صرخات من تحت الركام.. الرضيعة آيلا أبو دقة الناجية الوحيدة من عائلة أبادتها إسرائيل

صرخات من تحت الركام.. الرضيعة آيلا أبو دقة الناجية الوحيدة من عائلة أبادتها إسرائيل
بهاء طباسي
غزة- في مشهد مأساوي يعيد إلى الأذهان أبشع فصول الحرب، يعود الموت مجدداً إلى قطاع غزة، حاملًا معه صور الصباح الدامية والخراب الذي يخيم على كل زاوية.
لقد بات صوت القصف والانفجارات هو اللغة الوحيدة التي تخاطب بها قوات الاحتلال الإسرائيلي أهالي القطاع، معيدة إليهم كوابيس الحروب السابقة التي لم تندمل جراحها بعد.
في وسط الدمار الذي طال مدينة خان يونس، كانت قصة الطفلة آيلا أسامة أبو دقة، البالغة من العمر 25 يومًا، هي الشاهد الأبرز على وحشية الحرب التي لا تفرق بين طفل وشيخ، ولا بين مدني ومقاتل.
يقول خالد أبو دقة، عم الطفلة: «قصفوا البيت عليهم، واستشهدت أسرتها بأكملها، أبوها وأمها وأخوها، بينما كانت آيلا وحيدة تحت الركام تصرخ بصوت لا يكاد يُسمع».
ويتابع بصوت مرتجف لـ«القدس العربي»: «كانت عملية الإنقاذ صعبة للغاية، فالإمكانيات المتاحة لدينا محدودة، وعملية انتشال الضحايا استغرقت حوالي خمس ساعات، من الساعة الثالثة فجرًا وحتى الثامنة والنصف صباحًا. كنا نتوقع أن نجد الجميع شهداء، لكننا فوجئنا بصوت الطفلة الصغيرة ينادي الحياة من بين الحطام».
ويوضح خالد: «طواقم الدفاع المدني عملت بكل ما أوتيت من قوة، بمساعدة الأهالي، من أجل إنقاذ الطفلة، ورغم الإمكانيات الضعيفة، إلا أنهم تمكنوا من انتشالها حية. مشهد خروجها من تحت الأنقاض كان مؤلمًا ومفرحًا في آن واحد، فرحة نجاة الطفلة لم تستطع أن تغطي على حزننا على فقدان عائلتها بالكامل».
أعجوبة
وواجهت طواقم الدفاع المدني صعوبات كبيرة في البحث عن المفقودين جراء انهيار المباني التي تحتاج إلى معدات ثقيلة لإزالة الأسقف المنهارة لاستخراج العالقين. وتجلت هذه التحديات في عملية انتشال الطفلة آيلا أسامة أبو دقة.
يروي مؤمن العطار، أحد العاملين في فرقة الدفاع المدني المكلفة بإنقاذ الضحايا من منزل عائلة أبو دقة، شرقي خان يونس، مشهدًا تقشعر له الأبدان.
يقول أبو دراز: «عندما توجهنا إلى المنزل في الثالثة فجرًا، كان الأهالي يحاولون انتشال الضحايا بأيديهم الخاوية. بدأنا بإنقاذ رجل وزوجته واثنين من أبنائهما المصابين، وتم نقلهم إلى المستشفى الأوروبي. أثناء انتشال الشهداء، سمعنا صوت طفلة تبكي من تحت الركام. أخبرنا الجيران أن الطفلة حديثة الولادة، لم يتجاوز عمرها الشهر».
ويتابع حديثه بعينين مغرورقتين بالدموع: «كانت الطفلة تصرخ لبعض الوقت ثم تصمت عندما تتعب، لتعاود الصراخ مجددًا وكأنها تنادي على الحياة. لم يكن لدينا سوى جرافة صغيرة لم تستطع اختراق الخرسانة المسلحة».
ويكمل خلال حديثه لـ«القدس العربي»: «حاولنا جاهدين فتح ثقب يدوي في الخرسانة، واستطعنا في النهاية إخراجها حية. لكن ما يحزنني أننا انتشلنا أمها وأبيها وأخيها شهداء».
ويوضح: «كانت العملية شديدة الصعوبة بسبب ضعف الإمكانيات ونقص المعدات اللازمة في ظل الحصار المستمر وإغلاق كافة المعابر أمام المساعدات. لكن الحمد لله أنقذنا الطفلة آيلا بأعجوبة».
أين نروح؟
ويعيش سكان قطاع غزة حالة من الخوف والقلق، بسبب عدم توجيه جيش الاحتلال أي منشورات تحذيرية للمواطنين بالأماكن التي ستتعرض للقصف، ما دفع الكثيرين إلى النزوح عمق المدن الغزية، التماسًا للأمان الغائب عن كل قطاع غزة.
واكتفى جيش الاحتلال، يوم الأربعاء 19 آذار /مارس 2023، بمنشور تحذيري، ألقته طائرات الاستطلاع على المواطنين، أعلن خلاله شن عملية عسكرية برية محدودة في غزة بهدف «توسيع المنطقة الدفاعية، ووضع خط بين شمال قطاع غزة وجنوبه»، وسط تحذيرات أطلقها للسكان الغزيين بعدم التنقل بين شمال القطاع وجنوبه، ما يجعل الأوضاع الإنسانية أكثر تعقيدًا وصعوبة.
ويبدي محمد أبو رزق، من مدينة خان يونس، تعجبه من «بربرية جيش الاحتلال وقصفه العشوائي لكل مناطق قطاع غزة، خلال الجولة الثانية من الحرب».
ويقول: «مش عارفين ننام يا عمي. أطفالنا لا ينامون من الخوف، ونحن أيضًا لا ننام من القلق عليهم. في كل حتة في ضرب فيه وبدون سابق إنذار. وبعد كدا يطلع جيش الاحتلال ويقلك مش أنتم المستهدفين، إحنا بنضرب في بيوتنا ومش عارفين وين نروح؟».
استهداف الدفاع المدني
وليست الصعوبات المادية فقط ما كان عرقل جهود الإنقاذ، بل تعرضت طواقم الدفاع المدني لعوائق في الحركة على الأرض؛ بسبب استهداف جيش الاحتلال لها في أثناء عمليات انتشال الضحايا، وهو ما أدى إلى ترك عدد كبير من جثامين الشهداء تحت الأنقاض.
ويكشف الضابط عز الدين أبو دراز، من فرق الدفاع المدني في خان يونس، عن استهداف ممنهج لفرق الإنقاذ.
يقول خلال حديثه لـ «القدس العربي»: «أثناء محاولاتنا لإنقاذ المدنيين في منطقة عبسان الكبيرة، شرقي خان يونس، تعرضنا لإطلاق نار من طائرات مسيرة من نوع كواد كابتر. كما أُلقيت قنبلة في محيط العمل بينما كنا نحاول انتشال الضحايا من تحت الأنقاض».
ويستكمل بصوت يحمل ألمًا وغضبًا: «اضطررنا لإخلاء المكان بعد انتشال خمسة شهداء، في حين بقي جثمان شهيد آخر عالقًا تحت الركام. نحن نواجه تحديات كبيرة بسبب ضعف الإمكانيات ونقص المعدات المتطورة التي تمكننا من اختراق الخرسانة المسلحة وإنقاذ العالقين. ذنب الشهيد الذي لم يتم انتشاله وتكريمه بالدفن اللائق في رقبة الاحتلال».
“القدس العربي”: