الصحافه

سعد الهلالي… وما يطلبه اللهو الخفي!

سعد الهلالي… وما يطلبه اللهو الخفي!

سليم عزوز

كدت أبدي الحسرة على توقف البرامج في قناة «الجزيرة» منذ طوفان الأقصى، وهناك حلقة جاهزة لـ «الاتجاه المعاكس»، ستحقق مشاهدات مرتفعة، بطلها سعد الهلالي، لولا ما ذكره أستاذ في جامعة الأزهر هو سالم أبو عاصي، الذي استعد لملاقاة المذكور على قناة «العربية»، فأخبروه أن «الهلالي» رفض الظهور مع أحد، فخضعت القناة لشروطه، فما هي الإضافة، وفي الحالتين هو يبدو كمدرس يشرح لتلميذه، الذي هو المذيع، والذي يستمع له بإنصات، ويعامله على أنه «محمية طبيعية»!
فبين الحين والآخر، يضع الحاوي يده في جرابه، وهو وحظه، وقد يخرج في يده سعد الهلالي، أو يوسف زيدان، فتتحقق الإثارة المطلوبة وتنشغل منصات التواصل الاجتماعي. و»الحاوي» هو عمرو أديب، الذي لا يجد مثيراً في السياسة، فيذهب إلى الإثارة في المناطق الآمنة، وفي حلقة تبدو كما لو كانت تفتقد للإعداد، فلم يدرس موضوعه، ربما عامداً متعمداً، وتخلى عن دوره المهني، ليتحقق المراد، في الوصول للترند!
وإذا كان لا يمكن قياس أعداد المشاهدين عبر الشاشة، فإنه بالنظر للمشاهدات عبر اليوتيوب لحلقات سعد الهلالي، فإننا سنكتشف أنه لا مشاهدات توازي الضجة، والغاضبون مما جاء فيها لا يبدو أنهم شاهدوها عبر الشاشة، فهي مقاطع صغيرة قام الآخرون بإعدادها ونشرها، فكانت ضجة السوشيال ميديا!

تخصص المذيع الوحيد هو تذوق الطعام:

وعندما تعيد قناة «العربية» استضافة سعد الهلالي، فلا إضافة تمت، والمذيع هنا وهناك هو في جلسة استماع، ليكرر الرجل نفسه، ويعيد قول ما قال، و»الاتجاه المعاكس» كان سينقل الرأيين معاً، وستكون مواجهة حادة، لأن أي متخصص في الفقه، سيجعل من سعد الهلالي أضحوكة، وهو وباعتبار أن الفقه تخصصه، يدرك نقاط الضعف في وجهة نظره، عندما تكون حجته بجواز المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، لعدم وجود نص قرآني مانع، وأنه يمكن إقرار المساواة بالاستفتاء الشعبي. لذا فهو يشترط أن يظهر بمفرده، كمحمية طبيعية، مع مذيع يتخلى عن دوره، ويتحول إلى مستمع، والعذر أنه ليس متخصصاً في الموضوع، وهو عذر أقبح من ذنب، فما هو الموضوع الذي يتخصص فيه المذيع، وهو يناقش قضايا سياسية واجتماعية.. تذوق الطعام؟!
وما قيمة المقابلة التلفزيونية إذا كان المذيع سيجلس فيها مع ضيفه، مجلس التلميذ من الأستاذ، ويصبح مجرد مشاهد، فلماذا لم يطلبوا من سعد الهلالي أن يلقي محاضرة، أو فقرة، مثل «حديث الروح» في التلفزيون المصري، ولا أعرف إن كانت مستمرة إلى الآن أم ألغيت، وإن كنت أشاهدها على قناة «ماسبيرو زمان»، وكانت على ما أتذكر لمدة خمس دقائق تسبق نشرة التاسعة مساء!
وذلك ما دام رأي سعد الهلالي مطلوباً لذاته، لتحقيق الإثارة، في برنامج «ما يطلبه اللهو الخفي»، وليس «ما يطلبه المستمعون من الأغاني العربية»، فمثل هذه «الطلعات الجوية» مما يغضب المستمعين والمشاهدين وأبناء السبيل، ودائماً فإن سعد الهلالي في الخدمة، وهو يضبط ايقاعه على هذه الموجة القصيرة، وهو شخص تقرب من الدنيا، لكن الدنيا أدارت له ظهرها، فلا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، وهو ما كان يعتبر نفسه ولي عهد، سواء لوزير الأوقاف أو لشيخ الأزهر، وقد بدأ الاختيار من صف التلاميذ أسامة الأزهري للوزارة، أما المشيخة فإن «طلعاته الجوية» جعلته ورقة محروقة، وهي طلعات ظن أنه يتقرب بها للسلطة زلفى!

الهلالي عندما ابتعث الله نبيين

أزمة الهلالي في أنه لم يدرك أزمته، فهو كأي شخص تقليدي، يعتبر أن وزير الداخلية أعلى سلطة في مصر، وقد كان هذا قائماً في عهد مبارك على مدى ثلاثين عاماً، وليس سراً أن زكي بدر كان أقوى نفوذا من عبد الحليم أبو غزالة، وأن حبيب العادلي كان أعلى كعباً من المشير محمد حسين طنطاوي، ولم يدرك الهلالي التغييرات التي جرت بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011 وتكرست بالانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013، فانتصب خطيباً في جمع من السلطة ليساوي بين الرؤوس، ويقول إن الله كما ابتعث نبيين هما موسى وهارون، فقد ابتعث أيضا نبيين هما السيسي ومحمد إبراهيم.. يقصد وزير الداخلية!
وكان عليه بعد هذا الإعلان أن يدرك أنه انتهى، فإن لم يكن في لياقة ذهنية تمكنه من ذلك وقتئذ، فكان عليه الوعي بذلك عقب اطاحة نبي من أنبيائه بالنبي الآخر من أنبيائه، ذلك لأن المنقلب كالفريك لا يقبل شريكاً، وأن المشهد لا يتسع لرأس تتساوى برأسه، رفعت الأقلام وجفت الصحف!
وربما أدرك الهلالي هذا في الوقت الضائع، فكان من نتاج هذا الوعي المتأخر، أنه رضي من الغنيمة بالإياب، ومن المشهد العام بمثل هذه الطلعات الجوية، التي يستدعى لها فيكون جاهزاً بما هو مثير ليؤدي الغرض في مهمة الإلهاء ويثبت لنفسه أنه لا يزال على قيد الحياة!
وأزمة الهلالي المسؤولة عن استمراره في حرق نفسه فلا يصلح «طلبة ولا طار»، ويعد من المغامرة أن يرق النظام لحاله ويمكنه من دنيا يريدها، أنه جاء للمشهد العام على كبر، وفق قاعدة «بعد ما شاب ودوه الكتاب»، فلم يفهم معنى «الحرق السياسي»، وقد كانت السلطة عندما كانت في لياقتها تعرف كيف تحرق المعارضين، ولا يمكنها ذلك إلا إذا كان المعارض في وضع الاستعداد.
الدرس في نهاية الدمرداش العقالي:
هناك فيديو منتشر عبر منصة «التوك توك» لجانب من مرافعة المحامي الدمرداش العقالي في نهاية الثمانينيات في إحدى قضايا العنف، وهو يصول أمام المحكمة ويجول، ويقدم ويدبر، كمترافع من الطراز الأول، وشجاع من طراز نادر وهو يهاجم جهاز أمن الدولة الذي يلفق القضايا، وقد تعرف عليه جيلنا، لكن لم تعرفه الأجيال الجديدة، وقد شاهد أحد الصحافيين الشبان المقطع، واتصل بي يسأل لم يذع صيت الرجل، وقد توفي حديثاً نسبياً (مارس/آذار 2019)، وعددت له الأسباب، وليس هذا مجالها، لكن السبب المهم أن الرجل الذي كان قيادياً في حزب العمل المعارض، وافق على التعيين في البرلمان بقرار من الرئيس، وانضم للحزب الوطني، وبعد ثلاث سنوات تم حل مجلس الشعب، ولأنه صار ورقة محروقة، فلم يختاروه للبرلمان الجديد، فانتهى واعتزل الحياة العامة وتشيع!
وقد تكون أزمة سعد الهلالي هو في تصوره أنه بهذا الكلام قد يرضي أولي الأمر منه، أو أن دعوة السيسي السابقة لتجديد الخطاب الديني قد تستهدف الاقتراب تشريعياً من منظومة المواريث، لكونه وافداً على المشهد العام، فبعيداً عن الموقف الديني الذي يوصينا في أولادنا للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن هذا من المستحيل في مجتمع في مجمله يحتاج إلى سيف القانون لحمله على منح المرأة ميراثها، وإلى وقت قريب كانت المرأة تفضل أخوتها بميراث أبيها على أن تأخذه لزوجها وأبنائها، وإذا سلمنا بأن أوامر الله قابلة للعرض لاستفتاء البشر عليها، فإني أقرر من مقامي هذا أن نتيجة الاستفتاء قد تكون بحرمان المرأة تماماً من الميراث، لا النصف ولا الربع، فما هو المخرج من هذه الورطة من وجهة نظر الهلالي سلامة؟!
وبعيداً عن الدين، هل يعتقد الهلالي أن منظومة الحكم التي يسعى لإرضائها لديها رغبة في التدخل التشريعي، في تعديل قوانين المواريث؟ وما الذي يمنع القوم من التمييز بين أولادهم في الميراث بذلك في حياتهم؟ إنهم إن فعلوا، ولن يفعلوا، قد يجدوا أنفسهم أمام المحاكم في دعاوى الحجر عليهم من أولادهم الذكور؟!
إنها مجرد طلعة تستهدف الإلهاء، فنخرج من قضية إلى قضية، ومن أزمة سلاسل محال بلبن، إلى ضجة سعد الهلالي، حيث يقول الكلام على «إم بي سي مصر» ويكرره على «العربية»، ويشترط أن يظهر بمفرده، حتى لا يفقد صلاحيته، على نحو يجعل من اقتراحنا لـ»الاتجاه المعاكس»، بلا معنى!
في انتظار «طلعة جوية» جديدة!

أرض جو:

ناقش برنامج «العاشرة» في قناة «العربية» مساء الخميس القرار الأردني بحل جماعة الإخوان المسلمين، وقد راعني أنه نقاش حمل القرار ما لا يحتمل، بادعاء أن الجماعة تخطط لإعلان الحرب على الدولة الأردنية، والذهاب إلى كلام من الشرق والغرب، لتأكيد هذا المعنى، فكان التذكير بالمانشيت الجريمة لجريدة «المصري اليوم»، عن ما أطلق عليه «مليشيات الأزهر» وذلك في سنة 2006، وكان أداء الجريدة تمهيداً لقضية تحمل هذا الاسم أحيل فيها طلاب من جامعة الأزهر وقيادات من الإخوان من بينهم خيرت الشاطر للمحاكمة!
وكان الطلاب يحتجون على استبعاد أسمائهم من الترشيح في انتخابات الاتحادات الطلابية. وقالت الجريدة إنهم يتدربون على قلب نظام الحكم. يومئذ كتبت ما أهون نظام الحكم الذي يقلبه طلاب بلعبة الكاراتيه، وهي اللعبة التي قال المانشيت إنهم كانوا يتدربون عليها داخل الحرم الجامعي في اعتصامهم!
إنه عرس الزين!

 صحافي من مصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب