تحقيقات وتقارير

السعودية – إيران: هدنة مؤقّتة… في انتظار الآتي

السعودية – إيران: هدنة مؤقّتة… في انتظار الآتي

حلّ وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، ضيفاً في العاصمة الإيرانية، طهران، الخميس الماضي، في خطوةٍ عُدَّت الأبرز في سياق محاولات الرياض تزخيم التهدئة مع الجانب الإيراني، في ظلّ وضع إقليمي مُشبع بالتعقيدات. وتمثّل الزيارة التي حملت رسائل واضحة، حول تعزيز التعاون الأمني والعسكري بين البلدين، قمّة جبل الجليد في سلسلة الجهود الدبلوماسية التي بدأت تتّخذ شكلاً أكثر جدّية وفاعلية. وفيما يأمل بعض المراقبين في أن تحقّق الخطوة المتقدّمة استقراراً إقليميّاً من بوابة تحسين العلاقات السعودية – الإيرانية، تسود شكوك في ما إذا كان يمكن عَدُّها بدايةً لعلاقة مستدامة قائمة على الثقة والمصالح المشتركة، أم أنها مجرّد هدنة مؤقّتة ستنتهي عند أول اختبار حقيقي.

الأرجح أن التحوّل الحاصل لا يعكس ثقةً متبادلة، بقدْر ما يجلّي حسابات استراتيجية وبراغماتية؛ ذلك أن الرياض ليست في وارد بناء علاقة مستدامة، بل هي قلقة من الغموض المحيط بالاستراتيجية الأميركية تجاه الملفّ الإيراني، إذ على على الرغم من أن واشنطن تتبع نهجاً جادّاً في التعامل مع طهران، غير أن نتائج العملية التفاوضية مفتوحة على احتماليَن: إمّا تسوية دبلوماسية طويلة الأمد، أو تصعيد عسكري في حال انهيار المفاوضات؛ علماً أن كلا المسارَين يثيران قلق المملكة من تداعيات سلبية ترتدّ عليها.

وعلى هذه الخلفية، يبدو أن السعودية اختارت الانفتاح النسبي على إيران، كخطوة استباقية تطمينية، كونها تدرك أن أيّ قرار أميركي في هذا الشأن سيرخي بتداعياته على أمنها، فيما ليست ثمّة ضمانات كافية بحفظ مصالحها في كلتا الحالتين، وهو ما خبرته جيّداً في محطّات سابقة.

على أن الغموض في السياسة الأميركية، ليس العامل الوحيد الذي يدفع المملكة نحو التهدئة مع الجمهورية الإسلامية، بل ثمة تطوّرات داخلية وإقليمية تلعب دوراً كبيراً في هذا الإطار، لعلّ أبرزها ما يلي:

– تضيف التحركات العسكرية في اليمن، عامل قلق وعبئاً جديداً على الرياض، في ظلّ التصعيد في مواجهة «أنصار الله»، كما الحديث، وإنْ كان في معظمه تهويلياً في هذه المرحلة، عن استعدادات لعملية برّية تقودها قوات موالية لحكومة عدن برعاية من الجانب الأميركي، في ما يثير مخاوف سعودية من العودة إلى دوامة عنف عملت الرياض على الهروب منها بعد سنوات من المواجهة المباشرة التي خاضتها في هذه الساحة. وتدرك المملكة، التي عانت على مدى سنوات تبعات حرب اليمن، أن أيّ تصعيد جديد، خاصة إذا تحوّل إلى مواجهة برّية واسعة النطاق، من شأنه أن يؤثّر بشكل مباشر في أمنها الداخلي، واستقرار حدودها الجنوبية.

كما أن التدخّل الأميركي المباشر في هذا البلد، وعلى الرغم من تركيزه على «أنصار الله»، قد يفتح الباب أمام مواجهات أوسع تشمل إيران وحلفاءها، وهو سيناريو تخشى السعودية أن تجد نفسها في قلب عاصفته من دون أن تكون مستعدّة لتبعاته. ولذا، جاءت زيارة خالد بن سلمان، الذي اصطحب معه إلى طهران سفير بلاده لدى اليمن، كمحاولة سعودية لطمأنة الجانب الإيراني، من خلال التركيز على المصالح المشتركة.

– يبدو أن الرياض تسعى كذلك إلى إبرام تفاهمات مع طهران تهدف إلى تقليل مخاطر التصعيد الثنائي، في ظل اقتراب الأولى من توقيع اتفاقات استراتيجية جديدة مع الولايات المتحدة، إذ تدرك السعودية أن أيّ تقدُّم في علاقتها مع الولايات المتحدة – وهو ما سيبرز خلال الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى المملكة، خاصة في المجالَين النووي والتسليحي -، قد تفسره طهران على أنه تهديد مباشر لها. ولذا، فهي تقدّم ضمانات مسبقة عبر القنوات الدبلوماسية، وصولاً حتى إلى إبرام تفاهمات تهدف إلى بناء الثقة مع الجانب الإيراني، علّها تخفّف من حدّة تقدير الجمهورية الإسلامية لمستوى التهديد المقبل.

في المقابل، أجادت إيران – على ما يبدو – استثمار الاندفاعة التطبيعية السعودية، على رغم إدراكها التام للدوافع الكامنة خلفها؛ إذ تتعامل الجمهورية الإسلامية مع الخطوة الأحدث بمنطق براغماتي يخدم مصالحها، وترى أن مخاوف الرياض – سواء من تبعات التسوية النووية أو المواجهة العسكرية -، تمنح المملكة هامشاً للتأثير في المعادلة الإقليمية، وإنْ بشكل نسبي. على أن خطوات التطبيع بين البلدين لا تغيّر من حقيقة أن الخيارات الإيرانية المستقبلية، تبقى مرهونة بمعادلات مستقلّة، على رأسها النتيجة التي ستصل إليها المفاوضات مع الجانب الأميركي.

وهكذا، يبدو أن التهدئة بين السعودية وإيران ليست سوى هدنة تكتيكية في صراع استراتيجي أوسع، قد تدوم وقد تقصر وفقاً للمتغيّرات الآتية، والتي يمكن أن تقلب الموازين والدوافع في أيّ لحظة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب