12 غوانتانامو لتعذيب الفلسطينيين.. شهادات: أقلها استخدام الجزرة وشتم الأمهات

12 غوانتانامو لتعذيب الفلسطينيين.. شهادات: أقلها استخدام الجزرة وشتم الأمهات
“فرية”، هكذا اعتبرت وزارة الخارجية تقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي نشر في الأسبوع الماضي، وجاء فيه أن إسرائيل تستخدم العنف الجندري والجنسي في الحرب في قطاع غزة. ليس مجرد “فرية”، بل “حالة من الحالات الأسوأ للافتراء التي شاهدها العالم في حياته”. قال نتنياهو: “السيرك المناهض لإسرائيل والذي يسمى مجلس حقوق الإنسان، ظهر بأنه جسم لاسامي، فاسد، يؤيد الإرهاب ولا صلة له. بدلاً من التركيز على الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ارتكبتها حماس في المذبحة الأخطر ضد الشعب اليهودي منذ الكارثة، فضلت الأمم المتحدة مهاجمة دولة إسرائيل باتهامات عبثية، اتهامات لا أساس لها حول العنف الجنسي. هذا ليس مجلس حقوق الإنسان، بل مجلس حقوق الدم”.
قرأت التقرير كله، ومعظمه يتناول دور النساء في غزة وأولادهن في الحرب. ليس كضحايا تنكيل جنسي بالتحديد، بل كضحايا للضرر الجندري. ولأن البنى التحتية المدنية في القطاع المكتظ تدمرت كلياً بعمليات قصف جوي وقصف مدفعي من اليابسة، وكذلك تدمير المباني والبيوت التي كان يعيش فيها نساء وأطفال أكثر من الرجال، فإن عددهم بين القتلى والمصابين والمعاقين كبير بشكل خاص. وعشرات آلاف النساء الحوامل والمرضعات في غزة، يتوقع إصابتهن هن والأجنة والأطفال، في ظل الظروف التي حدثت أكثر من مجموعات أخرى في السكان، وصفحات كثيرة في التقرير تم تكريسها لمعاناة النساء وكارثتهن.
هذا لا يهم الكثير من الإسرائيليين الذين طالبوا وما زالوا يطالبون بتدمير قطاع غزة كله، نساء وأطفالاً وشيوخاً، ولكن لا يمكن تسمية الإبلاغ عن كل ذلك “افتراء”. وسبق هذا التقرير تقرير لنفس المجلس عن الجرائم التي ارتكبتها حماس في 7 أكتوبر. بالنسبة لمصير النساء والأطفال في غزة، نشرت “هيومن ووتش” قبل فترة قصيرة تقريراً أكثر حرصاً من التقرير الحالي “المهمل جداً” لمجلس حقوق الإنسان، والذي ترجم للغة العبرية أيضاً. “قطاع غزة: لا يوجد حمل آمن في أثناء هجوم إسرائيل؛ ولا مقاربة محدودة لمتابعة الحمل؛ ولا ولادة غير آمنة؛ وثمة ولادة في ظروف تعرض الحياة للخطر”.
لكن لماذا لا نستمع إلى الأصوات القليلة الواضحة التي ما زالت تخرج من داخلنا، من هنا من إسرائيل؟ مؤخراً، تم نشر تقارير توثق الأضرار الممنهجة بحقوق الإنسان، وهي -حسب معرفتي- لا تتم مهاجمتها، بل يتم تجاهلها. ليس “افتراء” لأغيار، بل نتيجة تحقيقات وتوثيق مهني مثالي لمنظمة إسرائيلية وهي “بتسيلم”، التي من شأن قوانين إسرائيلية للدولة “اليهودية الديمقراطية” أن تمحوها قريباً هي أيضاً –مع جمعيات مدنية أخرى – من الفضاء العام الحر الآخذ في التقلص في إسرائيل. ما جاء في هذه التقارير وما تم تجاهله فيها، تعطي الأساس للشك، وحتى الخوف حقاً، بأنه لن تقوم قيامة لهذا المكان.
التقرير الأول بعنوان “أهلا وسهلاً بالقادمين إلى جهنم”، يتحدث عن مصير الفلسطينيين في منشآت الاعتقال الإسرائيلية. التقرير الثاني بعنوان “عقيدة غزة: الضفة الغربية تحت النار”، يستعرض عمليات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية.
التقرير الذي يتناول منشآت الاعتقال يذكر عشرات الشهادات لرجال ونساء كانوا مسجونين مؤخراً في إسرائيل وتم إطلاق سراحهم، معظمهم بدون محاكمة: غزيون تم اختطافهم من غزة (نعم، أيضاً غزيون تم اختطافهم وعشرات منهم ماتوا في الأسر)، وفلسطينيون تم اعتقالهم في الضفة الغربية، وعرب من مواطني إسرائيل. يشير التقرير إلى أنه تم اعتقال وحبس آلاف الرجال والنساء الفلسطينيين في منشآت الاعتقال الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر.
تُنشر معظم الشهادات بأسماء الشهود بالكامل، ومرفقة بها صورهم، ما يعطيها مصداقية كبيرة، ويتبين منها، كما هو مكتوب في المقدمة، “سياسة ممأسسة وممنهجة تقوم على التنكيل والتعذيب المتواصل لجميع الأسرى الفلسطينيين، بما في ذلك استخدام العنف المتواتر والصعب والتعسفي، والتحرش الجنسي والإهانة والتحقير والتجويع المتعمد، وفرض ظروف صحية متدنية، ومنع النوم، ومنع الصلاة والعقاب بسببها، ومصادرة الأغراض العامة والشخصية، ومنع تقديم العلاج المناسب. كل ذلك وصفته الشهادات مرة تلو الأخرى، بتفصيل وتكرار مخيفين. وثمة شهادات الأسرى تطرح نتائج عملية مسرعة تحولت في إطارها أكثر من 12 منشأة اعتقال إسرائيلية، مدنية وعسكرية، إلى شبكة معسكرات هدفها الرئيسي هو التنكيل بالمعتقلين فيها.
في شهادة فتاة اختُطفت من غزة، وهي هديل الدحدوح، تم إرفاق صورة نشرتها “هآرتس”، ظهر فيها عشرات الرجال مضغوطين كعلبة السردين ومعصوبي العيون وشبه عارين، وهي تظهر فيها بوضوح، امرأة وحيدة مضغوطة بين الرجال، ترتدي ملابسها وعيونها معصوبة وشعرها مكشوف. قالت في شهادتها: “كان هناك رجال ملتصقون بي تماماً. وبعد أن تحررت، شاهدت أنهم صورونا في الشاحنة. تشاهدونني هناك في الصورة. سافرت الشاحنة إلى منشأة اعتقال خارج القطاع. وهناك أدخلوني إلى غرفة مع نساء أخريات. ووضعوا الرجال بشكل منفصل. كنت متعبة بعد ثلاثة أيام من المعاناة اللانهائية والضرب. بعد يومين، جلبوا المزيد من النساء من القطاع، أصبحنا 19 امرأة في الغرفة. كان الطقس بارداً جداً ورطباً، وبطانية واحدة للجميع. بعد ذلك، أركبونا في حافلة، وجرونا إليها جر الحيوانات، كانت أيادينا مكبلة وعيوننا معصوبة. خلال ذلك، ضربونا على رؤوسنا. وقال لنا الجنود مرة تلو الأخرى: أنتن حماس.
“نقلتنا الحافلة إلى منشأة اعتقال اسمها عناتوت. وهناك، طلبت مني الجنديات خلع ملابسي والبقاء بالملابس الداخلية. فتشوني، بعد ذلك سمحن لي بارتداء بنطال رياضة رمادي، طوال هذا الوقت، قاموا بضربي وشتمي. مكثت تسعة أيام في هذه المنشأة، متعبة وفي طقس بارد وجائعة. كنت مكبلة طوال الوقت. بعد ذلك، نقلونا إلى سجن بئر السبع، حيث مكثنا خمسة أيام أخرى. وفي كل مرة يخرجوننا إلى الساحة ويضربوننا، كان هذا متعباً وصعباً. بعد ذلك، نقلونا إلى سجن الدامون قرب حيفا، وهناك تم تفتيشي عارية.
“أخذوني للتحقيق خمس مرات، وفي كل مرة يسألونني الأسئلة نفسها: هل أنت حماس؟ أين كنت في 7 أكتوبر؟ وسألوني أيضاً عن السنوار والأنفاق، في كل مرة، يقولون لي إنهم قتلوا زوجي وأولادي. بعد 54 يوماً من الاعتقال، في 26/1/2024 أخذونا إلى معبر كرم أبو سالم وأطلقوا سراحنا”.
شهادة لرجلين:
“اعتقلوني وضربوني. ضربني أحدهم على صدري بقوة، اصطدمت بسجين آخر بدأ يصرخ ويشتم. كان يمسك بمرآة ذات إطار خشبي سميك، وحاول ضربي على رأسي، لكن آخرين منعوه. خلعوا ملابسي بالقوة وأنزلوا بنطالي وملابسي الداخلية، مزقوا قميصي وعصبوا به عيوني. ثم ضربوني على خصيتي بقوة. ورفعني سجانان وأجلساني على إطار معدني لحوض غسيل. احضروا سجينين آخرين وأجبروهما على النظر لي أثناء ضربي. حتى ذلك الحين، كنت عارياً ورأيتهم من خلال القميص الخفيف الموضوع على رأسي. السجانون سحبوهما من شعرهما كي يرفعا رأسيهما وإجبارهما على رؤيتي.
“من الغرفة سمعت بكاء وصراخاً من شباب ضربوهم قبلي. بقيت الأخير في الغرفة، وكنت أرتجف خوفاً. بعد ذلك، أخذوني. جرني اثنان من رجال الوحدة بالقوة من الغرفة في الممر، إلى غرفة استخدمت حتى 7 أكتوبر كغرفة طعام. عندما وصلت إلى الغرفة، رأيت كل السجناء من غرفتي، جميعهم عارون وينزفون. رموهم فوق بعضهم، الناس بكوا وصرخوا، وصرخ عليهم السجانون وشتموهم هم وأمهاتهم.
“أجبرونا على شتم أمهاتنا وشتم حماس والسنوار. وأجبرونا أيضاً على تقبيل علم إسرائيل وإنشاد النشيد الوطني الإسرائيلي… ارتجفت من الخوف، بعد ذلك انقضوا علي. صفعني أحدهم، وبصق الثاني على وجهي وقال بالعربية: “يحيى السنوار سيموت”. أمروني بتكرار هذه الأقوال. اثنان خلعا ملابسي مثل السجناء الآخرين، ثم رموني على الأسرى الآخرين. جلب أحدهم جزرة وحاول وضعها في مؤخرتي، في الوقت الذي حاول فيه وضع الجزرة، بدأ آخرون بالتوثيق المصور من خلال الهواتف المحمولة. صرخت من الألم والخوف، استمر هذا 3 دقائق تقريبًا.
“بعد ذلك، صرخوا علينا وقالوا إن لدينا دقيقتين لارتداء ملابسنا والخروج. شعرت بأنني محطم من الداخل. عندما ارتديت ملابسي سالت دموعي. مرت في رأسي أفكار مخيفة. بعد ذلك، أعادونا إلى الغرفة. عندها، كنا في حالة صدمة، بكينا بهدوء. لم يتحدث أحد منا، لم نكن قادرين على النظر إلى بعضنا بعضاً”.
عندما نقرأ في التقرير شهادات النساء والرجال الفلسطينيين من الضفة ومن إسرائيل الذين تم سجنهم في السجون الإسرائيلية، نلاحظ التشابه الكبير والمخيف الموجود بينها وبين شهادات المخطوفين الإسرائيليين الذين عادوا من غزة: التنكيل الجسدي والنفسي، التجويع، التعطيش، عدم تقديم العلاج وتفاصيل أخرى كثيرة.
السجناء يشهدون تدهوراً خطيراً في ظروف سجنهم اعتباراً من 7 أكتوبر. ومعاناة المعتقلين المخطوفين من غزة تتفاقم، وتزداد ظروفهم صعوبة بسبب ذكريات الفظائع التي شاهدوها وكانوا ضحايا لها في القطاع قبل اختطافهم: القصف الشديد والقنابل ومنظر القتلى والجرحى والنزوح المستمر من مكان إلى آخر. وثمة تشابه مع المصير المأساوي للرهائن الإسرائيليين في غزة.
تقرير “بتسيلم” عما يحدث في الضفة الغربية، لا سيما في مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، يوثق بأفلام الفيديو استخدام طرق القتال التي تم تطبيقها وتطويرها في قطاع غزة: استخدام متزايد للقصف من الجو وقصف المدفعية لتجمعات مكتظة بالمدنيين، وتدمير متعمد بدون تمييز للبيوت والبنى التحتية المدنية، وتهجير المدنيين من المناطق التي أعلن عنها كمناطق قتال. لم تعد هذه المناطق تصلح للسكن، وعشرات آلاف السكان هُجروا أو هربوا منها، وغير مسموح لهم العودة إليها. هذا حسب أقوال وزير الدفاع إسرائيل كاتس، الذي قال “40 ألف فلسطيني تم إخلاؤهم من مخيمات اللاجئين، التي ذكرت أعلاه عقب نشاطات للجيش الإسرائيلي. هي الآن فارغة من السكان”. وأعلن كاتس أيضاً بأنه أصدر تعليماته للقوات بالاستعداد للتواجد في هذه المخيمات لمدة سنة، وعدم السماح للسكان بالعودة إليها (بار بيلغ وهاجر شيزاف، “هآرتس”، 23/2).
“المذبحة الأخطر التي تم تنفيذها ضد الشعب اليهودي منذ الكارثة”، هكذا عرف نتنياهو هجوم حماس البربري في 7 أكتوبر. أي كلام فارغ! معظم اليهود في العالم يعيشون خارج دولة إسرائيل، واقتحام حماس لم يعرض حياتهم للخطر. الثمن الذي دفعه وما زال يدفعه ضحاياها، بما في ذلك المخطوفون وعائلاتهم، هو فصل فظيع آخر في النزاع الدموي بين إسرائيل والفلسطينيين. هذا هو السياق ولا يوجد غيره.
لكن بسبب قوة إسرائيل العسكرية وسلاحها الثقيل الذي توفره لها الولايات المتحدة، فإن من نزلت عليهم كارثة في الوقت الحالي من قتل جماعي وتدمير كامل للمنطقة التي هم محبوسون فيها، هم سكان غزة وليس سكان إسرائيل. ولكن الوقائع وأبعادها تشوشت في دولتنا بدرجة لا يمكن إصلاحها، واستخلاص الدروس من إبادة ملايين اليهود على يد الألمان برعاية الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة التي أغلقت أبوابها أمام من يريدون الهرب منها.
لو فتحنا عيوننا ورأينا ما نفعله نحن بالآخرين، ونرى الخراب والقتل الذي نخلفه على السكان المدنيين منذ عشرات السنين، لو سألنا أنفسنا فيما إذا لم تكن لدينا طريقة أخرى للعيش والاندماج في هذه المنطقة عدا هذه الطريقة التي جلبت حكومة يؤمن وزراؤها بأيديولوجيا انتحارية من القمع الداخلي والخارجي. أما الآن، فالقدرة على توجيه هذه الأسئلة واختيار الطريقة الأخرى للتعامل مع معرفة أن لا وجود هنا بدون السلام، وأن هذا الوجود مشوه ومشكوك فيه لدى كثيرين منا، فإنها قدرة لا تلوح في الأفق البعيد جداً.
“أكتب فكرة لمقال لن يكتب”، هذا ما كتبه الكاتب درور مشعاني قبل سنة تقريباً في مذكراته الشخصية الجميلة التي نشرت مؤخراً. (“صورة صغيرة”، إصدار احوزات بيت): “حاول اليهود العيش مثل الشعوب الأخرى مرتين في القرن العشرين. مرة عندما حاولوا الاندماج في أوروبا، ومرة هنا عندما أقاموا دولة خاصة بهم. المحاولة الأولى انتهت بكارثة. فهل بات محكوماً على الثانية بالفشل؟ ولكن إذا كان الأمر هكذا، فسنتهم أنفسنا هذه المرة. هل حاولنا فعل كل شيء؟”.
إيلانا هيمرمان
هآرتس 21/3/2025