مقالات

رسالة الى الجامعات العراقية الأخلاقيات الأكاديمية قبل شهادات المعرفة بالأشياء بقلم أ.د. سيّار الجميل

بقلم أ.د. سيّار الجميل

رسالة الى الجامعات العراقية
الأخلاقيات الأكاديمية قبل شهادات المعرفة بالأشياء
بقلم أ.د. سيّار الجميل
 
1/ محاضرتي التي لم أقدمّها اليوم في جامعة الكوفة !
لولا الاحباط التي اصابني هذا اليوم الجمعة لما كتبت هذا ” المقال” الذي طالبني بكتابته العديد من الأصدقاء العراقيين لتبيان ما حدث بيني وجامعة الكوفة .. وأن أضع هذا ” الموضوع” على المشرحة ، كي نتعلّم منه درساً ليس في المعرفة ، وانما في ثقافة اللياقة واحترام الذات وتقدير الاخر مع الالتزام بتقاليد أخلاقية اكاديمية تربينا عليها منذ أكثر من ستين عاماً ، وحاشا لله ان اكون متحاملاً على أيّ انسان أو جماعة أو مجتمع في هذا الوجود مهما خالفوني في الرأي والمواقف أو في العقيدة والمذهب ، أو في الرؤية والتفكير.. ولكن ينبغي أن نتعلّم من أخطائنا مهما بلغنا من العمر عتيّا ، اذ أشعر اليوم بأنني أخطأت خطأ كبيراً عندما وافقت على دعوة ( أكاديمية ) من جامعة الكوفة بالعراق قبل أيام كي ألقي محاضرة على (الزووم) في قسم التاريخ بكلية الآداب فيها وبرعاية السيد عميدها الفاضل.. ولمّا كنت أعتز بهذه الجامعة وكلّ الجامعات العراقية غاية الاعتزاز .. ولما عرفت أن رئيس قسم التاريخ فيها هو الاخ الدكتور ياسين شهاب شكري وكان أحد طلبتي النجباء في الباكلوريوس والماجستير بجامعة الموصل وكنت عضواً في لجنة مناقشة رسالته قبل أكثر من ثلاثين سنة، فقد وافقت بسعادة غامرة على دعوته الكريمة ، ثم أرسل لي الرجل الاعلان، واقترح ان تكون المحاضرة عن “النخب العراقية المثقفة في القرن العشرين ” لمناسبة صدور كتابي الجديد الموسوم ” انتلجينسيا العراق ” هذا العام. وهكذا ، تضمّن الاعلان عن محاضرتي هذا اليوم السبت الموافق 22 آذار/ مارس 2025 على الساعة التاسعة ليلاً بتوقيت بغداد ، وقد تمّ نشر الاعلان من قبلهم . ولكنني تلقيّت يوم أمس رسالة من أحد أساتذة الجامعة الذين لا اعرفهم تقول: استاذي العزيز : لا أخفيك سرّاً أن هناك من يريد الأضرار بالندوة وبكم ، فبعد نشر الإعلان حدث تهجّم بعناوين طائفية .. !! كما أن هناك استاذاً مع بعض الموتورين نشروا ضدّ الندوة وضدّكم .. . ويكمل قائلاً : هذه الأمور مع الأسف أصبحت جزءاً ممّن يدّعون أنهم مثقفين أو متعلمّين وهي تمثّل أزمة هوّية وعدم انتماء للعراق الذي مزقته العناوين العنصرية والطائفية والمناطقية ووصل حتى لأروقة العلم وأشباه المثقفين تحياتي ( انتهت رسالته).
بعد قراءتي ذلك لم استغرب أبداً وكنت متوقعّاً حدوثه، اذ قرّرت مباشرة الانسحاب من هذه ” الندوة ” خصوصاً واليوم صباحاً وصلتني رسالة من جامعة الكوفة تقول (من دون أي اعتذار ) ” لقد تمّ تأجيل الندوة إلى اشعار اخر بسبب توقّف الانشطة يوم غد كونها تصادف ذكرى وفاة الامام علي عليه السلام . ان شاء الله نبلغك لاحقاً بالموعد الجديد ” . فرددت عليهم بالشكر ، وأنني قررّت الانسحاب والغاء الدعوة وعدم مشاركتي بأي نشاط لهذه الجامعة بعد اليوم أبداً !!
انني لا أعتب على أحد أبداً لا على السيد عميد الكلية ولا على الأخ رئيس القسم ولا على الزملاء الافاضل .. ولكن أعتب على هذا الزمن الكسيح الذي أضاع القيم والاخلاق والالتزامات الاكاديمية في العراق، وجعل من الناس الموتورين والجهلاء والطفيليين الحاقدين (أساتذة) يتلاعبون من خلال أهوائهم ونزوعاتهم وأمراضهم وأجندتهم البعيدة عن الاخلاقيات المهنية بتوزيع الاتهامات على اساتذتهم .. وهم لا يدركون كم هو حجمهم وهم يحملون صولجانات ضد آبائهم الذين يفخرون بالمبدعين من ابنائهم . اساتذة من ابناء وطن واحد يعدّون اليوم من الجنود المجهولين في العالم يكنّون لبلادهم وأهلهم جميعاً محبتهم واعتزازهم وتقديرهم .. لكي ينالوا من طلبة طلبتهم أخيراً السبّ والشتم .. والمجتمع كله صامت خوفاً وتحسبّاً منهم.
2/ جندي مجهول ولكنه يعتز بخدماته الخفية
ما ادخرت وسعاً في أيّ يوم من الايام والله يشهد على ما أقول ، أن أخدم الجامعات العراقية سواء أيام كنت أستاذاً في العراق أم عندما كنت أستاذاً في عدد من جامعات العالم أم في اليونسكو والمنظمات التابعة للامم المتحدة .. وقدّمت خدمات لكلّ من جامعات الموصل وتكريت والكوفة والمستنصرية وبغداد والانبار ودهوك وغيرها . أتذكّر قبل مدة من الزمن تلقيّت رسالة من رئيسة لقسم التاريخ باحدى كليات جامعة لندن وكانت لي سابق معرفة بها تطلب مني “تزكية” في موضوع حيوي يخصّ جامعة الكوفة بالعراق ، فكتبت تزكية رائعة ساعدت في تمويل منجز اركيولوجي في جامعة الكوفة .. ولا أنسى ابداً ما قدّمته من مساعدة علمية في استضافة وفد من جامعة بغداد الى جامعة تورنتو في كندا قبل سنوات مضت وأمنت الجامعة لهم سكنا واقامة كاملة ومرافقين ورحلات سياحية داخلية، ولكن جراء أخطاء ارتكبها رئيس الوفد وكان أحد عمداء الكلية وهو لا يجيد حتى الانكليزية المكسّرة، اعتذرت الجامعة عن استقبال الوفد واحرجت عن سوء تصرفاتهم امام رئاسة الجامعة .. أما طلبة الدراسات العليا من العراق ، فانني اتلقى دوما طلبات لمساعدتهم واسداء الاراء وبعضهم اساعده في الخطة والمصادر حسب ظروفي . أما جامعة الموصل ، فقد خدمتها لدى اليونسكو أيام محنتها خدمة جندي مجهول، وساهمت مع غيري من الاساتذة في الجامعات الكندية والاميركية وهم كثر أمثال الدكاترة : طارق اسماعيل وهالة فتاح ودينا خوري في دعم مكتبتها المركزية التي حرقها الارهاب .. ناهيكم عن اهداء مكتبتي القديمة الى جامعة الموصل بعد فاجعة داعش واستقبلها الأخ الدكتور ابي الديوه جي رئيس الجامعة آنذاك .. وقبل ان يغادر الاخ الدكتور قصي الأحمدي رئاسة جامعة الموصل قبل أشهر ، كتبت له عن مقترحي بقبول الجامعة لمكتبة المؤرخ الراحل الدكتور عبد العزيز الدوري – رحمه الله – وضمّها ذخراً الى مكتبات جامعة الموصل ، فارسل لي الرجل مباشرة بكتاب شكر وتقدير مرحباً بذلك فدامت عملية جردها الاف الكتب وتغليفها في عشرات الصناديق الكبيرة مدة ثلاثة اشهر ، فقام وكيلي في العراق بابلاغي من الانتهاء من تعبئتها متصلاً بمدير المكتبة السابق، فاجابه جواباً غير لائق قائلا: بأن سياسات الجامعة قد تغيرّت بوجود رئيس جديد للجامعة، فكتبت خطاباً الى الرئيس الجديد الاخ الدكتور وحيد الابراهيمي شرحت له فيها ما تمّ الاتفاق عليه على عهد الدكتور قصي، فاجابني مشكوراً باستقبال المكتبة وبعد يومين اثنين وصلت مكتبة المرحوم الدوري الى جامعة الموصل وبجهود شخصية قبل أيام.
وعليه ، وقبل هذا وذاك لم أكن أريد جزاء ولا شكورا على أية خدمات قمت بها وانا اقطن وراء البحار .. ولكن لا أريد من المتنطعين الكسالى شتم الناس بلا وجه حق الّا لسايكلوجيات طائفية مريضة تمكنّت في نفوسهم للاسف الشديد واحقادهم دون موجب وهنا أسأل: هل من شيم العراقيين الأصيلة شتم الضيوف بعد دعوتهم او بعد رحيلهم ؟ ماذا حلّ بمجتمعنا واين ذهبت قيمه واخلاقياته؟ ان ما قرأته من سباب واتهامات ضدّي لا يمكنها ان تصدر عن أناس لهم قيمهم ومهنيتهم واخلاقياتهم الكريمة .
..تحياتي الى الأخ العزيز الدكتور ياسين شهاب شكري والى كلّ الزملاء الكرام في قسم التاريخ بكلية الآداب في جامعة الكوفة والى كل الأصدقاء الذين رحبوا بي لالقاء محاضرتي فيها . وأتمنى مخلصاً لكلّ الجامعات العراقيه الازدهار والتقدم . وسأبقى أعمل جاهداً لخدمتها من أجل ان تحظى كلّها بسمعة عالية في العالم برغم كلّ المنغصّات والاحباطات وتحمّل كل المغرضين والمفتونين بالهمجية والتوحّش والأحقاد في العراق ، وأن تعود شعلة العراق وهّاجة مضيئة وضيئة عبر الأجيال ، وأن تستمر طيبة أهله الأصلاء في الوجود .
نشر يوم السبت 22 آذار / مارس 2025 على الموقع الرسمي للدكتور سيّار الجميل .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب