم يفهمها كل متورط أو مخالف للقانون.
ما يبقى علينا الآن بعد كل هذا التأكيد والوضوح تجنب الفوارق المعتادة المكررة بين الأقوال والأفعال، وما تقوله وزارة الداخلية في السياق المقصود المباشر، ينتج عنه مسؤوليات على الجميع في بقية مؤسسات الدولة، وأيضا في خارطة المؤسسات الأهلية والمدنية والحزبية والاجتماعية.
التصدي للعبث الذي يحاول زعزعة إيمان الأردنيين بدولتهم واجب المجتمع قبل الحكومة.
وهنا لا بد من القول: المجموعة البشرية في الأسرة الواحدة والعائلة والقبيلة والعشيرة والمخيم والقرية والمدينة عليها التحرك بدورها لرصد ومساءلة ومحاسبة وعزل الأصوات النكرة التي تبرز هنا أو هناك، بدلا من التواطؤ بالصمت معها أو الابتسام في وجهها.
من يساهم في تفتيت عرض الدولة في هذه المرحلة الحساسة مجرم بالمعنى الجنائي والوطني، وجريمته لا تقل خطورة عن ما يمكن أن يرتكبه بحق الوطن أعتى المجرمين.
قالت وزارة الداخلية ما قالته. لكن المطلوب من الحكومة ومجلس النواب نفض التشريعات القاصرة، وتحصين البنية التشريعية في صيغة تؤدي إلى تجريم حقيقي وعلى قاعدة «من أمن العقوبة أساء الأدب» فالأصوات النشاز لابد من محاسبتها عندما تقدم تعليقاتها المشؤومة، وهي ترتدي زي الثعلب الواعظ أو تزعم الوطنية.
الاعتبار الوحيد الذي ينبغي احترامه بعد الآن لا علاقة له لا بالحق المنقوص ولا بالحق المكتسب، وهو ذلك الاعتبار الذي يعني بأن الوحدة الوطنية لا تنقسم على ذاتها ولا تقبل القسمة أصلا، والجميع معني بالسهر عليها لأن من يؤمن بدعم القضية الفلسطينية هو من يؤمن بصلابة الأردن ومساندة صلابة موقف الدولة.
ثمة واجبات في السياق على الأطراف الأخرى، أهمها نبذ الفرقة اجتماعيا وترشيد وعقلنة الخطابات والالتقاء معا إلى مستوى التحدي والمخاطر التي تحيق بالوطن الأردني بعد الفلسطيني «المحتل».
أحسنت الحكومة القول بالتأكيد. لكن الحاجة ملحة لأفعال على مستوى الأقوال البيضاء، ولحزمة تشريعات تحرم بعد الآن المساس بالمواطنة، وتجعل التفريق بين الأردنيين مهمة محفوفة بالمخاطر، تخالف القانون والدستور واتجاهات وخيارات الدولة، على أن يعاقب كل من يحترف هذه النميمة المختلة بصيغة رادعة توفر الغطاء المرجعي والاجتماعي لإعادة بناء منهجية المواطنة.
إحسان القول يعقبه «تجويد الفعل».
إعلامي أردني من أسرة القدس العربي