مقالات

سوريا : بحكم تخصصي كطالب علوم سياسية بقلم الدكتور وليد عبد الحي

بقلم الدكتور وليد عبد الحي

سوريا : بحكم تخصصي كطالب علوم سياسية
بقلم الدكتور وليد عبد الحي
بصفتي من طلاب العلوم السياسية ، وبحكم هذا التخصص الرئيسي ، وبحكم تعلقي بتخصص فرعي آخر هو الدراسات المستقبلية التي اتشابك معها منذ حوالي 45 سنة، اجد نفسي مشدودا لمطاردة الظواهر السياسية ، بخاصة ما له صلة بالاقليم العربي الذي وصل فيه الاضطراب الى جعله يحتل المرتبة الاولى بين الاقاليم التسعة في العالم في عدم الاستقرار.
من بين آخر الظواهر ،اتوقف اليوم امام ظاهرة الخصها في الآتي : ان الولايات المتحدة وبريطانيا وبقية دول الاتحاد الاوروبي، بدأت فعلا أو انها في مرحلة الاعداد أو انها تريد استيضاحا ما، في اتخاذ خطوات تمهيدية لرفع العقوبات السياسية والاقتصادية والقانونية عن سوريا، وهو ما سيتوجب طرح السؤال التالي:
هل رفع العقوبات من هذه الدول الغربية يتم من باب “تحول هذه الدول الى مبرات او هيئات خيرية ؟ ، او أن تلك الدول الغربية تعرضت لضغوط خارجية لا تتمكن من مقاومتها ؟ أو ان سوريا موافقة على الاستجابة للتخلي عن السياسات التي تم فرض العقوبات عليها بسببها ؟ لا اظن ان هناك احتمالا رابعا.
دعونا نعود الى طالب العلوم السياسية لنقرأ جوابه:
هناك الآن 25 دولة تخضع لعقوبات عليها من الولايات المتحدة، وهناك 38 دولة تخضع لعقوبات اوروبية متفاوتة، وهناك اكثر من 58 دولة تواجه عقوبات اممية من هيئات الامم االمتحدة الرئيسية او من فروعها او من دول غربية والولايات المتحدة او غيرها ، لكن لم اجد اي رفع لكل او بعض العقوبات الا بمقدار استجابة الدولة التي تحت الحصار لمطالب من يفرضون الحصار او العقوبات، ولم اجد حتى حالة واحدة تشذ عن هذه القاعدة، وهو ما ينفي “العمل الخيري”.
ذلك يعني ان دبلوماسية الاسترخاء الغربي مع سوريا وتزايد التوجه لرفع العقوبات عنها – والتي اعلنت بريطانيا عنها امس- هو لان سوريا أعطت اشارات باستعدادها بكيفية او أخرى للاستجابة لمطالب فارضي الحصار .
فما هي المطالب الغربية لرفع الحصار ؟
1- الديمقراطية وحقوق الانسان : هناك حاليا 64 دولة مصنفة بانها ضمن أعلى درجات الاستبداد، من بينها 39 دولة لا تخضع لاي شكل من اشكال الحصار او العقوبات الامريكية، وهناك 26 دولة ديكتاتورية لا تخضع لاي عقوبات اوروبية ، وهذا دليل قاطع على ان معامل الارتباط الاحصائي يشير الى علاقة ضعيفة للغاية بين الديمقراطية والحصار، وهو ما يعني عند تطبيقه على سوريا ان الحصار عليها ليس بسبب طبيعة نظامها، ويكفي ان نلقي نظرة على دول مجلس التعاون الخليجي ،فكل دول هذا المجلس تقع ضمن دول الاستبداد لكنها لا تواجه أدنى عقوبة او اي حصار من الغرب .
2- مطالب سياسية خاصة: لا نريد اخذ النقاش الى كل دولة تخضع للحصار والعقوبات ، فلكل منها خصوصيتها، وفي سوريا- وهي دولة عاشت قرابة ستة عقود تحت حكم استبدادي- فان السبب الحقيقي ليس الديمقراطية لفرض الحصار عليها، بل بسبب موقفها من القضية الفلسطينية(حتى لو كان موقفا مخادعا)، فهي احتضنت المقاومة الفلسطينية حتى ولو من باب الانتهازية ، وكانت معبرا لسلاح المقاومة اللبنانية، ورفضت التطبيع مع اسرائيل، وهو ما يعني ان التوجه لرفع الحصار والعقوبات الاخرى عن سوريا مدفوع بوعود او اتفاقيات غير معلنة بالتحرر السوري من اسباب الحصار والعقوبات ، وهو ما يعني : التقارب التدريجي مع تيارات التطبيع مع اسرائيل ، والامتناع عن اية مساندة لاي مشروع مضاد للمشروع الصهيوني في فلسطين، فإن لم يكن هذا هو السبب ولا السبب الديمقراطي كما اوضحنا، فما هو ؟ لم يبق الا تفسير العمل الخيري..وكطالب علوم سياسية لا اراه باي قدر من المصداقية.
3- يلاحظ ان عدد الزيارات التي قام بها دبلوماسيون غربيون الى سوريا يشير الى “تلميحات ” سورية تشجع هذا الانفتاح ، فليت النظام السوري الجديد يقدم لنا تفسيره لهذا الانفتاح .
4- من حقي –كطالب علوم سياسية وأظن أني مجتهد بعض الشيء – أن اسأل هل الموقف الفقهي لجبهة تحرير الشام من الكيان الصهيوني واحتلال القدس بكل جلال مقدساتها يتسق مع فكرة التطبيع مع اسرائيل؟ او ما هي أدبيات هذه الجبهة تجاه الانفتاح الغربي( الصليبي الخليع الكافر عدو الله…الخ) على نظامها السياسي الآن؟ فهل هي انحناء للريح العاتية الى حين مرور العاصفة وبناء الدولة؟ إن كان كذلك ،فهل تظن جبهة تحرير الشام ان الغرب الكافر ساذج الى هذا الحد ؟ أم ان هذا الغرب ” الصليبي ” سيطلب من الجبهة او سوريا بنظامها الجديد تنفيذ ما يريد هذا الغرب أولا ثم سينظر قبل ان يسمح برفع ادنى قدر من الحصار او العقوبات ؟ فالغرب يعمل وفق قاعدة محددة هي :لا تقل لي ولكن دعني ارى اولا.
أخيرا ، اتمنى ان لا يقرأ مقالي إلا طلبة العلوم السياسية ، لان اساتذة الميدان سيتجاوزون سذاجتي المفرطة ، بينما الطالب ” قد ” يتباهى بزميله …ربما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب