اختبار أوّل لمسار «السلام»: هدنة البحر الأسود تنتظر التنفيذ

اختبار أوّل لمسار «السلام»: هدنة البحر الأسود تنتظر التنفيذ
لندن | توصّلت الولايات المتحدة إلى اتفاق مبدئي مع أوكرانيا وروسيا لتحييد البحر الأسود، بعد محادثات مع الطرفين عُقدت في الرياض، خلال الأيام القليلة الماضية. وتوافق المفاوضون، الروس والأميركيون، أيضاً، على تفاصيل الاتفاق الجزئي الذي توصّل إليه الرئيسان دونالد ترامب، وفلاديمير بوتين، في مكالمتهما الهاتفية الأسبوع الماضي، والمتعلّق بتجنيب مواقع البنية التحتية للطاقة، الهجمات المتبادلة لمدّة 30 يوماً.
وعلى الرغم من أن اتفاقاً شاملاً لوقف إطلاق النار في الحرب المستمرّة منذ أكثر من ثلاث سنوات، لم يتحقّق إلى الآن، إلّا أن التقدّم المطّرد في التفاهمات حول مسائل جزئية، أعطى إشارات قوية إلى إمكان أن تنجح الجهود الأميركية في تحقيق تسوية دائمة في نهاية الأمر.
وقال البيت الأبيض إن كييف وموسكو وافقتا، خلال محادثات الرياض، على تحييد البحر الأسود، بما في ذلك ضمان الملاحة الآمنة، وعدم لجوء أيٍّ من الأطراف إلى استخدام القوّة، والامتناع عن استخدام السفن التجارية لأغراض عسكرية. وتعهّدت الولايات المتحدة لكلا الجانبَين، في المقابل، بمواصلة تسهيل المفاوضات للتوصّل إلى وقف شامل للأعمال القتالية. ويقع البحر الأسود جنوب أوكرانيا وإلى الغرب من روسيا، وتشاطئه أيضاً رومانيا وبلغاريا وتركيا وجورجيا، ولطالما شكّل طريق شحن حيوياً لمحاصيل الحبوب الأوكرانية، واستخدمته روسيا لتصدير الأسمدة والمنتجات الزراعية نحو الغرب، قبل فرض الحصار الاقتصادي الأميركي – الأوروبي عليها.
من جهته، رحّب كيريل ديميترييف، أحد المفاوضين الروس، عبر صفحته على موقع «إكس»، بالاتفاق، باعتباره «تحوّلاً كبيراً نحو تحقيق السلام»، علماً أن الموافقة الروسية عليه جاءت مشروطة برفع العقوبات المفروضة على البنوك والمؤسسات والسفن الروسية المشاركة في إنتاج وتجارة الأسمدة والسلع الزراعية، بما في ذلك إعادة إدراج البنوك ذات العلاقة في نظام المراسلة البنكية (سويفت).
وفيما لم يتّضح بعد توقيت تنفيذ هذا الجانب من وقف إطلاق النار، سارعت أوكرانيا على لسان رئيسها، فولوديمير زيلينسكي، إلى الإعلان عن امتثالها الفوري له، في حين أشارت مصادر أميركية إلى أن واشنطن وافقت بالفعل على المساعدة في عودة روسيا إلى السوق العالمية للمنتجات الزراعية والأسمدة، وخفض تكاليف التأمين البحري على سفنها وتسهيل وصولها إلى الموانئ حول العالم، وإدراج البنوك الروسية المعنية في أنظمة الدفع للمعاملات المتعلّقة بها، لكنها قالت إنها قد تحتاج إلى التشاور مع حلفائها. وفي وقت لاحق، أكّد ترامب أن إدارته «تنظر» في الشروط الروسية لرفع العقوبات.
ستثير الشروط الروسية حساسية الأفرقاء الأوروبيين الذين ما زالوا في مزاج العداء لموسكو
وبرأي خبراء مطّلعين على مفاوضات الرياض، فإن الشروط الروسية يجب ألّا تؤخذ على أنها ستتسبّب بتعقيد المحادثات، لأنها تكاد تتطابق مع المطالب التي تقدّمت بها موسكو ووافق عليها الغرب لدى التوصّل إلى اتفاق الأمن البحري في البحر الأسود في عام 2022، بوساطة من الأمم المتحدة وتركيا. واتّخذت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في حينه، إجراءات لتسهيل المعاملات، لكنّ روسيا اشتكت من مماطلات الغرب، وانسحبت من الاتفاق في تموز 2023. وسجّلت صادرات الأسمدة الروسية رقماً قياسياً بلغ 40 مليون طن العام الماضي (2024)، فيما من المتوقّع أن تنمو بنسبة تصل إلى 5% خلال العام الجاري، ما يشير إلى نجاح موسكو في إيجاد أسواق بديلة تغنيها عن الأسواق الغربية.
لكنّ المفاوض الروسي يبدو مهتمّاً أكثر باستغلال المفاوضات حول وقف إطلاق النار، لفتح ثغرات في نظام العقوبات الغربي على بلاده، في حين ستثير شروطه – والتي يحتاج الوفاء بها إلى موافقة بروكسل (مقر الاتحاد الأوروبي) – حساسية الأفرقاء الأوروبيين الذين ما زالوا في مزاج العداء لموسكو ويشكّكون في نوايا قيادتها، من دون أن يعني ذلك أن الجانب الأميركي لن يتمكن من انتزاع موافقتهم لضمان استمرار مسيرة إنهاء النزاع.
وكان أعلن زيلينسكي أن كييف ستلتزم باتفاق تحييد البحر الأسود، وإنْ بدا متشكّكاً إزاء نوايا الروس، الذين يتّهمهم بالكذب، مؤكداً أن بلاده «ستتصرّف بشكل بنّاء، وتقوم بدورها في تنفيذ التفاهمات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا». وأشار زيلينسكي إلى أن واشنطن أبلغت وفد بلاده عن دخول اتفاق تحييد البحر الأسود وكذلك وقف الاستهداف المتبادل لمواقع البنية التحتية للطاقة لمدة 30 يوماً، حيز التنفيذ بصفة فوريّة. وأكّد مسؤول أوكراني رفيع، تحدّث إلى صحيفة بريطانية، أن أوامر صدرت بالفعل إلى الجيش الأوكراني بوقف تام للضربات على الأهداف الروسية في البحر الأسود، وكذلك شبكات الطاقة.
وكانت موسكو قد أعلنت، في وقت متزامن، أن مفاوضيها توصّلوا، مع الوفد الأميركي، إلى تحديد قائمة بالمواقع التي يشملها اتفاق وقف الهجمات على منشآت الطاقة. وضمّت القائمة مصافي النفط وخطوط أنابيب الخام ومرافق التخزين، بما في ذلك محطّات الضخ، والبنية التحتية لتوليد الكهرباء ونقلها، بما فيها محطّات الطاقة والمحطات الفرعية والمحوّلات ونقاط التوزيع، ومحطات الطاقة النووية، والسدود الكهرومائية. وبحسب الطرف الروسي، فإن وقف إطلاق النار الجزئي هذا، دخل حيّز التنفيذ بالفعل منذ الـ18 من الشهر الجاري ولمدّة 30 يوماً، مع إمكان تمديده المتبادل في حال التزام نظام كييف به.
من جهتها، رحّبت لندن بشكل حذر بالأنباء عن اتفاق تحييد البحر الأسود؛ وقالت ناطقة باسم «10 داوننغ ستريت» (مقر رئاسة الوزراء بالعاصمة البريطانية): «موقفنا الحالي هو أنّنا نأمل بشكل واضح في تحقق تقدُّم»، و«ستستمرّ الحكومة في متابعة التطوّرات عن كثب»، لكنها رفضت الكشف عن موقف بلادها من مسألة تخفيف العقوبات، والتي اشترطتها روسيا لتطبيق الاتفاق.
الاخبار