البيرة الفلسطينية: جهود إحياء مدينة في زمن الإبادة

البيرة الفلسطينية: جهود إحياء مدينة في زمن الإبادة
سعيد أبو معلا
البيرة ـ يتفق مجموعة من الفاعلين الثقافيين والسياحيين والنشطاء المجتمعيين على جملة مفادها أن «مدينة البيرة مظلومة إعلاميا». يضيف علاء الدين قرعان، رئيس القسم السياحي في بلدية البيرة، على الجملة المفتاحية السابقة على أنه «من حق البيرة أن توضع على الخريطة السياحة العالمية وليس فقط المحلية».
يتابع قرعان حديثه مع «القدس العربي» والحماس للبيرة باديا عليه: «في ضوء تاريخ البيرة وعمرها وما تمثله من تاريخ وحضارة ومكانة».
ورغم أن أسبابا كثيرة عملت، معا، على تكريس الظلم الذي مرت به المدينة سياحيا وثقافيا ومكانة تاريخية، والتي كرست التقصير الإعلامي ومنها أسباب سياسية إلى جانب سلوك مجالس بلديات سابقين عليها، إلا أن مجموعة النشطاء والفاعلين الثقافيين في المدينة لا يلقون بالا لها، فهم ينشطون ويعملون بجهد نادر على إعادة إحياء المدينة التي يعود تاريخها، بحسب قرعان، إلى نحو 6 آلاف عام، فتاريخ المدينة التي كانت ممرا إجباريا للقدس يمتد إلى 3500 سنة قبل الميلاد.
ولا تزال بقايا أسوار مدينة البيرة الأولى قائمة حتى اليوم في تل النصبة البعيدة 12 كم فقط عن العاصمة المحتلة القدس.
وأطلق اسم البيرة على المواقع والأماكن التي كان يتكلم أو ينطق فيها بالآرامية، وبالتالي فإن البيرة هي ترجمة للفظ الآرامي «بيرتا» أي بمعنى القلعة أو الحصن. وهي تقع على بعد 16 كم شمال مدينة القدس، وعلى الطريق الرئيسي الذي يربط القدس بمدينة نابلس.
وتضم البيرة بقايا تعود لفترات حضارية مختلفة، البيزنطية والصليبية والمملوكية والعثمانية، وتضم البلدة القديمة العديد من المعالم الأثرية أبرزها الخان والكنيسة وبعض المقامات الدينية إلى جانب المباني التقليدية، وهي عبارة عن نسيج معماري تمثل العمارة الشعبية والتقليدية.
خان.. متحف.. مركز ثقافي
ومن وسط المدينة، ومن مركزها التجاري القديم وتحديدا من خان البيرة الذي يعود للحقبة الصليبية، تسعى جهات رسمية وأهلية للعمل على إعادة الاعتبار للمدينة وتاريخها.
يحمل علاء الدين قرعان شهادة الماجستير في الدراسات الدولية ويدير قسم السياحة في بلدية البيرة، وهو قسم مستحدث ويسعى من خلال تفعيله التركيز على تفعيل الخان الذي يضم متحف المدينة عبر فعاليات وأنشطة تدفع المواطنين والزوار للتوجه إليه.
وقبل أسابيع أطلقت البلدية ووزارة السياحة فعالية «سوق الخان الرمضاني الأول»، وكان باكورة جهود منظمة لتغيير صورة المواطنين عن الخان وعن مدينتهم، فهو «ليس ذلك المكان المغلق والمظلم، إنه مكان قيم ويتضمن كل ما يتعلق بتاريخ المدينة» حسب قرعان.
وجاء في بروشور المتحف الذي يجسده الخان أن تاريخ المبنى يعود إلى الفترة الصليبية، وهو جزء من المباني الجنوبية للمستوطنة الصليبية بمعنى منطقة التعبد الكبرى، وكان مركزا لإدارة الحكم، أي أشبه بمجلس مشرع للقوانين.
وحسب الوثائق الصليبية عام 1151م فقد تم تعيين قاض في البيرة يدعى ارنولفس جوري يقوم على رأس المحكمة التي كانت تعقد في البناية المركزية مع وجود ممثل من كنيسة القيامة.
أما في الفترة الإسلامية المتأخرة فقد استخدم المبنى كاستراحة للمسافرين والتجار والحجاج وقد عرف باسم خان البيرة لوقوعه على طريق القوافل الذي يربط القدس بمدينة نابلس.
وكانت بلدية البيرة قد وقعت مع وزارة السياحة، التي تملك متحف الخان، اتفاقية تعاون مشترك وتفعيل من أجل مأسسة علاقة جديدة يراد لها أن تنجح وتعمل على إعادة البيرة على خريطة السياحة المحلية والخارجية.
وكان «سوق الخان الرمضاني الأول» باكورة الأعمال التي تم تدشينها من أجل الإعلان عن إطلاق جهود إحياء البيرة.
وينظر جهاد ياسين، مدير عام المتاحف والتنقيبات في وزارة السياحة والآثار، إلى الخان على أنه «مبنى ومعلم فريد»، إلى جانب أنه يمثل البيرة في الفترة الصليبية، وما تلاها، حيث كانت له أهمية كبيرة وهو ما يجعله «مهما في مهمة إعادة إحياء المدينة».
ويتابع ياسين: «شيد المبنى على النمط الرومانسك الذي كان شائعا في الفترة الصليبية، حيث كان تخطيط المبنى يأخذ الشكل المستطيل 60× 45م، لكن المبنى تعرض للتدمير بفعل العوامل الطبيعية التي أثرت على شكل وحجم المبنى، أما الجزء المتبقي من المبنى حاليا فتتشكل أبعاده 16×14م فقط، ويتكون من سلسلة من الأقواس المدببة التي تعلوها العقود المتقاطعة، وقد بنيت من الحجارة المشذبة».
ويتابع حديثه: «في العام 1997 قامت دائرة الآثار بتنظيف المبنى وإجراء أعمال التنقيب، وتم ترميم الجدران والأسقف المتهدمة بغرض إعادة تأهيل المبنى واستخدامه كمتحف. وأصبح الآن يعرف باسم متحف خان البيرة، وفي وقت لاحق رأينا أن يكون مركزا للتراث الثقافي، بحيث يسهم في حفظ وإدارة التراث الثقافي للمدينة ومحيطها».
ويشدد شادي جردات، مدير المتحف على أن المبنى جهز ليخدم عدة أغراض في نفس الوقت، حيث يحتوي على عرض متحفي دائم لأهم المكتشفات الأثرية في مدينة البيرة مقسمة وفق المواقع الأثرية التي اكتشفت فيها، بالإضافة إلى قاعة متعددة الأغراض، وقسم المختبرات وورش العمل.
وتابع جردات: «لقد تم فتح الخان بداية كموقع أثري، ومن ثم قررنا تحويله لمركز ثقافي، فتحول إلى متحف ومؤسسة ثقافية يعرض تاريخ البيرة ويقوم بنشاطات كثيرة مع طلبة المدارس والمخيمات الصيفية».
تحديا للاحتلال زمن الإبادة
ولا يتعامل ياسين، ممثل وزارة السياحة، مع حدث إطلاق سوق الخان من جديد على أنه فعالية وحسب، فهو يرى في النشاط تحديا لسياسات الاحتلال في قطاع غزة والضفة أيضا.
يكمل: «في غزة دمر الاحتلال 226 معلما أثريا، هذه الأماكن لم تكن جزءا من الصراع ولم تكن مواقع عسكرية.. وفي الضفة يقوم بإحكام السيطرة والحصار على كافة المناطق الأثرية، إنه يحاول خلق رواية حول التراث الفلسطيني، يفعل ذلك منذ أكثر من مئة عام، أما نحن وبأبسط الامكانيات نقدم أقوى رد ونثبت علاقة الفلسطيني بتراثه وحضارته الممتدة».
ويعتبر أن الوضع السياسي مثل التحدي الأول بالنسبة له ولغيره من الشركاء، «لقد خفنا أن يأتي المواطنون ليقولوا لنا: (انتو وين.. والناس وين)، وكنت سأجيبهم أنني لم أقم بإطلاق مهرجان أو عرس.. كل الأنشطة ناسبت الظرف السياسي من عروض مسرحية إلى فعاليات ثقافية مختلفة، أنا أشجع المواطنين على التواجد في فضاءهم الحضاري وأعزز الرابط بينهم وبين أماكنهم التراثية وأرضهم وتاريخهم».
وأمام الأسئلة الصعبة قبل إطلاق الفعالية التي امتدت على مدى يومين لمس ياسين ومن معه من شركاء مدى تعطش المجتمع المحلي للفعالية، «كان هناك اهتمام ورغبة بالتعرف على التاريخ ومعرفة المكان»، وهي مسألة تستوجب «تعاون الجميع، فتعزيز الثقافة عند الناس يتطلب كل الشركاء».
وخلص ياسين إلى أن «هناك حبا لتراثنا وتاريخنا وجذورنا.. المطلوب هو الاستفادة من هذا الحب الخامل والدفين من أجل التشجيع على زيارة الأماكن التراثية ودراستها والتعرف عليها».
ولا يبدو ياسين مشغولا في المنافسة بين مدينة البيرة ورام الله، لكنه يشدد على أنه «لو حدث التنافس الإيجابي سيكون مفيدا لمصلحة المدينتين، وهو ما نريده.. والمؤكد بالنسبة لنا أن هناك رغبة كبيرة لدى البيرة في تنشيط علاقة سكانها بتراثها وهذا مهم ويجب دعمه، فالخان الذي تشرف عليه الوزارة هو ملك أهل البيرة وأبناء المدينة».
ويختم: «كل ما نطمح إليه هو أن تصبح زيارة المتحف والأماكن التراثية طقسا شهريا أو أسبوعيا، مثلما يذهب المواطنون للمول أو للمتنزهات يكون الذهاب للمتحف جزءا من اهتمامهم، وهو ما نريده بالعمل من كل الأطراف والشركاء».
«البيراوية كثار»
وفي الجانب الآخر، يبدو علاء الدين قرعان مهموما بفئة غير موجودة في مدينة البيرة في هذه اللحظة، أي المغتربين، وهو يرى في الأنشطة في الخان وغيره بإنها تهدف إلى تمتين علاقة أبناء البيرة بمدينتهم.
يكمل: «هناك الآلاف من أبناء المدينة يعيشون في المهجر وتحديدا في الولايات المتحدة الأمريكية. صحيح أنه لا تتوفر أرقام دقيقة حول أعدادهم حتى اللحظة، لكنها تتراوح ما بين 30-40 ألف بيراوي يعيشون في الخارج».
يضيف قرعان: «البيراوية في الخارج كثار، وهم مرتبطون بمدينتهم ويعودون لها سنويا، في السنة الماضية كانت الأعداد قليلة بفعل الأحداث السياسية لكنهم مرتبطون بالمدينة الأم ويعودون لها، ونحن نريد البناء على هذه العلاقة الجميلة والقوية مع البيرة».
ويرى قرعان أن «سوق الخان الرمضاني مجرد فكرة، وهي مقدمة نعمل عليها مع أطراف عدة لتكون مقترحا لسوق أسبوعي، يبدأ بالخان ويمتد إلى كنيسة العائلة المقدسة في قلب المدينة».
ويفخر قرعان أن البيرة تضم أكثر من 35 موقعا أثريا متنوعا، ففيها عيون الماء والمقامات والمساجد والكنائس القديمة، وكلها تستحق الاحتفاء والاهتمام.
وحسب نشرة سياحية صادرة عن الوزارة تضم البيرة ومحيطها الكثير من الينابيع استخدم بعضها لمياه الشرب، مثل: عين الجامع وهي من أهم العيون في البيرة، وبعض العيون استخدمت في ري المزروعات، وبعضها كانت تقوم عليها صناعة طحن الحبوب من خلال طواحين الماء، مثل: عيون الجنان.
ويريد قرعان البناء على النجاح الكبير الذي تحقق من فعالية سوق الخان الرمضاني معتبرا أنه يهدف إلى تسليط الضوء على البيرة وتراثها لكن بطريقة جديدة، كما يؤكد أن هناك الكثير من الخطط القادمة مثل المسارات السياحية والحديقة السياحية إلى جانب خطة ترويجية وخريطة سياحية إلكترونية.
في هذا الصدد يشدد أيضا شادي جردات، مدير متحف خان البيرة، على فكرة الأنشطة المتنوعة التي تعود بالفائدة على المجتمع المحلي، وهي أساس العلاقة التي تجمع المتحف مع بلدية البيرة.
ويكمل: «الفعالية كانت مقدمة لسلسلة من الأنشطة التي تجذب المجتمع المحلي. التنسيق والتخطيط مشترك بيننا والبلدية، إنها حالة من الخروج عن دور وشكل المتحف التقليدي، فتفعيل المكان وتنشيطه يخدم المجتمع المحلي».
ويقر جردات أن المتاحف تحديدا بحاجة إلى التفكير عميقا في كيفية جذب المواطنين لزيارتها، «نريد جلب الناس من أجل زيارة المتحف عبر تقديم فعاليات رديفة مثل المسرح أو الحكواتي أو شراء منتجات أو فعاليات للأطفال».
يردد جردات، وهو ناشط ثقافي قبل أن يعمل في متحف الخان، أن «البيرة حاضنة.. وهناك جمهور محب.. لقد نقلنا مركز الثقل التجاري والتراثي للبلدة القديمة في البيرة، وهو أمر سنكرره، عملية إحياء مراكز البلدات القديمة بعد ترميمها بما يخدم البيئة المحيطة يعتبر أبرز الأهداف لنا».
أما عزات حنانينا، أحد العاملين في المتحف، فيؤكد على أن ما يميز الخان الذي يضم متحفا مهما هو أن كل المواد التراثية والأثرية التي يقدمها للزوار جلبت من داخل البيرة ومواقعها الأثرية، لقد جمعت لحمايتها داخل المتحف.
ويكمل حنانينا وبحماس: «تاريخ المكان مسألة مهمة، لم يحدث في تاريخ البيرة أي انقطاع حضاري منذ الماضي حتى اليوم، لقد عاصر أهل البيرة كل العصور».
ويسرد أبرز القصص عن البيرة حيث يقول: «هناك روايات أن السيد المسيح ضاع في البيرة، تقول الرواية إن المسيح أثناء ذهابه للقدس ضاع بالطريق، هذه القصة تخبرنا كم أن المدينة مهمة، وهو أمر كان كذلك في كل الفترات والمراحل».
ويرى حنانينا إعادة إحياء موقع خان البيرة والمناطق الأثرية في المدينة بإنها تكريس لنهج التواصل، ومنع حدوث أي انقطاع في تاريخ هذه المدينة المركزية.
ويشدد: «يجب أن يستمر التواصل بين الأجيال.. يجب أن تكون المدينة وأصالتها حاضرة في كل فتراتها، هذا حدث في الماضي كما يخبرنا التاريخ ونريده أن يحدث في هذه المرحلة الصعبة أيضا».
وتجسد البيرة حسب حنانينا التعايش الإسلامي المسيحي، فخلال الفترة الإسلامية حدث التعايش بين المسلمين والمسيحيين، لقد كانت هناك كنيسة وإلى جوارها المسجد، والجميل في هذا التاريخ أنه «لم يحاول أحد طمس أي هوية، لقد بقيت الهويتان واضحتان وبارزتان».
أسئلة عامة
يعمل الباحث والأكاديمي سعد عميرة، مديرا لمركز البيرة الثقافي، وهو يطرح أسئلة عامة والتي من ضمنها سؤال يلخص فعاليات إحياء البيرة حيث يقول: هل يمكن نقل مراكز المدن وإعادة تشكيل الفضاء الحضري: تجارياً، ثقافياً، اجتماعياً، سياحياً؟
يتجاوز السؤال السابق الطرح النظري، ويشكل تحديا يجعل من عميرة إلى جانب قرعان وبالتعاون مع وزارة السياحة يختبره في واقع الممارسة الثقافية في مدينة البيرة.
ويؤكد عميرة أن فعاليات سوق الخان الرمضاني الأول كانت محاولة للإجابة على السؤال، ويشدد على أن «رؤيتي التي أحملها تتمثل في محاولة خلق تقاطعات بين الأجسام التي أعمل فيها معرفيا وسياحية وثقافيا وبالجوهر منها تحمل رسالة تربوية».
ويرى فعاليات إحياء البيرة تنطلق من مسؤولية اجتماعية أكبر، «إنها فعاليات فيها الأمل والمعرفة للمجتمع ومكوناته المختلفة، وفيها أيضا التسويق للمنتجات الوطنية أيضا».
ويشدد على أن هناك تقاطعات خلقت حدثا يؤسس لسوق أسبوعي يبدأ من الخان ويذهب للمركز التجاري القديم في المدينة، إنها تشكل «فضاء اجتماعيا ثقافيا في مركز جديد في المدينة».
ويرى عميرة أن أبرز نجاح تحقق في فعالية إطلاق عملية الإحياء هو الاستثمار بالرأسمال الاجتماعي والثقافي من خلال مركز البيرة الثقافي ومتحف الخان وقسم السياحة بالبلدية، حيث «تمكنا من استقطاب شرائح متنوعة، لقد تمكنا من جذب طيف واسع من المشاركين وهو ما عكس تعددية المدينة في هذا النشاط».
ويؤكد عميرة على أن الفعالية تأتي ضمن خطة لتفعيل المساحات والفضاءات السياحية والتجارية. وما يربطها هو توجه معرفي لمحاولة خلق فضاءات حضرية متنوعة ومتعددة، وهو جزء من خطة تفصيلية قدمت للمجلس البلدي ووافق عليها.
ويرى أن التحدي الماثل يرتبط «بأننا أمام مدينة لها إرث ثقافي كبير ليكون السؤال: كيف نعزز الزخم تجاريا وثقافيا في مدينة ذات زخم حضاري؟ هنا نحن ننظر للبيرة على أنها فضاء حضري حاضن لمكونات مجتمعية فلسطينية يربطها تجانس كبير، وهذه الفضاءات المعرفية والسياحية والثقافية دورها هو أن تعزز هذه الحالة الاجتماعية».
ويؤكد الباحث عميرة على أن العمل هنا لا يكون لشريحة صغيرة معينة مثل: المثقفين أو الأكاديميين، «بل نسعى إلى تحويل الحدث أو الفضاء الثقافي إلى مجتمعي».
ولا ينسى أثناء حديثه التأكيد على حقيقة ملموسة تتمثل في غياب الفضاء الاجتماعي والحضاري لمدينة القدس بصفتها مركزا، والسبب في ذلك هو الاحتلال، وهو أمر جعل من البيرة تعاني في ظل غياب المركز الجامع لكل المكونات الدينية والثقافية والسياحية.
وتلك الحقيقة تجعل من عميرة وغيره من النشطاء لا يتعاملون مع شعار البيرة «بوابة القدس» بصفته شعارا وحسب، «بل نرى الفقدان وما يفرض علينا من العيش في كنتونات نحاول كسره من خلال خلق الفضاء الاجتماعي والثقافي خارج التقسيمات الضيقة التي يتم حصرنا فيها».
ثلاثة مكونات للمدن
ويتبنى عميرة تصورا مخالفا للمدن، حيث يقول: «زرت أكثر من 100 مدينة حول العالم، وأقمت إقامات بحثية طويلة في بيروت، عمّان، بازل، لندن، كيب تاون، لفترات تزيد عن الخمس سنوات، ضمن إطار عمل ثقافي، أكاديمي أو دبلوماسي، تعلمت عن هذه المدن شيئا بسيطا. لكل مدينة سوق تجاري، جامع، كنيسة، مرفئ، مطار، شاطئ تعتاش منه. ولكل مدينة إنتاجها المعرفي، الثقافي، الفني الذي يميزها عن الأخرى، سواءً من الأنماط التي نجدها على جدران الشوارع إلى أرقى المتاحف والجامعات. حواضن المعرفة، الثقافة، والفنون تضع المدن على تقاطع طرق الازدهار والتعددية أو القحط والجمود».
وهنا يطالب بضرورة المسير في المحور الأول، عبر فتح المساحات أمام المهتمين، لخلق حاضنة معرفية مجتمعية.
هنا يتبنى عميرة التنظير للمدن من خارج الصندوق، فالمدن بصفتها كائنا اجتماعيا ليست مجرد شوارع تخطيط حضري أو مخطط هيكلي. المدن إذا نظرنا لها ككائن اجتماعي يعتبر الإنتاج الثقافي والمعرفي والاجتماعي يصب في قلبها.
ويختم: «بالتالي لدينا مكان وكنز ثري مثل الخان، ومعرفة لدى وزارة السياحة، ودور وأنشطة تقوم بها البلدية، ليكون السؤال كيف نخلق أنشطة تفعل المكان وتخلق حيزا ثقافيا، مع التأكيد على أن هذه الأماكن ليست فقط أماكن قديمة، بل هي أماكن مهمة في ظل أن مدننا تتعرض للإبادة.. وهو ما يجعل من كل الأنشطة مساحة لصنع الذكريات وخلق تفاعل مع المساحات التي تعتبر جزءا من تاريخنا وامتدادنا».
«القدس العربي»: