«الترويكا» تهدّد بـ«آلية الزناد»: لا مفاوضات نووية من دوننا

«الترويكا» تهدّد بـ«آلية الزناد»: لا مفاوضات نووية من دوننا
طهران | على رغم اضطلاعها، قبل عقدَين، بدور محوري في بلورة المحادثات التي أفضت إلى إبرام الاتفاق النووي عام 2015 بين إيران والقوى الدولية (الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن الدولي زائداً ألمانيا)، أصبحت الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، اليوم، على هامش المحادثات النووية الجارية بين إيران والولايات المتحدة. ومع أن الصين وروسيا، بخلاف ما كان الحال عليه قبل 10 سنوات، لا تشاركان في المحادثات الجديدة، لكنّ كلتيهما قريبتان من الجمهورية الإسلامية التي أجرى مسؤولوها، مشاورات مع البلدين، لوضعهما في أجواء العملية التفاوضية.
بيد أن الواقع يختلف تماماً بالنسبة إلى الترويكا الأوروبية، إذ تشهد علاقاتها تحدّيات مع طرفَي المحادثات النووية، إيران وأميركا. وتبدي الدول الأوروبية الثلاث قلقاً متزايداً، أولاً على خلفية تطوير طهران برنامجها النووي وإمداداتها العسكرية لروسيا في حربها على أوكرانيا، وثانياً بسبب تخلّي الولايات المتحدة عنها في دعم أوكرانيا، وكذلك رغبتها في خفض دور «الناتو» ووضع تعرفات جمركية كبيرة على الاتحاد الأوروبي.
على أن غياب الترويكا عن المحادثات النووية الجديدة، لا يعني عدم امتلاكها الأدوات اللازمة للتأثير عليها، إذ إن لديها بالفعل أداة قادرة بالفعل على إحداث تأثير بالغ على أجواء المحادثات، هي «آلية الزناد»، والتي يمكن الترويكا تفعيلها في تشرين الأول المقبل، والعمل من دون الحاجة إلى أصوات اللاعبين الآخرين، على العودة التلقائية لجميع العقوبات الأممية التي كانت قد عُلّقت بموجب القرار رقم 2231 (بوصفه الضامن للاتفاق النووي لعام 2015) على إيران، ما من شأنه أن يلقي بظلال قاتمة على المحادثات الإيرانية – الأميركية.
وكان وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، حذّر، الإثنين الماضي، من أن باريس لن تتردّد في إعادة العقوبات على إيران، في حال فشلت المحادثات بين طهران وواشنطن، في تصريح ينطوي على تحذير لكلا الجانبين معاً. كما حذّر الوزير الفرنسي من أن الدول الأوروبية الثلاث ستفعّل «آلية الزناد» ما لم يتم توفير مصالحها.
لدى الأوروبيين قدرة على إحداث تأثير بالغ على أجواء المحادثات الإيرانية – الأميركية
وفي ضوء ما تقدّم، تقول مصادر دبلوماسية مطّلعة إن ايران اقترحت عقد اجتماع مع دول الترويكا، غداً، قبيل انطلاق جولة المحادثات الرابعة مع الأميركيين، بعد غدٍ السبت، في روما، وهو ما وافقت عليه الدول الثلاث. وأكّد ذلك أيضاً، وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الذي قال، أمس، إن المحادثات مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا ستجري في نهاية الأسبوع الجاري، قبل بدء الجولة الرابعة من المحادثات مع الولايات المتحدة.
وعن حضور الدول الأوروبية الثلاث في جولة التفاوض المرتقبة، أوضح عراقجي، على هامش اجتماع الحكومة الإيرانية، أنه «وبسبب السياسات الخاطئة التي انتهجتها هذه الدول الثلاث، فإن دورها يتلاشى تدريجيّاً، لكنّ إيران لا تحبّذ ذلك. ولهذا السبب، فإنها مستعدّة لعقد الجولة المقبلة من المفاوضات بحضورها في روما». وأضاف: «نحن مهتمّون بحلّ هذه القضية من خلال تفاهم دولي. ولهذا السبب، نواصل مفاوضاتنا مع الأوروبيين، لكنّ المفاوضات الرئيسية حالياً هي مع الولايات المتحدة». كذلك، وصف عراقجي بعض التصريحات التي أدلى بها مسؤولون أوروبيون، بأنها «غير بنّاءة، وتسبّبت في تراجع دور الدول الأوروبية الثلاث في عملية التفاوض».
ويبدو أن الاقتراح الإيراني بالدخول في مفاوضات مع الترويكا الأوروبية، وزيادة التعاون مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، يشكّلان جزءاً من استراتيجية إيران لإيجاد التوازن في الدبلوماسية النووية. فطهران التي تخوض محادثات غير مباشرة مع الولايات المتحدة، بوساطة عمانية، تجري في الوقت ذاته، مشاورات مع حليفتَيها بكين وموسكو، وتسعى بالتزامن لخفض التصعيد مع أوروبا وتعزيز التعاون مع الوكالة الدولية، لتفادي مزيد من الضغوط الدولية عليها.
وعلى رغم تعقيدات هذا التوجّه المتعدّد الأطراف، لكنه يشكّل مؤشراً إلى إدراك طهران للقيود الزمنية والسياسية التي تواجهها. وممّا قاله الناطق باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، رداً على سؤال حول تنحية الأوروبيين عن المحادثات الأخيرة مع أميركا، إن «ذلك كان خيارهم». وفي ظلّ ما تقدّم، فإن إيران لا تسعى إلى إعادة أوروبا إلى طاولة المحادثات فحسب، بل تنوي تبديد سوء الفهم الناجم عن غيابها عن المحادثات الأخيرة، وتسعى في الوقت ذاته إلى استرضاء الدول الأوروبية، حتى لا تلجأ إلى تفعيل «آلية الزناد».
ويبدو أن الجولة الجديدة من المحادثات بين إيران والدول الأوروبية، ستركّز على إدارة الخلافات بينهما، إذ إن أوروبا التي تمرّ بوضع عصيب على خلفية ضغوط الولايات المتحدة عليها، واعتباراتها الداخلية، قد تستغلّ هذه الفرصة لمراجعة توجّهاتها تجاه طهران. ومع ذلك، فإن نجاح هذه المفاوضات يتوقّف على قدرة برلين وباريس ولندن وكذلك طهران، على إيجاد مقاربات عملية مشتركة تكفل تسوية الخلافات حول محور الملف النووي الإيراني.