كتب

للجم وجودها في سوريا… هل ينقل أردوغان مواجهته مع إسرائيل إلى البيت الأبيض؟

للجم وجودها في سوريا… هل ينقل أردوغان مواجهته مع إسرائيل إلى البيت الأبيض؟

 “لا نريد مواجهة مع إسرائيل في سوريا، لأن سوريا للسوريين”، هذا ما قاله وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في مؤتمر صحافي أجراه الجمعة الماضي. هذا كان تصريح تركي رسمي أول بعد سلسلة من القصف الذي نفذته إسرائيل في الأسابيع الأخيرة في مطارات ومنشآت أخرى في سوريا، أدى إلى تدمير شبه مطلق للمطار الكبير “تي 4” في حمص، ومطار قرب حماة، ومركز أبحاث في برزة قرب دمشق.

 حسب المركز السوري لحقوق الإنسان، الذي مقره في لندن، نفذت إسرائيل أكثر من 500 هجوم في سوريا منذ سقوط نظام الأسد في كانون الأول. في بعض الحالات، تمت مهاجمة نفس الأهداف عدة مرات. هدف إسرائيل العلني هو تدمير بقايا التسليح والمعدات العسكرية التي بقيت في سوريا، وبالأساس الإضرار بالقدرة المستقبلية على تشكيل جيش جديد في سوريا، الإمكانية التي قد تكون موجهة ضد إسرائيل مثل الصواريخ والطائرات ومراكز إنتاج لمواد كيميائية، مثلاً، مركز برزة الذي تدمر في العام 2018. وتطرق وزير الخارجية التركي إلى هذه القضية؛ لأن ما ظهر وكأنه تحرك عسكري تكتيكي يهدف إلى تدمير القدرات، تطور إلى صراع بين إسرائيل وتركيا على السيطرة، ما قد يتدهور ويصبح مواجهة عسكرية أولى بين الدولتين.

 تركيا ساعدت أحمد الشرع ومليشيا هيئة تحرير الشام عسكرياً وسياسياً على إسقاط الأسد، وكانت الدولة الأولى التي اعترفت بالنظام الجديد والشخصيات الرفيعة فيها بما في ذلك فيدان ورئيس المخابرات في تركيا إبراهيم قالين، قد وصلت إلى دمشق بعد فترة قصيرة على استيلاء الشرع على الحكم ووضعوا أنفسهم لخدمته. صحيح أن تركيا ليست الدولة الوحيدة المؤيدة للشرع؛ فالسعودية سارعت أيضاً إلى عرض مساعدات سخية لإعادة الإعمار، ومثلها قطر والإمارات والاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية، في أواخر رئاسة بايدن، الذي وافق على تجميد بعض العقوبات لنصف سنة.

  لكن نشأت بين النظام الجديد في سوريا وتركيا شبكة علاقات خاصة وطيدة، ليس فقط بسبب المساعدات الكبيرة والتقارب بين النظامين، بل طموح تركيا إلى إبعاد “قوات سوريا الديمقراطية”، الذراع العسكري في إدارة الحكم الذاتي الكردي، التي تسيطر على عدة محافظات في شمال سوريا على طول الحدود مع تركيا. أنقرة تعتبرها منظمة إرهابية تتعاون مع حزب العمال الكردستاني “بي.كي.كي”، الذي تجري تركيا ضده حرباً دموية منذ أربعين سنة تقريباً. ولكن إذا كانت تركيا قد اكتفت باحتلال مناطق في سوريا وخلق جيوب تسيطر عليها مليشيات تمولها وتدربها، فإنها بعد سقوط الأسد سنحت لها فرصة تحويل سوريا إلى دولة رعاية، تخدم مصالح تركيا إقليمياً، أكثر من حماية الحدود، لأن من يؤثر على عملية اتخاذ القرارات في سوريا سيؤثر أيضاً على العلاقات بين سوريا والعراق، وبينها وبين لبنان، ويمكنه توجيه تدخل الدول العظمى في سوريا، وهكذا زيادة مكانته أمامها. الآن هذا هو الموقف القوي لتركيا في سوريا.

 في فترة حكم الأسد، اقترح أردوغان على الرئيس بايدن خدماته وكأنه يعمل ضد “داعش” في سوريا، شريطة أن تتوقف الولايات المتحدة عن دعم الأكراد، وتسحب قواتها من سوريا. بايدن الذي كان يمقت أردوغان ولا يثق به، رفض هذا الاقتراح. نفس الاقتراح قد يغري ترامب الآن، الذي يعمل على تقليص تواجد القوات الأمريكية في المنطقة. والاتفاق الذي تم التوقيع عليه بين القوات الكردية والنظام السوري، بدعم أمريكي وتركي، والذي بحسبه هذه القوات ستندمج في الجيش السوري الجديد، يعطي تركيا أداة تأثير جديدة لم تكن في عهد الأسد.

تركيا تنوي تحقيق نفوذها من خلال بناء جيش سوري جديد، إضافة إلى المساعدات الاقتصادية السخية التي ستضع الأساس لإعادة الإعمار، الذي ستنفذ جزءاً رئيسياً فيه شركات تركية. تركيا تعرض الخطة كجزء لا يتجزأ من محاربة الإرهاب، لا سيما ضد “داعش”، وهذا ادعاء يخدم من يضعون السياسة الأمريكية. حسب تفسير تركيا، فإن إقامة جيش سوري جديد يمكنه العمل باستقلالية ضد “القوات المعادية” تبدو عملية ستستغرق وقتاً، وحتى ذلك الحين بات من المهم أن يكون هناك وجود عسكري تركي لمساعدة النظام على الصمود أمام هذه التحديات.

بدأت تركيا في فحص مواقع وقواعد ربما تكون مناسبة لهذا التمركز، وفحصت قواعد سلاح الجو التي هاجمتها إسرائيل. حتى إن وفداً عسكرياً تركياً خطط لزيارة قاعدة “تي 4” في 25 آذار الماضي، لكن هجوم إسرائيل وتدمير القاعدة أجل هذه الزيارة.

إقامة جيش سوري جديد، مزود ومدرب جيداً، مشروع معقد وبعيد المدى وباهظ الثمن، الذي إذا أدارته تركيا فسيعطيها مكانة تشبه مكانة الولايات المتحدة أمام إسرائيل. طموح الشرع لإقامة جيش بحجم 350 ألف جندي، سيلزمه تقرير أي من السلاح الذي سيزود به الجيش، وهل سيكون سلاحاً غربياً أم صينياً، وماذا ستكون نظرية القتال، ومن وكيف سيحدد أعداء الدولة، ومن هنا أين ستتموضع سوريا على الخارطة الاستراتيجية الإقليمية، وهل ستكون “حيادية” أم مؤيدة للغرب. هذه القرارات ثقيلة الوزن ربما تلعب تركيا فيها دوراً رئيسياً، وهي الآن تطرح على واشنطن أفضليتها، البارز في ذلك عضويتها في الناتو.

 أي أنها بعد الفترة التي سيطرت فيها إيران وروسيا، بات الغرب يفضل أن تكون دولة عضوة في الناتو هي صاحبة البيت، وتضمن مصالح الغرب. ولكنه مبرر يقتضي إقناع الناتو بأن تدخله في سوريا لن يجره إلى مواجهات في مناطق خطيرة لا مصالح له فيها. هذا بالذات في الوقت الذي مطلوب فيه من الناتو فحص موقفه في مواجهة التهديد الروسي وإزاء تنكر ترامب له.

 على هذه الخلفية، فإن تهدئة فيدان، التي بحسبه لا يريد مواجهة مع إسرائيل، تستهدف بالأساس إذن ترامب ورؤساء الناتو، وزعماء الدول العربية، لا سيما دول الخليج التي تعتبر نفسها شريكة محتملة في إعادة إعمار سوريا. ورغم توطيد العلاقات بينها وبين تركيا في السنتين الأخيرتين، فإن سيطرة تركيا على دولة عربية ليس هو ما تطمح إليه. لتركيا أيضاً مصلحة ملموسة فورية لتهدئة أجواء المواجهة المحتدمة مع إسرائيل. وللبدء في إعادة الإعمار وبناء الجيش، فإنه من الحيوي إنهاء العقوبات الأمريكية. لأنها ما دامت سارية المفعول، فمن غير المحتمل إجراء منظومة نقل أموال قانونية، ولن تتمكن سوريا من الحصول على القروض أو شراء السلاح.

 سيكون هذا هو الموضوع الرئيسي الذي ينوي أردوغان مناقشته مع ترامب في اللقاء المتوقع بينهما هذا الشهر. تميل واشنطن مبدئياً إلى رفع العقوبات، ولكنها وضعت ستة شروط تشمل مكافحة الإرهاب وقمعه بشكل كامل: إبعاد رجال المليشيات الأجنبية عن مناصب رفيعة في الحكومة السورية، وإبعاد إيران عن التدخل، وتدمير الترسانة الكيميائية بشكل مؤكد، وإعادة المخطوفين والأسرى الأمريكيين، وضمان أمن وحقوق الأقليات في سوريا. بعض هذه الشروط صيغت بدقة بحيث تمكن من الرقابة والتحقيق، مثل تدمير السلاح الكيميائي أو إبعاد الأجانب، بما في ذلك الجهاديون من الشيشان وتركيا ومصر وغيرهم، الذين عُينوا في مناصب رفيعة مقابل قتالهم ومساعدتهم في إسقاط نظام الأسد.

 الصياغة العامة للشروط الأخرى مثل محاربة الإرهاب وضمان حقوق الأقليات، تعطي هامشاً واسعاً للتفسير، بصورة تساعد تركيا على إقناع الإدارة الأمريكية بأن تدخلها في سوريا إنما هو لتنفيذها.

ربما تضع تركيا شروطاً خاصة بها، ألمح إليها فيدان، وتتناول الوجود الإسرائيلي في سوريا. “في الفترة الانتقالية، لا تريد تركيا رؤية “داعش” أو حزب العمال الكردستاني يستغلان غياب وجود قوات سورية نظامية ووجود قدرات سورية عسكرية. للأسف، تقوم إسرائيل بتحييد هذه القدرات واحدة تلو الأخرى، التي قد تستخدمها الدولة السورية الجديدة ضد “داعش” وتهديدات إرهابية أخرى”. لا تقصد تركيا فقط هجمات إسرائيل وتواجدها المادي، بل تطرح العلاقات التي تقيمها إسرائيل مع أبناء الطائفة الدرزية جنوبي سوريا، وتصريحات الدعم للأكراد كتهديد لقدرة النظام على فرض سيادته في كل أرجاء الدولة ومكافحة الإرهاب بشكل ناجع. لا تريد تركيا مواجهة عسكرية مع إسرائيل، وستحاول نقل ساحة المواجهة السياسية بينها وبين إسرائيل إلى البيت الأبيض، حيث، كما تقدر، تملك ورقة لعب أفضل من التي في يد إسرائيل.

تسفي برئيل

 هآرتس 7/4/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب