عربي دولي

انكفاء «الدعم السريع» إلى دارفور: «الأمر» لم ينتهِ بعد

انكفاء «الدعم السريع» إلى دارفور: «الأمر» لم ينتهِ بعد

محمد عبد الكريم أحمد

بوصول رئيس «مجلس السيادة» السوداني، عبد الفتاح البرهان، إلى الخرطوم، وإعلانه «تحرير» العاصمة من قوات «الدعم السريع» (26 الجاري)، دخل السودان وأزمته المستعصية منذ عامين تقريباً، مرحلة جديدة، مع تعميق الجيش مكاسبه على الأرض في مواجهة «الدعم»، اعتباراً من بداية العام الجاري. وبحسب خريطة نشرتها القوات المسلحة السودانية عبر وسائط متعددة (25 الجاري)، فقد باتت «الدعم السريع» محصورة في جنوب غرب البلاد، مع خلوّ ولاية شمال دارفور من أيّ وجود لقواتها، وامتداد هذا الوجود على شريط ضيّق في ولاية شمال كردفان يقترب من مدينة الخرطوم، ويُتوقّع أن يكون مسرحاً للعمليات العسكرية في المرحلة المقبلة.

عزّز الجيش السوداني، منذ أيلول/ سبتمبر 2024، تحركاته لاستعادة العاصمة، والتي اشتملت على ضربات جويّة دقيقة استعاد بعدها السيطرة على أجزاء من وسط الخرطوم وبحري، كما تمكّن من السيطرة على معظم أجزاء ولاية سنار في تشرين الأول/ أكتوبر، ثم في كانون الثاني/ يناير الماضي، على مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة. وفي الـ21 من آذار/ مارس الجاري، استطاع الوصول إلى القصر الجمهوري وأجزاء كبيرة من وسط الخرطوم، بعد معارك شرسة خلّفت مئات القتلى، ثم إلى البنك المركزي (22 مارس)، وسط استمرار فرار عناصر من «الدعم» قُدّروا بالآلاف من جزيرة توتي، بالقوارب، ربّما إلى غرب دارفور حيث يُتوقّع تمركز تلك القوات لإعادة ترتيب أوراقها.

ويكشف التصعيد التدريجي الذي اتّبعه الجيش تجاه «الدعم» على محاور ولايات مثل سنار والنيل الأزرق والخرطوم والجزيرة في شرق السودان، وتكتيكات التعاون والتنسيق مع عدد من حركات المعارضة المسلحة السابقة في بعض مراحل التصعيد، عن تبنّيه استراتيجية تضييق الخناق على تلك القوات، ومحاصرتها داخل معاقلها في ولايات غرب ووسط وجنوب وشرق دارفور، في حال نجاح الجيش في الأسابيع المقبلة في ملاحقة «الدعم» في شمال كردفان.

في المقابل، بدت صفوف «الدعم» مرتبكة بشكل غير مسبوق منذ نيسان/ أبريل 2023، إذ سعت إلى التغطية على ما وُصف بـ»النصر الرمزي» الكبير للجيش، بإعلان استيلائها على مدينة كاجاوا في غربي كردفان. كما لاحظ مراقبون حرْصها على عدم الإقرار بهذه الهزيمة، والعمل على تشديد قبضة قواتها على ولايات دارفور، بما فيها شمال دافور، التي تشهد عاصمتها، الفاشر، حصاراً مستمراً، علماً أنها تشكّل تموضعاً تقليدياً لهذه القوات وشبكات إسنادها، إذ تمتد حدودها مع تشاد (التي تشهد علاقاتها بالسودان اضطرابات متكرّرة) وجمهورية أفريقيا الوسطى، حيث ترد تقارير مستمرّة عن تجارة معقّدة تتورّط فيها أطراف دولية وإقليمية (مثل روسيا والإمارات)، قوامها مبادلة ثروات السودان المعدنية (ولا سيما الذهب) بأسلحة متنوعة عبر وسطاء.

تظلّ مصر حاضرة في المشهد السوداني ودافعة بقوّة لتعميق مكاسب الجيش

وهكذا، فإن تراجع قوات «الدعم» نحو معاقلها، وما يُتوقّع من إطلاق الدول الحليفة لحميدتي مرحلة جديدة من دعمه عسكرياً على الأقل، قد يؤشّران إلى مزيد من التصعيد، وتأجيل مرحليّ لمواجهات أكبر يرى البعض أنها تعزّز نظرياً سيناريو تقسيم السودان أكثر من أيّ وقت مضى، منذ إعلان استقلال جنوب السودان في عام 2011.

جاء إعلان البرهان «تحرير» الخرطوم و»انتهاء الأمر»، والذي قد يشوبه بعض التعجّل، فيما تتسارع الأمور في جارة السودان الجنوبية، مع صدور أوامر في جوبا باحتجاز نائب الرئيس الجنوب سوداني، رياك مشار، في مقر إقامته (26 مارس)، وذلك بعد أسابيع من الشدّ والجذب مع الرئيس سلفا كير، وهو ما عدّته «مفوضية حقوق الإنسان» في الأمم المتحدة (27 الجاري) مؤشراً إلى قرب وقوع كارثة العودة إلى الحرب الأهلية، ولا سيما مع ازدياد حدّة أعمال العنف، خلال الشهر الجاري، في العديد من الأقاليم، واقترابها من العاصمة جوبا، بالتزامن مع عمليات اعتقال موسّعة طاولت معارضين لكير، حتى من غير المحسوبين على نائبه مشار.

والأكيد أن هذا الوضع وما قد يترتّب عليه، يمثّل تعقيداً إضافياً للأزمة؛ إذ تقع ولايتان من ولايات دارفور الخمس، والتي تتحصّن فيها قوات «الدعم السريع»، على الحدود مع جنوب السودان، كما ثمة مؤشرات قوية إلى دعم نظام سلفا كير (سياسياً على الأقل) لتلك القوات، اتساقاً مع موقف جوبا من دول مثل أوغندا وكينيا، وكذلك الإمارات التي باتت أهم شركائها التجاريين.

كذلك، توتّرت، في الأسابيع الأخيرة، علاقات الخرطوم مع كينيا؛ إذ ترتّب الأولى لفرض حظر طيران على الخطوط الجوية الكينية، يُتوقّع سريانه في نيسان/ أبريل المقبل، كإجراء عقابي لنيروبي التي دعمت بشكل علني استضافة فعاليات إطلاق ما عُرفت بـ»الحكومة الموازية» (22 فبراير الماضي)، والتي قادتها شخصيات محسوبة على «الدعم السريع»، إلى جانب ممثّلين عن قوى سياسية وحركات مسلحة معارضة لـ»مجلس السيادة»، في ما يمثّل تصعيداً تدريجياً بعد حظر الخرطوم كل الواردات من كينيا، منتصف الشهر الجاري.

وإضافة إلى ما تقدّم، تزامنت التطوّرات الأخيرة في السودان مع زيارة قام بها رئيس الإمارات، محمد بن زايد، إلى القاهرة (22 مارس)، حيث حضر ملف السودان في قلب المحادثات التي أجراها مع نظيره المصري، عبد الفتاح السيسي، وسط تكهنات بوجود حوافز استثمارية مصرية لأبو ظبي (مثل صفقة محتملة لبيع حصة رئيسية من بنك القاهرة، ثالث أكبر البنوك المصرية المملوكة للدولة)، لتخفيف مواقف الأخيرة في قضايا تهمّ القاهرة بشكل مباشر، مثل الوضع في غزة والسودان وليبيا، وتؤثّر سلباً على مجمل المصالح المصرية.ينذر تدافع قوات «الدعم السريع» نحو معاقلها في ولايات دارفور، بالاستعداد لخوض صراع مفتوح مع الجيش، الذي سيواجه صعوبة في الدفع بقوات برية إلى ولايات دارفور، ويكتفي على الأرجح بتوجيه ضربات جوية إلى معاقل «الدعم» هناك، الأمر الذي تستطيع الأخيرة التعامل معه على المدى البعيد بحكم توفّر حواضن اجتماعية لها.

كما يتوقّع أن تسندها الدول الداعمة بها بتسليح يناسب المرحلة المقبلة، على الأقل كضغط مباشر على حكومة الخرطوم لتقديم تنازلات سياسية مهمّة، والتراجع عن نهجها الحالي، وأبرز وجوهه رفع دعوى أمام «محكمة العدل الدولية» ضدّ الإمارات، وفرض عقوبات تجارية على كينيا، والتهديد بقطع العلاقات مع دول أخرى تتّهمها الخرطوم بالتحيّز لصالح «الدعم».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب