عربي دولي

باكو ترعى محادثات تركية – إسرائيلية: آلية لـ«تقاسم النفوذ» في سوريا

باكو ترعى محادثات تركية – إسرائيلية: آلية لـ«تقاسم النفوذ» في سوريا

محمد نور الدين

بدأ الجانبان التركي والإسرائيلي اجتماعات مباشرة للبحث في حلّ بعض المشكلات العالقة بينهما، على خلفية التوتّر الناشئ عن نشاطهما في سوريا، وخصوصاً بعد القصف الإسرائيلي الذي طاول، أخيراً، مطارَي «تي فور» وحماة في وسط البلاد. وانعقد اللقاء الذي أُطلق عليه «نحو نظام عالمي جديد»، أول أمس، في آذربيجان، وافتتحه الرئيس إلهام علييف، بالإعراب عن قلق بلاده من «الخلاف» التركي – الإسرائيلي، مؤكداً أنها «ستعمل كل ما في وسعها لإنجاح المحادثات».

وتأتي الوساطة الآذربيجانية لتضيف بعداً آخر على علاقات التحالف الثلاثي بين باكو وأنقرة وتل أبيب، والذي اختُبر بنجاح كبير في حرب قره باغ الأولى عام 2020، كما في الثانية عام 2023.

وفيما وصف الجانبان، اللقاء، بأنه «تقني»، لكنّ مصادر وزارة الدفاع التركية اتّهمت إسرائيل بتوجيه افتراءات إلى أنقرة، عبر القول إنها «تهدّد الأمن الإسرائيلي». وذكرت المصادر أنه «من أجل عدم تكرار أحداث غير مرغوب فيها، عقد الطرفان التركي والإسرائيلي لقاءً (الأربعاء) في باكو، بهدف تأسيس آلية لمنع الاشتباك فوق سوريا»، لافتةً إلى أن الاجتماعات ستتواصل لاستكمال البحث في تأسيس الآلية.

وجاءت محادثات باكو لتشكّل أول اتصال بين أنقرة وتل أبيب، بعد الحملة الخطابية التي وجّهها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، على خلفية الإبادة التي يتعرّض لها الفلسطينيون في غزة.

ومع أن تركيا لم تتجاوز في انتقادها إسرائيل الحيّز النظري، لكنّ الأخيرة تنظر إلى تلك الحملات بعين الغضب، ما دفعها إلى التحذير من أن «مصير إردوغان سيكون مشابهاً لمصير صدام حسين». وكان الرئيس التركي، مدفوعاً بإطراء ترامب، صرّح، قبل يومين، بأن بلاده «قرأت الأحداث بصورة صحيحية، وتحوّلت إلى قوة رئيسية في النظام العالمي. ولا شيء في محيطها الإقليمي يمكن أن يمرّ من دون موافقتها».

ومع أن أنقرة تدرك أهمية خطوة إسقاط خصمها الرئيسي في دمشق، لكنها تحاذر في الوقت ذاته أن تسحب إسرائيل هذا «الإنجاز» لصالحها، كونها ترى أن إسقاط الأسد كان إحدى ثمار سياساتها في المنطقة، والضربات القاسية التي وجّهتها إلى كل من حركة «حماس» في غزة، و«حزب الله» في لبنان. كذلك، تدرك تركيا أنها، بإسقاط النظام السوري، أقصت لاعبين آخرين من سوريا، وفي مقدّمهم إيران وروسيا كما السعودية والإمارات ومصر، وأن دورها تضخّم بحكم الأمر الواقع في المنطقة.

مع ذلك، تواجه تركيا تحدّيات كثيرة في سوريا، منها أن السلطة الجديدة في دمشق لا تتمتّع بقاعدة شعبية كبيرة، فيما تحتاج أنقرة إلى مساعدة قوية من الغرب لتبييض صورة الرئيس أحمد الشرع، ولامتصاص نقمة فئات كثيرة من المجتمع السوري عليه.

كما أنها تدرك الواقع الكردي الذي كانت تهدّد باقتلاع وجوده المسلح، قبل أن تتراجع حدّة خطابها تجاه الأكراد بعد توقيع الاتفاق بين «قسد» والإدارة السورية الجديدة.

كذلك، سيكون على تركيا أن تأخذ في الاعتبار دور كل من السعودية والإمارات في سوريا كما في لبنان، لتلافي المشكلات التي يمكن أن تواجهها مستقبلاً، ولا سيما أن رغبة أنقرة في إعادة إعمار سوريا وتوظيف استثماراتها هناك لن تكون كافية وتحتاج إلى دعم مالي عربي وأميركي وأوروبي. لذلك، فإن قبول الأتراك بلحظ مصالح إسرائيل الأمنية، وفقاً لِما تراه تل أبيب، يُعدّ ضرورياً لاستمرار نفوذهم في سوريا، خصوصاً إذا كان هذا التأثير يسير في موازاة مواصلة إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة.

لذلك، يُعدّ اللقاء التقني بين تركيا وإسرائيل في باكو محطّة طبيعية في سياق تقاسم النفوذ في سوريا، والتنسيق في ملفات إقليمية أخرى، تبدأ من التعاون على صعيد الطاقة في شرق المتوسط، وقد لا تنتهي، لدى الضرورة القصوى، عند حدود مواجهة خصم إقليمي مشترك، مثل إيران. وتذكر صحيفة «حرييات» أن «لقاء باكو هو أولى ثمار كلام ترامب عن استعداده للوساطة بين أنقرة وتل أبيب.

وما يُرسم الآن بين وفدَي البلدَين، شبيه بما كان قائماً من قبل فوق الساحة السورية من خطوط عدم اشتباك عسكرية مع كل من الولايات المتحدة وروسيا وإيران». ووفقاً للصحيفة، فإن إسرائيل لا تريد تمركز أيّ قوات عسكرية أجنبية (أي تركية) في تدمر والعديد من القواعد الأخرى، لافتةً إلى أن التطبيع بين أنقرة وتل أبيب طريق طويل وصعب ويبدأ في البحث عن حلول جدّية للوضع في غزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب