عجز الأنظمة العربية عن حماية البلاد والعباد

عجز الأنظمة العربية عن حماية البلاد والعباد
رياض معسعس
ما هي وظيفة الحكومات العربية؟
سؤال يطرحه الشارع العربي بعد أصبحت معظم الشعوب العربية تفتقر لأبسط الحقوق التي تتمتع بها باقي الشعوب، وخاصة ضمان الأمن، وحماية الوطن. فاليوم تقف أكثر من دولة عربية عاجزة عن الدفاع عن شعوبها وأراضيها التي تنتهك من قبل دولة الاحتلال دون وازع، فهي تهاجم فلسطين وخاصة غزة وترتكب فيها إبادة جماعية، ومجازر مروعة وقودها الحجارة والنساء والأطفال بشكل خاص، ورغم استغاثة الغزيين بأعلى ما تطلقه حناجرهم مطالبين الدول العربية والإسلامية بمساندتهم فلا مغيث، ولا نصير، ولا سميع، ولا بصير، ولا يختلف الأمر في الضفة الغربية حيث تقوم دولة الاحتلال بأبشع عمليات القتل والتدمير في أكثر من مدينة فلسطينية وخاصة في جنين وطولكرم. وفي لبنان تستمر بعمليات قصف واحتلال خمس نقاط في الجنوب رغم قبول لبنان وحزب الله بالقرار 1701.
أما في سوريا فالوضع يزداد سوءا بعد استهداف معظم المواقع العسكرية، واحتلال المزيد من أراضي الجولان والتوغل في القرى والاعتداء على المواطنين، واليمن تتلقى ضربات صهيو ـ أمريكية متكررة، فمنذ اندلاع أحداث غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر اقتصر الرد العربي الرسمي على قمة عقدت في الرياض في 11 نوفمبر 2024 وشاركت فيها الدولة الإسلامية، والتي تمخضت عن تشكيل لجنة تقوم بزيارة العديد من الدولة لشرح الموقف العربي، وجملة من القرارات منها كسر الحصار على قطاع غزة وفرض إدخال قوافل المساعدات الإنسانية بشكل فوري. لكن اللجنة التي قامت بزيارة أكثر من دولة فشلت في تشكيل إجماع دولي للضغط على إسرائيل لوقف عدوانها وجرائمها ضد الفلسطينيين.
لم يشهد العالم العربي تفككا كما نراه اليوم، ولا عجزا أمام الأخطار والتهديدات والتحديات التي تواجهه على المستوى الجمعي للبلاد، أو على المستوى الفردي لكل دولة على حدة، فالسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية غير قادرة على لجم الاعتداءات لدولة الاحتلال الإسرائيلي على مدن الضفة، واعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين. والإدارة الجديدة في سوريا تبدو عاجزة تماما أيضا عن ردع اعتداءات المتكررة وقصف مراكز الجيش، وتدمير القدرات العسكرية السورية، واحتلال أراض في الجولان وشرم الشيخ، ويقتصر رد الفعل على بيانات استنكار وشكاوى للأمم المتحدة التي هي عاجزة بدورها عن قيام بأي مبادرة من شأنها وقف العدوان في ظل الهيمنة الأمريكية على قراراتها. وكذا لبنان الذي يتلقى الضربات تلو الضربات وليس في يده حيلة، وفي حمأة هذه الاعتداءات على سوريا ولبنان يطالعنا المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف أن تطبيع إسرائيل علاقاتها مع هاتين الدولتين (أي سوريا ولبنان) أصبح احتمالا حقيقيا، وأضاف رغم أن هاتين الدولتين ليستا جزءا من إسرائيل، إلا أنها تسيطر عليهما ميدانيا»
لم يشهد العالم العربي تفككا كما نراه اليوم، ولا عجزا أمام الأخطار والتهديدات والتحديات التي تواجهه على المستوى الجمعي للبلاد، أو على المستوى الفردي لكل دولة
الأردن يواجه تهديدا وجوديا إزاء المخططات الإسرائيلية ـ الأمريكية بتهجير الفلسطينيين إليها وتواجه مصر نفس التهديد من دولة الاحتلال التي تسعى إلى تهجير القسم الآخر من الفلسطينيين إليها تحت ضغط من إدارة دونالد ترامب والتلويح بإيقاف المساعدات لكل منهما، لتنفيذ المخطط الجنوني «بناء ريفييرا» على أنقاض غزة الذي لايزال قائما رغم الانتقادات الدولية له، ورغم تقديم خطة عربية لليوم التالي في غزة وإعادة إعمارها خلال السنوات الخمس المقبلة لم تلق ترحيبا من تل أبيب وواشنطن بل قامت إسرائيل بخطة مناوئة إذ صادق المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت) على إنشاء إدارة لتهجير سكان قطاع غزة، وفق مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومعنى ذلك أن المشروع الجنوني «للريفييرا» حيث حلم إيلون ماسك حسب الفيديو الذي أطلقه يرسم من خلاله «غزة ـ الريفييرا» يرقص مع الراقصات، ونرى ترامب ونتنياهو يستجمان على الشاطئ تحت شمس غزة.
لقد فشل السودان بمنع التقسيم بعد عقدين تقريبا من الحرب بين الشمال والجنوب، واليوم تحتدم المعارك بين الجيش النظامي وقوات التدخل السريع الذي تدعمه دولة الإمارات حسب تصريحات السلطة في الخرطوم. وسارع المشير عبد الفتاح البرهان للتطبيع مع دولة الاحتلال في موجة التطبيع السريع بعد اتفاقيات إبراهيم (ثلاث دول عربية طبعت علاقاتها مع دولة الاحتلال: الإمارات والبحرين والمغرب) معتبرا أنه لا يمكن الفصل بين رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب والتطبيع مع إسرائيل، نافيا أن تكون بلاده تعرضت لابتزاز أمريكي أو ضغوط من الدول الخليجية التي طبعت مع تل أبيب» وفشلت اليمن في الحفاظ على وحدتها ودخلت في حرب أهلية بتدخل سعودي إماراتي وأصبحت مقسمة عمليا بين شمال وجنوب. وكذلك الأمر بالنسبة لليبيا التي تجزأت بعد سقوط نظام معمر القذافي إلى قوات خليفة حفتر في بنغازي، وحكومة عبد الحميد دبيبة في طرابلس. وفي ظل التوترات القائمة بين دولة الاحتلال، وإدارة دونالد ترامب مع إيران، والإنذار الذي تلقته من ترامب بالنسبة لإجراء اتفاق نووي لا يخدم مصالحها خلال مهلة شهرين، يضع المنطقة بأكملها على كف عفريت في حال قرر ترامب ونتنياهو بضرب إيران إذا رفضت الانصياع للإنذار الأمريكي، وستكون دول الخليج والعراق أكثر الدول عرضة للتهديد والانخراط حرب لم ترغب بها، خاصة وأن إيران كشفت عن نصب منصات صواريخ في جزر الإمارات المحتلة (طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبوموسى) وصار بإمكانها أن تصل إلى أهدافها عن قرب فهل سيكون بإمكان دول الخليج حماية نفسها، ومنع إغلاق مضيق هرمز بما يمنع ناقلات النفط المنطلقة من الخليج من العبور، وهذا ما سيؤثر بطريقة مباشرة على الاقتصاد الريعي، ويرفع أسعار النفط بشكل جنوني؟
هذا العجز يكمن في مجموعة من الأسباب على رأسها الاستئثار بالسلطة والاهتراء السياسي، فالأنظمة العربية عمدت على التظاهر بأنها أنظمة ديمقراطية عبر انتخابات مزيفة، وهي في معظمها أنظمة أحادية استولت على السلطة بانقلابات عسكرية. وهذه الأنظمة لم تتمكن من بناء اقتصادات قوية، وحوالي نصف الدول العربية ذات اقتصادات ريعية متأثرة بأرجحة الأسواق العالمية. وأخرى تعتمد على المساعدات الأمريكية، وعم الفقر نسبا كبيرة من الشعوب، وتآكلت الطبقة الوسطى، ناهيك عن النزاعات الطائفية، والعرقية، والقبلية، والعشائرية، وكل ذلك يعود إلى انعدام المؤسسات، والمنظمات المدنية التي صارت حكرا على الدولة. وجاءت ثورات دول الربيع العربي لتزيد في تفكك النظام العربي، فعمت الفوضى السياسية في هذه الدول، وخلقت جوا من الريبة من انتشار شظاياه إلى دول مجاورة، فتشكل محور من الدول المعارضة في محور «الثورة المضادة» التي عملت على إسقاط أنظمة كما حصل في مصر، ودعم أخرى خشية سقوطها كما حصل في سوريا مع نظام الأسد المخلوع، وهذا ما ساهم في تفاقم التفكك لتضارب المصالح بين الدول، وباتت الجامعة العربية لا تجمع كل الدول العربية، بل نشأت محاور من مجموعات من الدول تتشابه مصالحها وأهدافها تجتمع فيما بينها دون الدول الأخرى لمناقشة الأزمات وإيجاد حلول لها وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي كانت قضية العرب الأولى، والتي اليوم نراها ليست قضية أحد، بل وصل ببعض الدول العربية أن تقف ضدها. ورغم تملك الدول العربية كل أدوات الضغط على أمريكا وإسرائيل إلا أنها لا تستخدمها خشية من انعكاساتها عليها.
كاتب سوري