عربي دولي

«تحالف الراغبين» وُلد ميتاً: ملامح خلاف بريطاني – أوروبي متجدّد

«تحالف الراغبين» وُلد ميتاً: ملامح خلاف بريطاني – أوروبي متجدّد

سعيد محمد

لندن | يبدو أن الخطة البريطانية – الفرنسية لإرسال قوّة برية لضمان أمن النظام الأوكراني، في طريقها إلى الاضمحلال، بعدما أعلن رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، أن البحث يتّجه، الآن، نحو تقديم دعم بحري وجوّي لكييف، لتمكينها من الدفاع عن نفسها بنفسها.

وبعد اجتماع عُقد بالقرب من لندن، أول أمس، شارك فيه مخطّطون وخبراء عسكريون من 31 دولة أعربت عن اهتمامها بالالتحاق بما سُمّي «تحالف الراغبين» – عبر المساهمة بقوات برية تنتشر في أوكرانيا وتوفّر نوعاً من ضمانة أمنية لنظامها في حال التوصّل إلى تسوية في المفاوضات الأميركية – الروسية في هذا الخصوص -، قال ستارمر إن ثمّة مسارات مختلفة لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار، مشدّداً على دور القوّة البحرية والجوية في «الدفاع عن السلام». كما عبّر عن ثقته بقدرة القوات الأوكرانية وخبرتها في الدفاع عن أراضيها، مشيراً إلى أن أيّ دور لـ»تحالف الراغبين»، لن يكون بغرض استبدال تلك القدرة، وإنّما تعزيزها جوّاً، وبحراً، وبراً.

وكانت لندن وباريس قادتا جهوداً دبلوماسية مكثّفة لفرض دور أوروبي على العملية التفاوضية في شأن وقف الحرب في أوكرانيا، والتي أطلقها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مباشرة مع الجانب الروسي، من دون منْح حلفائه الأوروبيين أيّ دور فيها. وأرادت بريطانيا وفرنسا إرسال 30 ألف جندي لتأمين الخطوط الخلفية، بعيداً عن خطّ الفصل بين القوات المتحاربة، ومنْح الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، ضمانةً أمنية بعدم استهداف نظامه بعد التوصّل إلى تسوية.

أعلنت المفوّضية الأوروبية عن اقتصار أوجه الإنفاق على منتجات صناعات الدفاع الأوروبية حصراً

ويقول خبراء مطّلعون على المداولات بين القادة الأوروبيين، إن التحالف العتيد «وُلد ميتاً»، بعدما بيّن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لنظيره الأميركي، في مكالمتهما الهاتفية (الثلاثاء الماضي)، أن موسكو لن تتسامح مع نشر قوات من دول أعضاء في «حلف شمال الأطلسي» في أوكرانيا. وكان ترامب رفض أيضاً مبدأ مدّ مظلّة حماية أميركية لقوات أوروبية على الأرض الأوكرانية، ما سيجعل من تلك القوات هدفاً سهلاً للجيش الروسي، فضلاً عن الكابوس اللوجستي الذي ستتطلّبه إدارة قوّة معقّدة التركيب من دون دعم من قواعد الجيش الأميركي عبر أوروبا.

وعلى رغم الفشل الذريع لمشروع «تحالف الراغبين»، والذي ضمّ إلى دول أوروبية، كلّاً من أستراليا وكندا ونيوزيلندا، فإن ستارمر لم يخفّف من لهجته العدائية تجاه الجانب الروسي؛ إذ قال بعد اجتماع المخطّطين العسكريين، إن «الزعيم الروسي يجب أن يعلم أنه ستكون هناك عواقب وخيمة إذا انتهك أيّ وقف لإطلاق النار يتمّ التوصّل إليه»، مصرّاً على أنه ليس لبوتين حقّ النقض ضد مبدأ نشر قوات غربية في أوكرانيا. وفُهم من حديث ستارمر أن اختراقاً ما قد حدث خلال ما وصفه بـ»المحادثات المهمّة» بين الرئيسَين ترامب وبوتين، إذ قال إنه «يتم التركيز الآن على وضع جدول زمني لوقف محتمل لإطلاق النار».

من ناحية أخرى، تدهورت العلاقات البريطانية – الأوروبية، هذا الأسبوع، بعدما كشفت المفوّضية الأوروبية أنها ستستبعد صانعي الأسلحة البريطانيين من مشتريات صندوق إنفاق عسكري جديد بقيمة 150 مليار يورو سيطلقه الاتحاد الأوروبي لتعزيز قدرة دوله على الدفاع عن نفسها.

وقرّر الأوروبيون إطلاق هذا الصندوق، في ظلّ تزايُد احتمالات وقف الحماية الأميركية للقارة، وانسحاب الولايات المتحدة من «الناتو». لكنّ المفوضية أعلنت اقتصار أوجه الإنفاق على منتجات صناعات الدفاع الأوروبية حصراً، مستبعدةً بذلك الشركات الأميركية والبريطانية والتركية من قوائم المزوّدين المحتملين. وفي هذا الشأن، قال ستارمر إنه يتواصَل مع رئيسة المفوّضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، «بشكل جيد طوال الوقت»، للبحث في طرق تتيح إدراج شركات صناعات الحرب البريطانية في قائمة المزوّدين المعتمدين إلى جانب الشركات الأوروبية.

على أن مصادر بروكسل (مقر المفوّضية) قلّلت من أهمية تذمُّر لندن، وأكّدت رغبة الفرقاء الأوروبيين في التوقيع على اتفاق أمني جديد مع المملكة المتحدة، من شأنه أن يزيل العوائق من طريق مشاركة الشركات البريطانية. ويبدو أن الأوروبيين حريصون على امتلاك خطّة متكاملة تتيح الاستغناء التدريجي عن الولايات المتحدة – باستثناء الأسلحة النووية -، وذلك قبل قمة حلف «الناتو» المقبلة في لاهاي، في حزيران المقبل. ويأتي هذا فيما يُتوقّع أن تفرض واشنطن على الدول الأعضاء، في أثناء تلك القمّة، رفْع مساهمتها المالية إلى مستوى الـ5% من الناتج المحلي القومي – من المستوى الحالي المحدد بـ2.5%، والذي لا يلتزم به معظم الأعضاء -، تحت طائلة التهديد بانسحابها من الحلف.

على أن محاولة التذاكي التي يقوم بها الأوروبيون من خلال تحقيق هدف الإنفاق الأعلى مع استبعاد مصنّعي السلاح الأميركيين من مشتريات الصندوق الدفاعي، قد لا تمرّ بسهولة على ترامب؛ إذ يُعتقد بأن ثمة دافعاً أساسياً وراء مشروع الرئيس الأميركي زيادة إنفاق دول «الناتو»، وهو توجيه نصيب الأسد من تلك الأموال الإضافية لابتياع العتاد وأدوات القتل من شركات أميركية وإنعاش الاقتصاد المحلّي. ومن شأن القرار الأوروبي بقصر الإنفاق على الشركات الأوروبية، أن يفرّغ المشروع من مضمونه، الأمر الذي قد يدفع ترامب إلى سحب مظلّة الحماية التقليدية والنووية عن أوروبا بصفة فورية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب