تحقيقات وتقارير

فضائح الفساد والاستبداد… هل توقظ الشارع الإسرائيلي ضد نتنياهو وتستعيد الصفقة؟

فضائح الفساد والاستبداد… هل توقظ الشارع الإسرائيلي ضد نتنياهو وتستعيد الصفقة؟

الناصره / وديع عواودة

 تزامناً مع تجدد العدوان على غزة، يتصاعد السجال الداخلي في إسرائيل، ليس فقط حول من يحكمها، بل حول هويتها وطابعها، حيث تتحول إلى نظام حكم ظاهره ديمقراطي إجرائي وجوهره استبدادي ظلامي على غرار دول شرق أوروبا، وفيها “ملك بلا مملكة”، وفق تحذيرات مراقبين إسرائيليين.

في الوقت ذاته، يبدي الشارع الإسرائيلي إشارات يقظة، لكن ليس من الواضح ما إذا كانت ستتصاعد بما يكفي لفرملة نتنياهو، الذي يتهم من جديد “الدولة العميقة” بسرقة الحكم.

تجتمع حكومة الاحتلال برئاسة نتنياهو الليلة للنظر في موضوع واحد فقط، وهو المصادقة على إقالة رئيس “الشاباك”، رونين بار، خلال شهر، بذريعة فقدان الثقة به وعدم انصياعه للمستوى السياسي. وسارعت المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهراف ميارا، للتحذير من أن الإقالة غير قانونية، كونها لا تتم من خلال صيرورة قانونية مستحقة تشمل توصية لجنة استشارية تابعة لـ “لجنة تعيين كبار الموظفين”.

في المقابل، تدعي الحكومة أنه لا حاجة لهذه الصيرورة، رغم قرار حكومي سابق بذلك منذ 2016، وذلك بسبب طابع الإقالة العاجل وأثرها.

كذلك، فإن المستشارة القضائية لحكومة الاحتلال نفسها مرشحة للإقالة، يوم الأحد القادم، بدعوى معارضتها للحكومة في كل صغيرة وكبيرة وتحركها دوافع سياسية.

 بدون كلاب حراسة

ويبدو أن نتنياهو، صاحب التجربة السياسية الطويلة، وهو رئيس الحكومة للمرة السادسة اليوم بعد تشكيل حكومته الأولى في 1996، يستغل حالة الإرهاق واليأس في الشارع الإسرائيلي بعد فترة احتجاجات واسعة وحرب طويلة مكلفة، لاستكمال خطة “الانقلاب القضائي” التي بدأها في 2023.

يبدو أيضاً أن عودة ترامب للبيت الأبيض وتصرفه كأنه الحاكم بأمره في الداخل والخارج دون اكتراث للقانون أو الأخلاق، شجعت وألهمت نتنياهو لمحاولة استكمال إبعاد “حراس العتبة”، ليفعل ما يريد بـ”العزبة” الإسرائيلية دون نباح كلاب الحراسة، ودون نواطير حقيقيين، مستغلاً ضعف المعارضة وانقسامها تحت قيادة يائير لبيد.

في ظل ذلك، تبدو إسرائيل مركبة بلا فرامل، وملك بلا مملكة يحكمها “لويس الرابع عشر” الإسرائيلي. بحال نجح بهذه التغييرات، قد يتمكن نتنياهو من أن يقول “أنا الدولة والدولة أنا”.

كل هذا يجري وسط استمرار التحريض على “اليسار الصهيوني” و”الدولة العميقة”، المتهمتين بأنهما تسرقان حكم السياسيين المنتخبين لصالح موظفين، كما فعل نتنياهو في شريط فيديو ليلة أمس.

ووفقاً للإذاعة العبرية الرسمية، فإن نتنياهو يجتر اتهاماته لـ “الدولة العميقة” ولمؤسسات الدولة وأركانها، لكنه يصمت عن الفضيحة المشتعلة داخل مكتبه.

الفساد في القمة

وتشير الإذاعة بذلك إلى تفاقم قضية علاقة ثلاثة من مستشاري نتنياهو المقربين في مكتبه بقطر، بعدما قيل إنهم حصلوا على أموال منها عبر مستشار إعلامي يعمل مع حكومة الدوحة. وقد اعترف رجل أعمال إسرائيلي بأنه نقل الأموال نقداً لهم، ما دفع الشرطة الإسرائيلية لاعتقال اثنين من المتورطين ليلة أمس. تثير هذه القضية تساؤلات وانتقادات حول مسؤولية نتنياهو في السماح لقطر بإدخال ميزانيات ضخمة إلى قطاع غزة، ما مكّن “حماس” من بناء قوتها العسكرية.

في هذا السياق، قال المفتش السابق للشرطة روني الشيخ، في مقابلة مع إذاعة جيش الاحتلال، إنه يشعر بالصدمة إزاء هذه الفضيحة، متسائلاً كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ وما علاقة نتنياهو بوصول هذه الأموال إلى مستشاريه بعد معرفته بوصول مئات ملايين الدولارات إلى “حماس”؟ يرى الشيخ أن هذه القضية تعزز الحاجة لتشكيل لجنة تحقيق رسمية بشأن كل ما يتعلق بالحرب وما سبقها. ويتفق مع مراقبين آخرين في أن الفساد المستشري يمثل خطراً أكبر على إسرائيل من أعدائها، حيث يفككها من الداخل، كما دلّت تجارب التاريخ حين انهارت إمبراطوريات بسبب الفساد الذي ينخر فيها.

على طريق هنغاريا وبولندا

على خلفية هذه التحولات العميقة، وتصاعد جهود مضاعفة الاستبداد والفساد، تحذر أوساط في إسرائيل من تفريغ نظامها الديمقراطي من مضمونه، بتحويله إلى ديمقراطية إجرائية تتحكم فيها الأغلبية وتدوس كل من يعارضها، كما يحدث في دول شرق أوروبا مثل بولندا وهنغاريا.

في هذا السياق، حذر البروفيسور مردخاي كرمنتسر، رئيس “معهد إسرائيل للديمقراطية”، في مقال نشرته صحيفة “هآرتس”، من أن الديمقراطية لا تموت بضربة سيف، بل تدريجياً.

هذا ما أكدت عليه الصحيفة في افتتاحيتها، متهمة حكومة نتنياهو ولافين بمواصلة الانقلاب على النظام، داعية الإسرائيليين إلى التصدي لهذه التحولات قبل فوات الأوان.

رغم تصاعد الاستبداد والفساد، يبدو أن الشارع الإسرائيلي يتحرك ببطء. في هذا السياق، أشار المعلق السياسي أوري مسغاف في صحيفة “هآرتس” إلى فشل الأجهزة الديمقراطية في حماية نفسها بين 2022 و2025، متسائلاً: “ماذا فعلتم عندما اغتال نتنياهو الديمقراطية؟”.

خيانة صاحبة الجلالة

وفي سياق آخر، اتهم المعلق السياسي جدعون ليفي الصحافة العبرية بخيانة مهنتها وأخلاقياتها. وأوضح أن التاريخ سيسجل أن وسائل الإعلام الإسرائيلية، في أغلبيتها الساحقة، كانت شريكة في جرائم إسرائيل في غزة، من خلال حجب الحقيقة ومنع رؤية المذبحة التي قتلت 400 شخص، منهم 176 طفلاً، في غضون عشر دقائق.

في سياق متصل، كتبت الصحفية الفلسطينية حنين مجادلة مقالاً ساخراً في “هآرتس” عن هذا السجال الإسرائيلي الداخلي، مشيرة إلى التناقض بين النضال من أجل الديمقراطية في إسرائيل والمذابح في غزة.

الرهان على العرب أم على الإسرائيليين

وسط هذه الأحداث الدرامية غير المسبوقة في إسرائيل، تبرز تساؤلات حول ما إذا كان الإسرائيليون سيتحركون لحماية النظام السياسي الحالي، وهل ستتزايد الاحتجاجات بشكل كافٍ لوقف الحرب وإتمام الاتفاقات التي انتهكها نتنياهو؟ يبدو أن الأيام القادمة حتى الأحد ستجيب عن هذه التساؤلات.

مع ذلك، يبقى الرهان على الشارع الإسرائيلي مغامرة خطيرة، خاصة أن نتنياهو يتجه نحو ارتكاب المزيد من الجرائم. ربما يكون الرهان على الدول الوسطاء والدول العربية ذات العلاقات مع إسرائيل أكثر جدوى، حيث إن انتهاك إسرائيل للاتفاقات يُعد استخفافاً بالعرب والمسلمين.

“تشرتشل” الإسرائيلي

نتنياهو الحالي أخطر مما كان عليه في الماضي، بسبب “أناه” المتضخمة وهاجسه بالتاريخ وجنون العظمة. يعتبره مؤيدوه “تشرتشل” الإسرائيلي، ويبدو كالنمر الجريح، رافضاً التسليم بنتائج الحرب الفاشلة. بدعم أمريكي وصمت عربي ودولي، يحاول كسر إرادة “حماس” والفلسطينيين بالقوة، رغم تحذيرات بعض المراقبين من أن هذا غير ممكن بسبب عقائدية “حماس”، وفقاً للدكتور ميخائيل ميليشتاين، المحاضر في الشؤون الفلسطينية في جامعة تل أبيب، الذي يتهم إسرائيل بعدم فهم المقاومة الإسلامية.

“القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب