عربي دولي

«حَراك» احتجاجي متنامٍ بوجه ترامب: فَلْيرحل إيلون ماسك

«حَراك» احتجاجي متنامٍ بوجه ترامب: فَلْيرحل إيلون ماسك

خضر خروبي

لا تبدو الأسهم السياسية لرائد الأعمال الشهير، إيلون ماسك، هذه الأيام، أفضل حالاً من أسهم شركاته في أسواق المال، والتي باتت تنوء تحت ضغط سياسات الحكم الجديد. سياسات كان آخر مظاهرها وأخطرها فرْض إدارة دونالد ترامب موجة من الرسوم الجمركية ضدّ معظم دول العالم، وما أعقب ذلك من خسائر في تلك الأسواق بقيمة تجاوزت 6 تريليونات دولار خلال أيام قليلة، نالت شركات التكنولوجيا نصيباً وافراً منها، كـ”آبل” التي لم تقلّ خسائرها عن 300 مليار دولار، في وقت سجّلت فيه “تسلا” للسيارات الكهربائية، والمملوكة لماسك، خسائر قاربت الـ11 مليار دولار مع تراجع أسهمها خلال ساعات بنسبة 6%.

ترامب – ماسك: الحلف الإشكالي

الرجل الذي كثيراً ما استفاد من تحالفه مع ترامب، سواء خلال مرحلة الانتخابات التي شهدت تبرعه لحملة المرشح الجمهوري بمبالغ قُدّرت بقرابة 300 مليون دولار، أو ما تلاها على مدى الأسابيع الأولى من عودته إلى البيت الأبيض، مع تحقيق الشركات المملوكة لماسك، وتحديداً “تسلا”، أرباحاً رفعت قيمتها السوقية إلى تريليون دولار، بدأ يعاني، أخيراً، من التبعات السلبية لهذا التحالف.

ويرجع ذلك إلى الدور الذي أَوكله ترامب إلى الملياردير، بوضعه على رأس “وزارة الكفاءة الحكومية” المولجة بتخفيض الإنفاق الحكومي، وتقليص حجم الحكومة الفدرالية، وتحديداً لناحية السماح له بالوصول إلى معلومات تُعدّ “سرية” و”حساسة”، على المستوى الأمني؛ علماً أنّ ما تركه هذا الدور الملتبس دستورياً وسياسياً (في ضوء عدم قدرة الرئيس على تأسيس وزارة رسمية جديدة من دون تمرير القرار عبر الكونغرس بأغلبية الثلثين)، من انطباعات، أوحت بتأثيرٍ لماسك تجاوز في بعض الأحيان حدود دوره الرسمي. وتجلّى ذلك في ما أشيع عن تعدّيه على صلاحيات هيئات حكومية أخرى، كـ”مكتب التحقيقات الفدرالي”، ووزارتَي الخزانة والدفاع، إضافة إلى الكونغرس، بل وحتى تخطّي دوره في أحيان كثيرة حدود الولايات المتحدة.

فمنذ اللحظة الأولى لإعلان “حلف ترامب – ماسك”، كانت مهمّة المدير التنفيذي لـ”إكس” و”سبيس إكس”، كـ”وزير للكفاءة”، عنواناً عريضاً لمشكلات داخلية، وضعته في مواجهة مع القضاء واتحادات عمالية ونقابية، بدعوى مخالفته قوانين خصوصية البيانات وحماية الخدمة المدنية، فضلاً عن أخرى خارجية جعلته محطّ انتقاد قيادات دولية حليفة لواشنطن. وعلى رغم أنّ ترامب أعرب عن ثقته بوزيره في غير مناسبة، فقد أفضى أسلوب التطهير الجماعي الذي انتهجه ماسك بذريعة محاربة “الدولة العميقة” في بلاده، ومن أبرز تجلياته السعي إلى إقالة أكثر من مليونَي موظف في إدارات أميركية مختلفة، إلى حالة من التململ ليس في أوساط الرأي العام وخصومه الديمقراطيين فحسب، بل وحتى في داخل أروقة الإدارة نفسها.

“الديمقراطي” حاضر في المشهد الاحتجاجي

وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، توالت نُذُر انفجار الشارع الأميركي في وجه ترامب، وخصوصاً بعد ظهوره، الشهر الماضي، إلى جانب ماسك، للإعلان عن شرائه إحدى سيارات “تسلا”، في خطوة أبرزت حجم ممالأة العهد الجديد للمليارديرات، وعدم ممانعة البيت الأبيض تحوّله إلى منصة دعائية لهؤلاء، ولمشاريعهم التجارية والسياسية على حد سواء.

ووسط مخاوف من أن يكون نهج ترامب الذي يميل إلى تغليب مصالح الشركات الكبرى وعمالقة التكنولوجيا بغرض ترسيخ نموذج ماسك المزعوم للكفاءة الإدارية، هادفاً إلى تفكيك الحكومة التقليدية وأدواتها في العمل والمحاسبة، فضلاً عن التحكم في آليات تشكّل الرأي العام عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، ومن ثم إحلال حكومة رقمية محلّ القائمة حالياً تؤهّل تلك الشركات لتصبح القوة الحاكمة الفعلية في البلاد، شهدت مدن أميركية مختلفة، في شهر آذار الفائت، سلسلة احتجاجات وموجة اضطرابات طاولت مرافق شركة “تسلا”، لِما تمثّله الأخيرة من نقطة محورية في مشروع ماسك.

يميل البعض إلى الإقرار بصعوبة تخلّي ترامب عن رجل بحجم ماسك

ومهّدت تلك التظاهرات التي شكّلت نواة ما بات يُعرف بحركة Tesla Takedown (إسقاط تسلا)، لفعاليات احتجاجية إضافية مطلع الشهر الجاري، شملت مدناً كبرى داخل الولايات المتحدة، كنيويورك؛ وخارجها، كبرلين، ولندن. وتبعت ذلك بأيام قليلة أكثر من ألف تظاهرة في ولايات أميركية مختلفة، شارك فيها ما يزيد على 100 منظمة حقوقية ومطلبية، وعُدّت التحرّك الاحتجاجي الأكبر ضدّ ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض، ورفع خلالها المتظاهرون شعارات: “أوقفوا ترامب… أوقفوا ماسك”، و”أعيدوا الديمقراطية”.

وعطفاً على اتهامات رئيس الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، لترامب بـ”خيانة الشعب” لصالح أصحاب المليارات، ومحاولات زملائه في “لجنة الرقابة والإصلاح الحكومي” تجاوز اعتراضات الجمهوريين لاستجواب ماسك تحت قبّة الكونغرس، بدا واضحاً حضور الحزب الديمقراطي على خط استنهاض الجمهور الأميركي للوقوف في وجه ترامب، سواء في الداخل أو في الخارج، علماً أن منظمة “الديمقراطيون في الخارج” كان لها حضور لافت في التظاهرات ضدّ ماسك في كل من فرانكفورت، وباريس.

وفي الإطار نفسه، شارك العشرات من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين في تظاهرة ضمّت الآلاف أمام مبنى وزارة الخزانة الأميركية في واشنطن الأسبوع الجاري، حيث أعربت السيناتور إليزابيث وارن عن انزعاج الشارع الأميركي من سطوة ماسك في واشنطن، بالقول: “نحن هنا للردّ عليه، فقبل أشهر قليلة أنفق 280 مليون دولار لشراء الانتخابات من أجل دونالد ترامب، والآن هو هنا ليجني ثمار استثماره”. وتابعت: “ماسك يريد السلطة ليقرّر مَن يحصل على الأموال ومن سيُحرم منها، وفقاً لنزواته الشخصية، ونحن هنا لنواجه هذا الطغيان. هو لم يُنتخب من قبل أيّ أميركي، ومع ذلك يحاول الاستيلاء على النظام المالي في بلادنا، والتحكم في دفع رواتب الأطباء، ومعاشات المتقاعدين، وتمويل مشاريع البنية التحتية، ولن نسمح له بذلك”.

خلافات قد تطيح بماسك؟

ترافقت تلك التطوّرات مع ما بدأ يشاع، على مدى الأسابيع الأخيرة، من خلافات بين ماسك وعدد من أعضاء فريق ترامب؛ بدءاً من التسريبات حول صدام كلامي بين وزير الخارجية، ماركو روبيو، والملياردير، محورها سلسلة استقالات شهدتها وزارة الخارجية، مروراً بإنكار مدير المكتب الإداري في البيت الأبيض، جوشوا فيشر، أواسط الشهر الماضي، منح أيّ “سلطة تنفيذية” لماسك، وحصر وظيفته الرسمية بمهام “استشارية” بوصفه “موظفاً حكومياً خاصاً غير دائم”، ومن ثم تأكيد ترامب منعه رئيس شركة “سبيس إكس” من اتّخاذ قرارات تتعلّق بالفضاء تجنباً لتضارب المصالح – على رغم وصفه له بـ”الوطني” و”الذكي” -، وليس انتهاءً بما نقله موقع “بوليتيكو” قبل أيام عن نيّة الرئيس تنحية ماسك من منصبه الحكومي قريباً. وقد نقل الموقع عن مصادر مقرّبة من البيت الأبيض، قولها إنّ ترامب وماسك قرّرا، في الأيام الماضية، أن الأخير عليه أن يعود قريباً لمباشرة أعمال شركاته على وقع الانهيار السريع لأسهمها.

وفي المقابل، يميل البعض إلى الإقرار بصعوبة تخلّي ترامب عن رجل بحجم ماسك، وهو ما أشارت إليه صحيفة “نيويورك تايمز” التي نقلت عن الرئيس الأميركي تأكيده أنه لا يزال يدعم مهمّة وزير الكفاءة، بشرط أن يكون الأخير “أكثر دقة في نهجه” من الآن فصاعداً، وأن يستخدم “المشرط”، وليس “الفأس”، لإقالة موظفين حكوميين.

الاخبار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب