«مجزرة الساحل» بلسان الناجين: لا أمان لـ«دولة الجولاني»!

«مجزرة الساحل» بلسان الناجين: لا أمان لـ«دولة الجولاني»!
بعد مرور أكثر من أسبوعين على المجازر التي ارتكبتها فصائل تابعة للإدارة السورية الجديدة بحق أبناء الساحل السوري من الطائفة العلوية بشكل خاص، تواصل هذه الفصائل والمجموعات المنبثقة عنها تنفيذ جرائمها البشعة بصمت، بعيداً من أعين الإعلام.
وقد دفعت هذه الانتهاكات المروّعة مئات العائلات، التي لجأت إلى قاعدة حميميم الروسية منذ السادس من الشهر الحالي، إلى رفض مغادرتها، مطالبةً بتأمين حماية دولية لها. وفي حديث مع موقع «الأخبار»، يقول مجدي، ابن مدينة حميميم وأحد الذين لجأوا إلى القاعدة، إن «عناصر الأمن العام المتواجدين أمام المطار الروسي يحاولون يومياً دخوله بحجج مختلفة، مثل مصادرة الأسلحة أو إلقاء القبض على مطلوبين، ما أسفر عن عدة حوادث تصادم مباشر بين الأمن السوري والقوات الروسية التي ترفض إدخالهم».
ويضيف أن «الحكومة السورية ترسل يومياً حافلات إلى أمام القاعدة لنقل الأشخاص الراغبين في العودة إلى قراهم، غير أنها غالباً ما تبقى فارغة حتى ساعات المساء، ما يضطرها إلى الاستعانة بمدنيين من خارج القاعدة وتصويرهم على أنهم ممن قرروا مغادرتها، وذلك بهدف إيصال رسالة إلى المجتمع المحلي والدولي بأن الأوضاع في المنطقة بدأت تعود إلى طبيعتها».
في هذا السياق، تنفي مصادر أهلية داخل القاعدة لموقع «الأخبار» مضمون المنشور الذي تم تداوله أخيراً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والذي زعم أن الجانب الروسي وزّعه وطلب فيه من الأهالي العودة إلى قراهم، مؤكدين أن «المنشور تم إدخاله إلى القاعدة ووُزّع من قبل أشخاص مندسّين».
ويؤكد مجدي أن «الجرائم لا تزال مستمرة على عكس ما يتم الترويج له بشأن عودة الأمن إلى المنطقة»، كاشفاً عن «حادثة اختطاف تعرّضت لها امرأة أرملة مع أولادها داخل منزلها بعد عودتها من القاعدة».
ووفقاً لمجدي، فإن «بعض الأهالي، من الذين فقدوا منازلهم خلال الأحداث الأخيرة، قرروا الخروج برفقة الأمن العام، وتمّ وضعهم في المدينة الرياضية في اللاذقية، التي تقع بالقرب من نادي الضباط، حيث تتواجد فصائل أجنبية خارجة عن سيطرة الدولة والمتعطشة للمزيد من العنف، ما يثير المزيد من المخاوف حول مصير هؤلاء».
«إرهاب ممنهج» بحق العلويين
بالعودة إلى «الخميس الأسود»، يوضح سلمان، ابن قرية حميميم وأحد الذين لجأوا إلى القاعدة الروسية، أن الأمر لم يبدأ في ذلك اليوم. ويشير، لموقع «الأخبار»، إلى أن «أبناء الطائفة كغيرهم من السوريين، فرحوا بسقوط النظام السابق وزوال الطاغية، لكنهم فوجئوا تباعاً بالانتهاكات التي بدأت تطاولهم، من عمليات اختطاف واعتقالات عشوائية ومسيرات معادية وغيرها». ويلفت إلى أن «الأمر تمّ تصويره على أنه انتصار على العلويين، علماً أنهم من أفقر الطوائف في سوريا، وزعيمهم هو نفسه المسؤول عن إفقارهم».
يؤكد مجدي الأمر نفسه، ويضيف أن ما حدث خلال الأشهر الماضية «لم يكن هدفه محاسبة عناصر النظام السابق كما رُوِّج»، بل كان «إرهاباً ممنهجاً بحق الطائفة العلوية». ويبيّن أنه هو نفسه «تعرّض للتوقيف والاعتداء عدة مرات على حواجز الأمن العام، رغم أنه لم يكن له أي علاقة بالجيش السابق، وحتى إنه تم إعفاؤه من الخدمة الإلزامية لأنه وحيد والديه».
أما عن «القشة التي قصمت ظهر البعير» وأدّت إلى تأزم الأوضاع في السادس من آذار، فيقول مجدي إن الأحداث بدأت عندما توجّهت أرتال من الأمن العام إلى قرية الدالية في منطقة جبلة التابعة لمحافظة اللاذقية لإلقاء القبض على «مطلوب»، حسب زعمهم. فرفض ذوو المطلوب تسليمه، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات بين الأمن وأهالي القرية.
بدوره، يضيف سلمان أن هذه الحادثة سبقتها مطالبات من أهالي المنطقة بمحاكمة من تمّ اعتقالهم خلال الأشهر الماضية بالتهمة التي باتت تُعرف بـ«فلول النظام»، وإطلاق سراح الأبرياء منهم. ومع ذلك، «تمّ تجاهل هذه المطالب»، وكان الجواب دائماً «سننظر في الأمر لاحقاً»، وفقاً لسلمان.
بعد هذه الاشتباكات، يروي سلمان أن «القصف بدأ يستهدف أهالي القرية من الكلية البحرية في جبلة، ثم تطورت الأمور بتدخل الطيران المروحي، وأصبحت أصوات إطلاق النار تُسمع في كل مكان». ولا ينكر مجدي تعرّض عناصر «الأمن العام» على الحواجز وفي الثكنات العسكرية للاعتداء، «ربما كردّ فعل»، لكنه يشير إلى أن المجموعات التي قامت بهذا الأمر «ظهرت بيننا بسرعة، ثم اختفت بعد ساعات»، ما يثير العديد من التساؤلات، على حدّ قوله.
أما عن اليوم التالي، الذي شهد العدد الأكبر من المجارز، فيبين مجدي أنه «بعدما أعلنت وزارة الدفاع السورية السيطرة على الأمن في المنطقة، خرجت بعض العائلات من القاعدة ظناً منها أن الأوضاع قد عادت إلى طبيعتها. إلّا أنها فوجئت بدخول تعزيزات عسكرية وأرتال وفصائل محلية وأجنبية، بدأت بارتكاب الجرائم بحق السكان بالتزامن مع دعوات للجهاد ضدّ النصيريين».
هنا، بدأت جثث القتلى «تتساقط كأوراق الخريف» من جميع الجهات، و«أصبحنا نزفّ الشهداء المدنيين بالجملة، ولم نعد ندرك من معنا ومن ضدنا»، يقول مجدي.
وعن «اللجنة الأممية» التي قيل إنها جالت في الساحل بهدف تقصّي الحقائق، يرى سلمان أنها «لم تكن لجنة حقيقية، بل كانت مجرد حيلة استخدمتها الفصائل لطمس الأدلة»، مُتهماً فصائل «بعد دخول هذه اللجان المزيفة، بقتل كل من صوّر ووثّق وشهد على الجرائم المروّعة».
لا مكان للصلح مع «الدولة الإرهابية»
بالنسبة إلى الوضع الإنساني داخل القاعدة، يقول سلمان إن «الوضع جيد، فالناس يحصلون على الطعام والماء ويشعرون بالأمان، لكنّ هناك اكتظاظاً كبيراً»، إذ إن القاعدة «ليست مجهّزة لاستيعاب هذا العدد الكبير من الأشخاص»، الذي يقدّر بحوالى 9,000 شخص، بحسب وزارة الخارجية الروسية.
وفي حين يوضح سلمان أن «الإغاثات بدأت بالتوافد إلى القاعدة مباشرة من خلال الروس أو عبر أفراد ومجموعات مدنية»، يؤكد في الوقت نفسه أن الأهالي يرفضون أي مساعدات تأتي عبر «الهلال الأحمر العربي السوري»، لأنهم يعتبرونه «جزءاً من الدولة السورية التي قتلت أبناءهم».
كما يتهم مجدي الدولة بأنها «تحاول التضييق على الأهالي لإجبارهم على الخروج، عبر منعها وصول أي مساعدات إليهم، وإيقافها السيارات والشاحنات التي ترسلها مجموعات غير حكومية إلى القاعدة، وتصادر محتوياتها وتعتقل سائقيها».
ختاماً، يُعيد الشابان تأكيد أن الأهالي «لن يخرجوا من القاعدة إلا بعد تحقيق مطالبهم، التي تشمل تأمين حماية دولية لهم، والتحقيق في الجرائم التي ارتُكبت عبر محكمة دولية، ومحاسبة مرتكبيها، وإشراك جميع المكوّنات السورية في العملية السياسية». والأهم من ذلك، «عودة الأمن والأمان إلى البلاد، التي لم تعرف الاستقرار منذ عقود».
الاخبار