مخيمات الضفة هدفاً لـ«المحو»: الاحتلال يمنع العودة

مخيمات الضفة هدفاً لـ«المحو»: الاحتلال يمنع العودة
رام الله | حوّل العدوان الإسرائيلي مخيمَيْ جنين ونور شمس، بشكل خاص، إلى مكانيْن غير قابليْن للحياة، وذلك على إثر الدمار الذي لحق بمنازل المواطنين وممتلكاتهم ومصالحهم التجارية، والذي انسحب أيضاً على مرافق المخيم وبنيته التحتية. ويؤكد رئيس بلدية جنين، محمد جرار، «عدم صلاحية مخيم المدينة للعيش»، لافتاً، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أنه حتى في حال انسحاب جيش الاحتلال منه، وتوفّر الأموال اللازمة لإعادة إعماره، فإن ذلك «سوف يستغرق أكثر من عام، قبل أن تعود الحياة إليه». ويردف جرار أنه تم رفض الالتماس الذي تقدّمت به البلدية لـ«محكمة الاحتلال العليا»، بهدف إبطال هدم 93 مبنى في المخيم، ما يعني أنّ عمليات الهدم، والتي ستشمل أكثر من 400 وحدة سكنية، قد تحدث «في أي لحظة»، لافتاً إلى أن النزوح لم يقتصر على المخيم وحده؛ إذ إن «أكثر من 6 آلاف مواطن من جنين، يعيشون في محيط المخيم، تهجّروا أيضاً».
وطبقاً لما أعلنته «اللجنة الإعلامية» في مخيم جنين، أمس، فإنّ الاحتلال جرف 100% من شوارع المخيم، وقرابة 80% من شوارع المدينة، فيما تم تهجير سكان 3 آلاف و200 منزل في المخيم، ليصل عدد النازحين منه إلى 21 ألفاً، في تفريغ «شبه كامل» للمنطقة من سكانها. وأضافت اللجنة، في بيانها، أن عمليات الهدم الكلي في المخيم طاولت 200 منزل، بينما تضررت نحو 400 أخرى، ما جعلها غير صالحة للسكن.
ويأتي هذا وسط توقعات «اللجنة الشعبية» بأن يصل عدد المنازل المهدّمة إلى ألف، في إطار خطة تهدف إلى تغيير معالم المخيم، وتضمن منع إعادة بناء البيوت المدمّرة. ومن جهته، يؤكد رئيس «اللجنة الشعبية» في مخيم نور شمس، نهاد الشاويش، في حديث إلى «الأخبار»، أنّ ممارسات الاحتلال تهدف، بشكل واضح، إلى تحويل المخيمات إلى مناطق غير قابلة للعيش، وهو ما يدفعها إلى إخلاء مخيم جنين من سكانه بالكامل، وتحويله إلى «كومة من الرماد».
وأعادت المشاهد القادمة من جنين وطولكرم إلى الأذهان «عقيدة الضاحية» لعام 2006، وحرب الإبادة على قطاع غزة، في وقت تهدف فيه إسرائيل إلى إيصال رسالة مفادها أنّ ثمن أي مقاومة للاحتلال سيكون «الخراب الشامل»، إذ تتخذ الاستراتيجية الإسرائيلية، في مخيمات شمال الضفة، أبعاداً تشمل التمهيد لعملية «تخريب تامة» في المخيمات كافة، وذلك بهدف فرض الاحتلال العسكري المباشر عليها، وضمان حرية حركة الجيش فيها، ولا سيما من خلال شق الطرق الواسعة، وتقسيمها إلى «مربعات منفصلة»، يمكن اقتحامها والوصول إليها بسرعة.
تجد إسرائيل في الملف الأمني، الذريعة الأولى لخلق التغيير الجغرافي والديمغرافي في الضفة، بما يخدم المشروع الاستيطاني
وبناءً على الخطة المشار إليها، أفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، بأنّ جيش الحتلال عمد، بالفعل، إلى فتح خمسة كيلومترات من الطرقات، أي «تدميرها» وكل ما هو محيط بها، من أجل توسيعها بشكل يسمح للآليات العسكرية باقتحامها. ونقلت الصحيفة عن «قيادة المنطقة الوسطى» قولها إنّ مساحة المخيّم، التي تمتد على طول 800 متر وعرض 800 متر، هي مساحة كبيرة، إلا أنّ «المسلّحين» حوّلوا المخيم، عمداً، إلى مكان محصّن، مليء بالأبنية والطرقات الضيقة، التي تسمح بمرور العربات الصغيرة فقط. كما لجأ الفلسطينيون، طبقاً للمصدر نفسه، إلى وضع عوائق عند مداخل المخيم ومخارجه، بهدف عرقلة حركة جيش الاحتلال، ما سمح لهم بتعزيز بنية المقاومة.
بيد أنّه وبعد هدم المنازل، تغيّرت ملامح المخيم، وغادره معظم السكان، فيما نشر جيش الاحتلال كتيبة من الجنود حوله لمنع عودة «المسلّحين». وإذ تهدف خطة حكومة العدو إلى منع الفلسطينيين من إعادة البناء في المناطق التي تمّ هدمها، فقد زعم مسؤول أمني كبير أنّ «هدم كل منزل يتم بموافقة القيادة وباستشارة قانونية». وبحسب الصحيفة العبرية نفسها، فقد اتبع جيش الاحتلال الطريقة نفسها في مخيم نور شمس، حيث فتح طرقاً بطول نصف كيلومتر، وفي مخيم طولكرم، حيث فتح طريقاً بطول 200 متر إلى قلب المخيم بناءً على الأهداف نفسها.
وحالياً، أصبحت إسرائيل تلوّح بإمكانية تكرار سيناريو مخيمَيْ جنين ونور شمس، في سائر المخيمات الفلسطينية؛ إذ ذكرت مصادر عبرية أنّ «قيادة المنطقة الوسطى» في جيش الاحتلال تناقش، منذ أسابيع، خططاً لتنفيذ العمليات نفسها في المخيمات الـ18 في الضفة الغربية المحتلة. وممّا قالته المصادر: «لا نية حالياً لدى الجيش لاستخدام تلك الخطط، لكنها جاهزة للتنفيذ، وستُفعل في حال صدرت عن أي مخيم تصرفات مماثلة لتلك التي خرجت من مخيم جنين».
وفي ظل سعي العدو إلى إحداث تغييرات جغرافية وميدانية على الأرض، بدأ جيش الاحتلال في «قيادة المنطقة الوسطى» العمل على فصل منطقة الأغوار عن القرى الخمس، التي تشمل تياسير والفارعة وطوباس وطمون وعقابا، في خطوة تأتي كـ«نوع من استخلاص العبر من العمليات السابقة»، وفقاً لمصادر عبرية تحدّثت إلى الصحيفة. وفي مشروع آخر، أقام جيش الاحتلال غلافاً حول منطقة الأغوار، في خطوة تهدف إلى «تعزيز السيطرة على الطرقات في الأوضاع العادية وأوضاع الطوارئ»، على حدّ زعم المصادر.
هكذا، تجد إسرائيل في الملف الأمني، على جري العادة، الذريعة الأولى لخلق التغيير الجغرافي والديموغرافي في الضفة، بما يخدم المشروع الاستيطاني. ولذا، قررت حكومة الاحتلال توسيع الطرق التي يسلكها المستوطنون باعتبار ذلك خطوة احترازية نحو التقليل من العمليات الفدائية. وفي هذا الإطار، نقلت صحيفة «معاريف» عن رئيس المجلس المحلي لمستوطنة «بيت إيل» في الضفة، شاي آلون، قوله إنه «منذ فترة طويلة، أصبحت البنية التحتية في الضفة عبئاً ثقيلاً على المستوطنين؛ فالطرق ضيقة ومتهالكة، وغير مهيأة لحركة المرور المتزايدة، وكثير منها خطير ليس فقط بسبب حركة المرور المتهوّرة عليها، بل أيضاً بسبب الواقع الأمني الذي يعيشونه على خلفية تنامي ظاهرة العمليات العسكرية».
وأضاف أنه «بخلاف أماكن أخرى في الدولة الإسرائيلية، لا تُعتبر الاختناقات المرورية في الضفة الغربية مجرد إزعاج للمستوطنين، بل إنها تُشكل خطراً حقيقياً على حياتهم، ولذلك يُعدّ إعلان الحكومة الأخير عن توسيع الطرق فيها خطوةً حاسمةً نحو تحسين الوضع الاستيطاني ككل»، لافتاً إلى «أنه لسنوات طويلة، تجنّب صانعو القرار أخذ زمام المبادرة، وحلّ مشكلة البنية التحتية في الضفة، لكننا الآن فقط نشهد تغييراً جذرياً حقيقياً في طرقها».