فلسطين

الغزيّون بين نزوحَين: إعادة تدوير المأساة

الغزيّون بين نزوحَين: إعادة تدوير المأساة

عبد الله يونس

غزة | وسط دخان القصف الذي خنق هواء بيت لاهيا شمال قطاع غزة، صباح الـ18 من آذار، حملت عائلة عمار ما استطاعت من متاع قليل، وخرجت من منزلها المدمّر جزئياً، تبحث عن ملاذ آمن في حي الشيخ رضوان غرب مدينة غزة. ففي تلك الليلة، تعرّض قطاع غزة لغارات إسرائيلية مفاجئة راح ضحيّتها 400 شهيد، معلنةً انتهاء الهدنة.

يقول الأب عاطف عمار (45 عاماً)، لدى وصول العائلة إلى منزل أحد أقربائهم في حي الشيخ رضوان: «كنّا نتناول طعام السحور استعداداً لصيام يوم رمضاني جديد، وقد أعدّت زوجتي القليل من التمر والمياه والبسكويت. فجأةً، اهتزّ البيت كلّه، ووقع صوت الانفجار، وكأنه يوم القيامة. انهار جدار غرفة النوم على الأطفال، لكنّ الله كتب لهم النجاة».

وبعدما حوّلت الغارة، المنزل المجاور لمنزل العائلة إلى أنقاض، «لم أفكر بشيء سوى أن أحمل أولادي وأهرب بهم»، يضيف الرجل في حديثه إلى «الأخبار». وبعدها بساعات قليلة، أمر الجيش الإسرائيلي عدّة بلدات شمال وشرق قطاع غزة بالإخلاء إلى غرب القطاع، واعتبار أحيائهم السكنية مناطق قتال. وتوضح الأم، سامية (38 عاماً): «خرجنا من البيت بما نرتديه فقط. لم نحمل حتى مياهاً نشربها عند موعد الإفطار.

سمعت ابنتي الصغيرة تسألني: ماما، أين إفطارنا؟ لم أستطع الردّ. شعرت بأن قلبي يتمزّق». وتحكي الابنة الكبرى، رنيم (12 عاماً)، أنها لم تستطع النوم، «كنت خائفة أن تأتي الطائرة إلينا. كلّما أغمضت عيني، أسمع صوت انفجار، وأظنّ أن دورنا حان. دعوت الله كثيراً لأن يحمينا».

«لا أحد يعلم متى ستنتهي هذه الحرب. نحن نُطرد من بيوتنا وكأنّنا لا نمتلك حقّ البقاء»

ومع وصول العائلة إلى ملاذها، خرج الأب للبحث عن شيء لإعداده في وقت الإفطار، لكنه عاد خالي الوفاض. يقول: «المعابر مغلقة، والمحالّ إمّا مدمّرة أو فارغة. لا يوجد خبز، ولا مياه، وحتى المساعدات لا تصل. الناس بدأوا يتبادلون الطعام في ما بينهم، كل واحد يعطي ما يستطيع للآخر».

وفي بلدة بيت حانون شمال القطاع، كان السكان يخلون ما تبقّى من منازلهم وخيامهم هرباً من القصف الإسرائيلي المفاجئ. ومن بين هؤلاء، عائلة رائد أبو يوسف، التي عانت من النزوح المتكرّر، وكانت تأمل في أن تكون وجدت الاستقرار أخيراً في خيمة على أنقاض منزلها المدمّر.

لكن مع استئناف العدوان الإسرائيلي، وجدت نفسها مضطرةً إلى النزوح مجدّداً إلى مخيّم إيواء في جباليا. يقول أبو يوسف (41 عاماً)، لـ«الأخبار»: «اعتقدنا بأن الحرب انتهت، وأنّنا سنعيش بسلام في بيتنا. لكن يبدو أن قَدَرنا هو التنقّل المستمرّ بين مخيمات الإيواء»، معرباً عن خشيته من امتداد هذا العدوان ليشمل إخلاء سكان شمال قطاع غزة بالكامل مجدّداً، تمهيداً لتهجيرهم. أمّا الابنة الصغرى، ليلى (7 سنوات)، فأمسكت دميتها، وهي تقول: «متى سنعود إلى بيتنا؟

أريد أن ألعب مع أصدقائي في الحيّ». وتقاطعها والدتها خلود (34 عاماً): «كيف نعيش هذا؟ في كل مرّة نبدأ من جديد، نجد أنفسنا مضطرين إلى الهروب مرّة أخرى. أولادنا لم يعودوا يعرفون معنى الاستقرار. كلّما عاد الناس إلى بيوتهم، يظنّون أن العيش في غزة سيكون أقلّ قسوة. لكن لا أحد يعلم متى ستنتهي هذه الحرب. نحن نُطرد من بيوتنا وكأنّنا لا نمتلك حقّ البقاء».

من جهته، اعتبر المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، خلال حديثه إلى «الأخبار»، أوامر النزوح الجديدة التي فرضها الجيش الإسرائيلي على آلاف العائلات الفلسطينية، أنها «استمرار لسياسة التهجير القسري وخرق فاضح لاتفاق وقف إطلاق النار بغطاء أميركي».

وأكّد الثوابتة أن إسرائيل تتحمّل المسؤولية الكاملة عن تصعيد المعاناة الإنسانية في قطاع غزة، حيث يواجه المدنيون ظروفاً كارثية في ظلّ الحصار الخانق ونقص الغذاء والدواء والوقود، مشيراً إلى أن جيش الاحتلال شدّد قبضته على طريق صلاح الدين – الشريان الرئيسي الذي يربط شمال القطاع بجنوبه – وفرض سيطرة عسكرية كاملة عليه، ما أدّى إلى عزل المناطق الشمالية ومنع حركة التنقل بالمركبات، وهو ما يحول دون وصول المساعدات الإنسانية. وأضاف: «هذه الإجراءات التعسفية تُظهر بوضوح أن إسرائيل ماضية في سياسة العقاب الجماعي بحقّ شعبنا، ضاربةً عرضَ الحائط بكل الاتفاقات الدولية ونداءات وقف إطلاق النار. ما يحدث الآن هو جريمة تهجير قسري ممنهجة تهدف إلى تفريغ شمال القطاع من سكانه».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب