مقالات

كيف استقبل السوريون مسودة الإعلان الدستوري؟

كيف استقبل السوريون مسودة الإعلان الدستوري؟

مثنى عبد الله

 

في مثل هذه الأيام من عام 2011 كانت انطلاقة الثورة السورية، وخلال 13 عاما من الحرب التي قادها بشار الأسد ضد شعبه، بمساندة من أطراف إقليمية ودولية، ارتكبت فيها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لم يكن أحد يتصور أن هدف المعارضة المسلحة، الذي لم يتحقق لأكثر من 13 عاما، سيبصر النور في غضون 12 يوما فقط بمعركة «ردع العدوان» بقيادة هيئة تحرير الشام والفصائل المنضوية تحت لوائها، حيث فر الطاغية في 8 ديسمبر/ كانون الأول وسيطرت الهيئة على دمشق، لتتقاطر الوفود العربية والأجنبية على سوريا، في رسالة اعتراف واضح بالسلطة الجديدة، مع طي صفحة حكم آل الأسد وحلفائهم من الإيرانيين والروس.
واليوم يتم الإعلان عن توقيع الرئيس السوري أحمد الشرع، على الإعلان الدستوري، بعد أن أنهت لجنة الصياغة العمل به، مؤكدة التزام الدولة بوحدة الأرض والشعب، واحترام الخصوصية الثقافية، والحرص على الحقوق والحريات لخلق توازن بين الأمن المجتمعي والحرية. ولا شك أن هذا الفعل السياسي يأتي في مرحلة حساسة، كحاجة مُلحّه، لعدم وجود دستور بعد تعليق العمل بالدستور السابق.

توصف المرحلة الآن بأنها صعبة في سوريا، وهي حالة شبيهة بكل مرحلة انتقالية أخرى في أي مكان في العالم، حيث تكون البلاد في حاجة إلى حكومة مركزية تكون فيها السلطات غير متنافرة وإلى رئيس قوي

وقد حددت الوثيقة الدستورية، المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، واتخذت من الفقه الإسلامي مصدرا أساسيا من مصادر التشريع. كما نصت على الفصل بين السلطات، واحترام الحريات وحقوق المرأة وحرية التعبير والصحافة، وتشكيل لجنة لكتابة دستور دائم للبلاد. لكنه كما حصل على تأييد البعض من الشعب السوري، عارضه وانتقده آخرون، وقد تلخصت الاعتراضات على الاعلان الدستوري حول عدد من المواد الواردة فيه. فقد رأى البعض أن النص في المادة الأولى منه على أن سوريا جمهورية عربية، كان يمكن الاستغناء عن كلمة العربية من أجل لم شمل جميع السوريين، على اعتبار أن التصريح بذلك قد استثنى المكونات الأخرى. كما أن المادة 13 تحدثت عن حرية التعبير من دون تجريم العنف والكراهية والدعوات الطائفية والعنصرية، التي هي أحد التحديات الخطيرة التي ظهرت في الأحداث الأخيرة. أيضا كانت هنالك اعتراضات على المادة 14، التي تحدثت عن تشكيل مجلس شعب ثلثه يتم تعيينه من قبل رئيس الجمهورية، ما يساعد الرئيس على الاستفراد بصناعة القرارات، كذلك المادة 31 التي ألغت منصب رئيس الحكومة، وهذا يعطي رئيس الجمهورية صلاحيات تنفيذية، بالإضافة إلى الصلاحيات التشريعية التي أعطته أياها المواد 32 و39. فقد سمّت الأولى رئيس الجمهورية قائدا عاما للقوات المسلحة، وأعطته الثانية الحق بالاعتراض على القوانين التي يقترحها مجلس الشعب. أما ما يخص المادة 49 البند 2 التي قالت، إن التجريم سيكون بأثر رجعي على مرتكبي جرائم الحرب من عناصر النظام السابق، فقد نالت اعتراضات كثيرة، على اعتبار أنها لم تأت على ذكر جرائم كثيرة ارتكبتها الميليشيات الإيرانية والروس.
وقد تركزت الأصوات المعارضة للإعلان الدستوري بين الدروز والأكراد بشكل خاص، حيث اعتبر مجلس سوريا الديمقراطي، أن الدستور الانتقالي لا يتماشى مع الاتفاق الذي تم توقيعه بين قسد والحكومة السورية، وقالوا إنه يمثل تراجعا عن التفاهمات التي تم التوصل إليها، بل إنهم يطعنون في شرعية اللجنة التي عملت على صياغته، حيث إن تشكيلتها استثنت مكونات عديدة من الشعب السوري على حد قولهم. ويضيفون على ذلك بالقول، إنه كان من المفروض وجود أشخاص في هذه اللجنة من المكون الكردي والمكون الدرزي والمكون العلوي، لكن السلطات الجديدة حرصت على أن تكون التشكيلة من لون واحد، ما أعطى صورة عدم التشاركية، فنتج عن ذلك قصور في البنود الواردة في الإعلان، حيث أن أغلبها لا تعطي الحقوق للتعددية الثقافية. ويضربون مثلا على ذلك بالقول إن المادة الرابعة تحدثت عن موضوع اللغة العربية، لغة رسمية للبلاد، من دون الإشارة إلى احترام التعددية اللغوية الموجودة في سوريا. أما الطائفة الدرزية فقد أعلن زعيمها الروحي حكمت الهجري، رفضه للإعلان الدستوري متهما الرئيس أحمد الشرع بمحاولة تأسيس ديكتاتورية جديدة، وطالب بفصل السلطات وتوسيع صلاحيات الإدارة المحلية، مع الحد من صلاحيات الرئيس، ورفض سياسة الأمر الواقع بلون واحد على حد تعبيره. لكن الرجل يبدو أنه لم يعد يمثل كل طائفته والدليل على ذلك اتفاق الحكومة مع مجموعة أخرى من أهالي السويداء. وهنا لا بد من القول إن اعتراضات الدروز والأكراد على الإعلان الدستوري كانت متوقعة، لأنها نابعة من كون توجهاتهم علمانية، وهم يرون في بنوده رسائل واضحة باتجاه أسلمة الدولة السورية.
أما المُرحبون بهذه الوثيقة الدستورية فقد عبروا عن ثقتهم فيها بالقول، إنها في مجملها جاءت جيدة، خاصة في ما يتعلق بالبنود التي تحدثت عن الحريات العامة وحقوق المرأة وتجريم تمجيد نظام الأسد ورموزه. وقد عزا البعض هذا التأييد بسبب التوجه الإسلامي الواضح في الشارع السوري، حيث إن بنوده تطرقت إلى حالة قريبة من الشعارات التي أطلقوها في بداية الثورة السورية. كما أنهم يبررون طول الفترة الانتقالية التي حددتها الوثيقة الدستورية بخمس سنوات، على أنها ضرورة تطلبتها المرحلة حتى موعد كتابة دستور دائم للبلاد، ويجب أن تكون القرارات المركزية بيد الرئيس أحمد الشرع في هذه الفترة.
يقينا أن مستلزمات المرحلة الانتقالية هي التي فرضت هذا التوجه الذي رأيناه في الإعلان الدستوري، رغم أن أغلب بنوده هي بنود صادرة في دساتير سورية سابقة. فمن الناحية السياسية هي مرحلة توصف بأنها صعبة في سوريا، وهي حالة شبيهة بكل مرحلة انتقالية أخرى في أي مكان في العالم، حيث تكون البلاد في حاجة إلى حكومة مركزية تكون فيها السلطات غير متنافرة وإلى رئيس قوي. لكن على العموم هذا الإعلان الدستوري ورغم الترحيب والاعتراض فهو جزء من إعادة تشكيل سوريا، والتعويل يجب أن يكون منذ الآن على الدستور الدائم الذي لابد أن يكون مُحددا أكثر، وأن تكون الخبرات القانونية والدستورية السورية الكثيرة جدا مدعوّة للمساهمة في كتابته، وكذلك تكون الإرادة السياسية كافية أيضا.
وحسنا فعلت السلطات الجديدة في دمشق حين ضمّنت في الإعلان الدستوري عودة سوريا الى حاضنتها العربية، بعد أن كانت مُختطفة من إيران. ويبدو أن ما دفعهم لذلك هو تاريخ سوريا العربي وجغرافيتها العربية، ووجود توازنات إقليمية أقوى منهم في الإقليم، مثلا تركيا كانت تنوي التدخل في الشمال، وإسرائيل تدخلت في الجنوب كي تحمي الدروز، وفي الساحل هنالك مسلحون مدعومون من إيران وربما روسيا. لذا لا بد من العودة إلى الجذور.
كاتب عراقي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب