نتنياهو اختار الهجوم في الجبهتين الداخلية والخارجية ولم يتخل عن هوسه بإيران

نتنياهو اختار الهجوم في الجبهتين الداخلية والخارجية ولم يتخل عن هوسه بإيران
إبراهيم درويش
تساءل جيمس شوتر في صحيفة “فايننشال تايمز” عن الخطوة القادمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يشعر بالجرأة لعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهل هي خلق أزمة دستورية داخلية أم تحقيق حلمه بضرب إيران؟
وأضافت الصحيفة أن الليلة التي قرر فيها نتنياهو وحلفاؤه اغتيال شخصية مدير شين بيت، رونين بار، كانت غير عادية. ففي الوقت الذي استخدم فيه المتظاهرون الغاضبون من هذه الخطوة سيارات لإغلاق الطرق القريبة من مكتب رئيس الوزراء في القدس واستخدمت الشرطة المطارق والحجارة لتحطيم نوافذ السيارات، انغمس نتنياهو وحلفاؤه في الائتلاف اليميني في اغتيال شخصية رونين بار، حيث تم تسريب المعلومات وبشكل شبه فوري، إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية، قبل التصويت في الساعات الأولى من الصباح على إقالته.
وما يجعل من الخطوة غير عادية ليس حقيقة تصويت الحكومة على عزل بار، بل التوقيت.
فقبل عزله بثلاثة أيام، انتهكت إسرائيل وقف إطلاق النار في غزة، وهو ما دعا الرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتسوغ لشجب قرار الحكومة إرسال الجنود ومواصلة خطوات مثيرة للجدل تؤدي إلى تقسيم المجتمع.
انتهكت إسرائيل وقف إطلاق النار في غزة، وهو ما دعا الرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتسوغ لشجب قرار الحكومة إرسال الجنود ومواصلة خطوات مثيرة للجدل تؤدي إلى تقسيم المجتمع
وقد تزامنت الخطوتان وكذا محاولة عزل المدعية العامة غالي بهراف- ميارا، مع تغيرات شهدتها إسرائيل بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث قرر نتنياهو الهجوم في الداخل والخارج، في تحول يرى الدبلوماسيون أنه سيغير إسرائيل والمنطقة.
وقد شجعته عودة دونالد ترامب والخوف من تداعيات 7 تشرين الأول/أكتوبر التي فشل في منعها، لتبني استراتيجية فوق عدوانية، حيث تباهى رئيس الوزراء بأنها “ستغير وجه الشرق الأوسط”.
ومنذ العام الماضي سيطرت القوات الإسرائيلية على أراض من الجيران وشنت غارات أبعد من حدود إسرائيل. وأكثر من هذا، فقد ضغط نتنياهو على ترامب لضرب إيران.
ففي الداخل فتحت حكومة نتنياهو معركتها مع القضاء ومضت في إجراءات لعزل بهراف ميارا.
وهو صراع كان قد أدى وقبل الحرب إلى شهور من الاحتجاجات في الشوارع وأكبر أزمة داخلية في تاريخ إسرائيل.
أثارت المواجهة المتجددة مخاوف من أن البلاد قد تنزلق إلى أزمة دستورية. لكن بالنسبة للكثيرين، فإن إعادة فتح الانقسامات المتفاقمة حول طبيعة الدولة الإسرائيلية نفسها هو أمر أكثر إثارة للقلق. ويقول عامي أيالون، الذي أدار الشاباك خلال حكومة نتنياهو الأولى: “هناك أزمة هوية للمجتمع الإسرائيلي بأكمله. ولهذا السبب، إذا سألتني، فما نواجهه الآن هو أزمة وجودية” و”لا أستطيع وصف ما ستكون عليه إسرائيل بعد أربع سنوات من الآن”.
ومع ذلك فأكبر تأثير لنهج حكومة نتنياهو المتطرف بدا في الخارج، فقد كثفت إسرائيل على مدار الأشهر القليلة الماضية عملياتها في الضفة الغربية المحتلة واستأنفت الحرب في غزة، مما أدى مرة أخرى إلى نزوح مئات الآلاف من الفلسطينيين والاستيلاء على مساحات أكبر من الأراضي في محاولة لإجبار حماس على الاستسلام وتحرير ما تبقى لديها من أسرى.
كما استولت إسرائيل على أراض من جيرانها الشماليين في سلسلة من التحركات التي أثارت غضبا دوليا. ففي لبنان أقام الجيش الإسرائيلي مواقع استيطانية في خمسة مواقع قريبة من الحدود الفعلية بين البلدين، وتعهد بالبقاء هناك إلى أجل غير مسمى. وفي سوريا، شن سلسلة من الغارات الجوية الخاطفة لتدمير القدرات العسكرية للبلاد في أعقاب انهيار نظام الأسد، وأرسلت قوات إلى منطقة منزوعة السلاح مساحتها 235 كيلومترا مربعا تخضع لمراقبة الأمم المتحدة. وأعلن نتنياهو أن الأراضي التي تقع على مسافة 50 كيلومترا إضافية داخل سوريا يجب أن تصبح جزءا من “منطقة نفوذ” منزوعة السلاح.
لكن تحركات نتنياهو الداخلية تثير اضطرابات للإسرائيليين أنفسهم، فبعد أسابيع من عزل رونين بار بدأت حكومته عن إجراءات لعزل بهراف- ميارا وكذا عملت على خطط لمنح السياسيين، لا القضاة والسياسيين، فرصة تعيين أفراد المحكمة العليا. وبرر نتنياهو وحلفاؤه الخطوات بأنها محاولة للتصدي للدولة العميقة من البيروقراطيين والقضاة الذين يقفون أمام خططهم. وقالوا إن رئيس الوزراء فقد الثقة ببار بعد كارثة هجمات حماس.
يرى معارضو نتنياهو في مبادراته جزءا من حملة شرسة ضد الضوابط والتوازنات الضعيفة أصلا في إسرائيل، واستنكروا محاولات تهميش بار وبهراف ميارا
لكن معارضيه يرون في هذه المبادرات جزءا من حملة شرسة ضد الضوابط والتوازنات الضعيفة أصلا في إسرائيل، واستنكروا محاولات تهميش بار وبهراف ميارا – التي تشرف على محاكمة نتنياهو الطويلة بتهم الفساد، معتبرين ذلك تضاربا واضحا في المصالح.
وقد منعت المحكمة العليا الإسرائيلية، هذا الشهر إقالة بار حتى إشعار آخر.
ويرى نقاد أن الرهانات بشأن المعركة على القضاء لا علاقة لها باليسار أو اليمين ولكن هوية الدولة التي ستخرج منها. وبحسب أيلون: “فهي عن مفهوم اليهودية ومفهوم الديمقراطية” و”إذا سألت الكثيرين ممن يشغلون مناصب حكومية أو يدعمون الحكومة، سيقولون إن الديمقراطية هي صوت الأغلبية وهم لا يكترثون أبدا بحقوق الإنسان ولا بالحقوق المدنية ولا بحقوق الأقليات، هذه هي الأزمة الكبرى التي نواجهها”.
ويقول دبلوماسيون ومحللون إن تحول نتنياهو إلى الهجوم كان مدفوعا بمجموعة من العوامل. ولعل أهمها إعادة انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة.
ففي فترته الأولى، اتخذ ترامب سلسلة من الخطوات المؤيدة لإسرائيل وتخلى عن عقود من السياسة الأمريكية بالاعتراف بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل، مؤكدا أن الولايات المتحدة لن تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية انتهاكا للقانون الدولي. ومنذ عودته إلى منصبه، واصل ترامب النهج نفسه، فعين مؤيدين متشددين لإسرائيل في مناصب رئيسية، ووافق على شحنة قنابل وزنها 2,000 رطل، والتي كانت متوقفة في عهد جو بايدن.
كما وفرت إدارته غطاء سياسيا لأفعال إسرائيل في الخارج، داعمة قرارها بالعودة إلى الحرب في غزة واستمرار وجودها في لبنان، بل وطرح ترامب خطة لتهجير سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة بالكامل، محولا فكرة ظلت مقتصرة على اليمين المتطرف في إسرائيل ونظر إليها كمحاولة للتطهير العرقي- إلى جزء من الخطاب العام في إسرائيل.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي عربي قوله: “أخطر ما فعله ترامب هو وضعه هذا [التطهير العرقي] على جدول الأعمال” فقد “كان بايدن صهيونيا، لكنه مع ذلك مارس بعض الضغط على إسرائيل. ترامب ليس أيديولوجيا، لكنه أطلق العنان لنتنياهو”.
يقول دبلوماسيون ومحللون إن تحول نتنياهو إلى الهجوم كان مدفوعا بمجموعة من العوامل. ولعل أهمها إعادة انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة
وقارن رئيس الوزراء بين معركته ضد القضاء ومعركة ترامب ضد القانون في أمريكا، ففي منشور على منصة إكس قال: “في أمريكا وإسرائيل، عندما يفوز زعيم يميني قوي في الانتخابات، تعبئ الدولة العميقة اليسارية نظام العدالة لإحباط إرادة الشعب. لن يفوزوا في أي من المكانين! نحن نقف معًا أقوياء”.
ويقول أحد نواب الائتلاف المتطرف: “يرى نتنياهو [عودة ترامب] تغيرا جذريا. إنه يريد أن يقلده ويعتقد أن هناك الآن لغة مختلفة نوعا ما في جميع أنحاء العالم. أعتقد أن هذا هو العامل الرئيسي من الناحية النفسية، إنه يشعر بأنه أقوى”. ويرى محللون أن شركاء نتنياهو المتطرفين لعبوا دورا في الإستراتيجية الهجومية، فقد غادر وزير الأمن إيتمار بن غفير، التحالف الحكومي بعد وقف إطلاق النار، تاركا نتنياهو يقود ائتلافا هشا وبحاجة لتمرير الميزانية الشهر الماضي. ولكن بن غفير الذي يطالب بعزل بهراف ميارا، ترك الباب مفتوحا لعودته لو استؤنفت الحرب التي أصبحت الآن حربا سياسية كما يقول أيلون “بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر لم يكن أمامنا أي خيار”، إلا مواجهة حماس. و”كان من الواضح بعد خمسة أو ستة أشهر أننا حققنا أهدافنا العسكرية، وما نراه اليوم هو حرب سياسية، لأنه في اللحظة التي ستتوقف فيها الحرب لن يكون لدى نتنياهو ائتلاف”.
لكن تحالف نتنياهو يعاني من خلافات حادة حول إعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية. والنقطة الخلافية الأخرى هي تغيير مفاجئ في موقف ترامب، مثل المطالبة بإنهاء الحرب في غزة. ويقول شخص مطلع “لقد منحهم ترامب الثقة، لكنهم يعلمون أنه يستطيع تغيير رأيه في لحظة. انظروا فقط إلى ما حدث [مع الرسوم الجمركية]”. ورغم حذرها تتوقع المعارضة استمرار التحالف لمدة عام آخر على الأقل. وحتى ذلك الحين، يتوقع المحللون استمرار موقف الحكومة العدواني. فعلى المستوى المحلي، ترى شخصيات الائتلاف في مواصلة المواجهة مع القضاء وسيلة لحشد قاعدتهم الانتخابية.
كما ولم تظهر الحكومة أي مؤشرات على أنها ستخفف من حدة نهجها العدواني في الخارج. ففي الوقت الذي كان فيه الوسطاء يحاولون إحياء المحادثات بشأن تجديد وقف إطلاق النار في غزة الأسبوع الماضي، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، بأن القوات الإسرائيلية ستبقى في الأراضي التي سيطرت عليها في غزة ولبنان وسوريا.
لكن السؤال الأهم، والأهم من ذلك كله، هو ما الذي ستفعله في إيران، التي توسّع نشاطها النووي بشكل كبير. فقد أمضى نتنياهو معظم حياته السياسية يحذر من امتلاك إيران لسلاح نووي وتعهد بمنع طهران من الحصول عليه. وهو يضغط على ترامب لدعم توجيه ضربة عسكرية للبرنامج النووي الإيراني قبل عودة الرئيس الأمريكي إلى البيت الأبيض. لكن ترامب اختار في الوقت الحالي التفاوض على اتفاق مع إيران.
ويشكك الدبلوماسيون في أن نتنياهو سيشن هجوما دون موافقة ترامب، خوفا من إغضاب الرئيس الأمريكي، ولأن معظمهم يعتقدون أن إسرائيل لن تتمكن من عرقلة البرنامج النووي الإيراني إلا لفترة قصيرة نسبيا دون دعم عسكري أمريكي. ويعتقد مراقبون أن نتنياهو مهتم أكثر بإيران أكثر من غزة، سوريا أو لبنان، فما حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر حدث تحت ناظريه، ولو استطاع قلب المعادلة مع إيران، فسيعيد كتابة تاريخه وتشكيل إرثه.
– “القدس العربي”: